ذيل الكلب بين السينما والواقع!
بقلم: سعدية مفرح
| 7 سبتمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
400 يوم من الحرب
كيفَ تطحنُ الآلة العسكريّة في شعبٍ أعزلَ على مدى...
-
ترامب في البيت الأبيض مجدداً
لا شك أن الفوز الذي أحرزه الجمهوريون بقيادة...
-
وصية طفلة شهيدة من غزة
لم نكن نعلم شيئا عن وصيتها قبل دفنها، وصية...
-
بين فكي نتساريم.. أنصاف عائلات
يقدّم المغترب اِلتماسه بلمّ الشمل ليحظى باجتماع...
-
ترامب.. العدو الصريح خير من الصديق الكتوم
"العدو الصريح خير من صديق كتوم".. مقولة عميقة...
-
من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة
"إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر...
مقالات منوعة
بقلم: سعدية مفرح
| 7 سبتمبر, 2023
ذيل الكلب بين السينما والواقع!
لا جديد.. فإن أعيانا البحث عن معلومات نجد فيها تفسيرا للأحداث الجارية في راهن السياسة، وجدنا في الأرشيف كثيرا من المقترحات بهيئة أخبار أو أحداث أو كتب، أو حتى أفلام سينما!.
في العام 1997، وقبيل الإعلان عن فضيحة تحرش الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بإحدى متدربات البيت الأبيض، وقراره قصفَ مصنع الحليب السوداني؛ استقبلت قاعات السينما في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم تحفة سينمائية ستبقى عالقة في أذهان المشاهدين لسنوات طويلة آتية بعنوان: “واغ ذا دوغ”، أو هزة ذيل الكلب كما ترجم إلى العربية، لتصبح العبارة واحدة من كلاسيكيات العبارات الهوليودية، كمصطلح يدل على ظاهرة شاعت بشيوع قوة تأثير الإعلام على واقع السياسة وتلاعبه بها، في العالم كله تقريبا.
يبدو أن صناع الفيلم أرادوا تجسيد تلك المقولة الواقعية بمشهدية سينمائية، كانت صالحة دائما لتفسير كثير من المواقف والأزمات السياسية المعقدة في راهننا
فيلم “واغ ذا دوغ” عمل سينمائي ساخر من إخراج المبدع باري ليفنسون، ينهض على فكرة قوة تلاعب الإعلام وقدرته على تشكيل الرأي العام، ويوظِّف فكاهته اللاذعة وسرده الذي يدعو للتفكير.. يظل “واغ ذا دوغ” فيلما هامّا ذا تأثير دائم على جمهوره.
تدور الأحداث حول خبير يبدع بتعديل الحقائق السياسية يُدعى كونراد بريان، جسد دوره الفنان روبرت دي نيرو، ومنتج هوليودي يُدعى ستانلي موتس، وقد جسد هذا الدور الفنان داستن هوفمان؛ حيث يتعاون بريان وموتس معا في خضم أزمة انتخابات رئاسية لابتكار حرب وهمية في ألبانيا، بهدف تحويل انتباه الجمهور عن فضيحة تتعلق بالرئيس الأمريكي الذي لم يبقَ على استحقاقه الانتخابي سوى 11 يوما وحسب!.
يبدأ الفيلم بحوار شديد السخرية، عميق الدلالة، مكتوب على شاشة سوداء، نقرأ فيه: لماذا يهز الكلب ذيله؟ لأن الكلب أذكى من ذيله، فلو أن الذيل أذكى من الكلب لهز الذيلُ الكلبَ!.
ويبدو أن صناع الفيلم أرادوا تجسيد تلك المقولة الواقعية بمشهدية سينمائية، كانت صالحة دائما لتفسير كثير من المواقف والأزمات السياسية المعقدة في راهننا، بلغة كوميدية ساخرة هدفها الوصول إلى أذهان الضحايا قبل الجناة في كل ما يتعلق بعالمي السياسة والإعلام بشكليهما الحديثين. وقد اعتمد الفيلم في حبكته الأساسية على كتاب كان قد صدر في العام 1991، في أعقاب حرب تحرير الكويت، بعنوان “البطل الأمريكي” للكاتب لاري بينهارت، وكان يشير بوضوح إلى أزمة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في مواجهة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، فكان لا بد له حينها من هزة ذيل أمام الناخب آنذاك!. فقليل من الناس سيغامرون بتغيير الخيل وهي في المضمار، وذلك ما تنص عليه واحدة من مقولات الفيلم!.
لكن صناع هزة ذيل الكلب، الذي أُنتج في العام 1997، كانوا قد قرروا أن يصوروا فيلمهم بشكل يوازي الحاضر الأمريكي بوجود رئيس متهم بالتحرش فعلا؛ فأصبحت الأحداث تدور حول الرئيس المتهم بالتحرش قبيل الاستحقاق الانتخابي بقليل، ما يجعل من عملية هزة الذيل عملية مصيرية، تجسدت بحرب خارجية يمكنها أن تصرف انتباه الناخبين إلى ما وراء الحدود!.
في الفيلم ينجح الخبير بالتعاون مع المنتج السينمائي في إنتاج حرب متوهمة في ألبانيا التي لا يعرفها الناخب الأمريكي جيدا، ما يجعلها هدفا ذكيا للعملية كلها.. وهكذا يعيش العالم كله تواطؤا سياسيا إعلاميا يشارك فيه حتى خصوم الرئيس في الانتخابات! ودارت رحى الحرب في الاستوديو على يد المنتج العاشق لمهنته إلى حد التماهي الحقيقي مع المهمة الجديدة، وهو ما جعله في النهاية ضحية غير متوقعة لها، كمؤشر غريب على نجاحه المتألق في أداء المهمة الكاملة!.
تتجلى أهمية فيلم هزة ذيل الكلب في إظهاره عدة حقائق، منها فكرة تلاعب الإعلام، إذ يسلط الضوء على طبيعة التلاعب الذي يمارسه الإعلام، وكيف يمكن استخدامه كأداة لتحويل انتباه الجمهور عن القضايا الحقيقية أو الشعبية لصالح قضايا غير مهمة
والفيلم أتى في سياق سلسلة من الأفلام التي حاول صُنَّاعها دائما الكشف عن العلاقات المتشابكة والشائكة بين السياسة والإعلام في العصر الحديث، وعن تلاعُب الإعلام بالواقع السياسي حتى وإن صار هو في النهاية أحد ضحايا ذلك التلاعب.
من تلك الأفلام على سبيل المثال: فيلم “فور لايون” (2011)، وهو فيلم وثائقي يستعرض دور شبكة “فوكس نيوز” في صنع وتشكيل الرأي العام الأمريكي، وتأثيرها على السياسة؛ وفيلم “نتورك” (1976)، الذي أخرجه سيدني لوميت حول صحفي يكشف عن فساد وتلاعب في الأعمال السياسية.
كذلك فيلم “جود نايت آند جود لاك” (2008) وهو من إخراج جايسون ريتمان، وفيه استكشف الأزمة المالية العالمية عام 2008 وتلاعب المصارف ووسائل الإعلام في أحداثها؛ وفيلم “ثري دايز أوف ذا كوندور” (1975)، الذي تناول موضوع الحرب الباردة وتلاعب الوكالات الاستخبارية والإعلام.
أيضا فيلم “فروست نيكسون” (1999) من إخراج أوليفر ستون، وهو يستعرض فضيحة ووترغيت والدور الملتوي للإعلام في سقوط الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وفيلم “ذا بوست” (2017)، الذي استند إلى أحداث حقيقية حول الصحفيين الذين كشفوا عن فضيحة تلاعب الإعلام في مؤسسة “ذا بوست” الصحفية قبيل فضيحة ووتر غيت بقليل.
وأخيرا “ساتايريكون” (1976)، وهو فيلم ساخر من إخراج بيلي وايلدر، ينتقد تلاعب وسائل الإعلام والسياسة بالمجتمع الأمريكي.. وغيرها كثير من الأفلام الأقل شهرة، التي حاولت أن تكشف المستور من داخل الأستوديوهات نفسها التي ساهمت بصناعة هذا المستور، ولكن غالبا ما يهز ذيلُ الكلب الكلبَ نفسه مرة أخرى، من دون أن ينتبه المتفرج الجالس على المقعد أمام شاشة الحياة.. إلا بعد مرور وقت طويل، وأحيانا لا ينتبه للأبد!.
أضفت حرفية الصنعة السينمائية أهميتها الخاصة على الفيلم، حيث نجح المخرج باري ليفنسون ببراعته المشهودة في مزج الكوميديا السوداء بالتشويق مع إثارة الاهتمام الشعبي
تتجلى أهمية فيلم هزة ذيل الكلب في إظهاره عدة حقائق، منها فكرة تلاعب الإعلام، إذ يسلط الضوء على طبيعة التلاعب الذي يمارسه الإعلام، وكيف يمكن استخدامه كأداة لتحويل انتباه الجمهور عن القضايا الحقيقية أو الشعبية لصالح قضايا غير مهمة لكنها تبدو كذلك تحت أضواء التصوير، وهو ما يعزز الموضوع المركزي للفيلم الذي يتناغم مع الواقع الحالي المليء بالأخبار الكاذبة والزائفة. كما يكشف الفيلم الساخر عن تهويل الحملات السياسية والمدى الذي يمضيه أصحاب السلطة للحفاظ على صورتهم الجماهيرية، فهو يُعتبر انتقادا لاذعا للآلية السياسية ودور الإعلام في تشكيل الرأي العام عموما.
وقد أضفت حرفية الصنعة السينمائية أهميتها الخاصة على الفيلم، حيث نجح المخرج باري ليفنسون ببراعته المشهودة في مزج الكوميديا السوداء بالتشويق مع إثارة الاهتمام الشعبي. وأتت الكتابة الذكية والحوارات الحادة بنمط الجمل القصيرة لتبقي الجمهور مشدودا إلى الفيلم حتى مشهد النهاية، ومشغولا بتلقي ما يظن أنه الرسالة الأخلاقية للفيلم.
والأداء الاستثنائي لكل من روبرت دي نيرو وداستن هوفمان، كل على حدة، كان أحد أهم عناصر قوة الفيلم وخدمته للفكرة الأساسية، فقد جسد دي نيرو شخصية كونراد بريان بحدة وقوة محسوبة، في حين أضاف هوفمان تأثيرا مميزا لشخصية ستانلي موتس من خلال تمثيله السلس والمؤثر في كل مشاهده، وخصوصا في نهايات الفيلم.
ورغم مرور ما يقرب من ربع قرن على عرض الفيلم لأول مرة، فإن أسئلته العامة حول خطورة التلاعب السياسي والتضليل الإعلامي ما زالت قائمة، بل تضاعف حجم التفكير فيها في ظل واقع تسيَّدته وسائل الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تُتداوَل الأخبار والمعلومات بسرعة فائقة، ويمكن للأفراد المشاركة فيها بتوسع وتأثير كبيرين.
ففي الوقت الذي يكشف فيه الفيلم عن التواطؤ بين الآلة السياسية ووسائل الإعلام عموما، للتلاعب بالرأي العام، يصور الصحفيين على أنهم عرضة للاستخدام كأدوات لتعزيز أجندات سياسية، دون الالتفات إلى مسؤولياتهم الأخلاقية في نقل الحقيقة وتقديم معلومات غير متحيزة، ما يضخم من تساؤلات الجمهور حول حقيقة النزاهة الصحفية، من خلال البحث وراء دوافع الصحفيين، وعلاقاتهم بالمصادر، والتضاربات المحتملة للمصالح التي قد تُضعف موضوعيتهم أو تدفعها للانتحار. وبالتالي يمكن اعتبار الفيلم تذكيرا بأهمية الصحافة المسؤولة في الحفاظ على المجتمع الديمقراطي تحت رقابة حية من الجماهير؛ ما دامت ذيول الكلاب قادرة على هز الكلاب رغم أنف المنطق!.
مستشارة ثقافية من الكويت
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
همام ليس في أمستردام!
لم يكن استدعاء في محله! فعقب الموقف البطولي لأحرار المغرب في العاصمة الهولندية "أمستردام"، استدعى البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي اسم فيلم "همام في أمستردام"، ولا يمكن قبول هذا الاستدعاء إلا من حيث أن "القافية حكمت"، فلم يكن هذا الترويج لفيلم خفيف كالريشة، إلا في...
400 يوم من الحرب
كيفَ تطحنُ الآلة العسكريّة في شعبٍ أعزلَ على مدى أربعمئة يومٍ ويبقى أهلُها على قيد الوجود؟ إنّ حريقًا واحِدًا شَبّ في روما أيّام نيرون قضى على أكثر من عشرة أحياء في روما من أصلِ أربعةَ عشرَ حَيًّا ودمّر كلّ ما فيها ومَنْ فيها. ليسَ صمودًا اختِيارًا وإنْ كان في بعضِه...
ترامب في البيت الأبيض مجدداً
لا شك أن الفوز الذي أحرزه الجمهوريون بقيادة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، والفائز الحالي في انتخابات 2024، يشكل فوزاً تاريخياً، كما قال عنه ترامب نفسه.. هذا الفوز يأتي في مرحلة بالغة التعقيد محلياً ودولياً، حيث يقف المجتمع الدولي فيها على حافة أزمات اقتصادية...
0 تعليق