مواقف نبوية في عيون المستشرقين
بقلم: خليفة آل محمود
| 9 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: خليفة آل محمود
| 9 يوليو, 2024
مواقف نبوية في عيون المستشرقين
ستجد الإعجاب في كتب المستشرقين حين يكتبون عن المنطقة العربية، وعن رجل مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. السؤال المحوري الذي يتكرر: كيف استطاع محمد بن عبد الله وضع أسس تلك الحضارة؟ هناك نتيجة تصل لها دراساتهم، أقلها أنه شخصية تاريخية استثنائية لا تتكرر.
مستشرق ألماني قال: أعظم شيء فعله محمد هو أنه أرسى قيم المساواة، وفرض القانون على أمة يستحيل إقناعها بتلك القيم! هم في قراءتهم للسيرة يستوقفهم الكثير من الحوادث عن معنى ذلك الالتزام، وصعوبة فرضه على تلك الشعوب؛ والإنجاز الحقيقي هو التطابق التام بين النظرية والتطبيق.
جابر بن عبد الله، الذي قُتل أبوه وهو يدافع عن رسول الله في غزوة أحد، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أثقلت كاهله الديون، طلب منه طلبًا منطقيًّا، أن يحدّث دائنه اليهودي بتأجيل الدين الذي ورثه عن أبيه.. ذهب الرسول إلى اليهودي بذلك الطلب ورفض الرجل، قلل النبي من سقف المطالبة للتخفيف عن ابن شخص من أحب الناس إليه، ليقول: خذ النصف الآن والنصف السنة القادمة، رفض الدائن ذلك الحل، وتمسك بتحصيل دينه في الموعد المتفق عليه؛ فيذهب النبي ويطلب من جابر أداء الدين في موعده.
نحن نتحدث عن صاحب أعلى منصب سياسي في المدينة، مارس نفوذه الأدبي وابتعد عن فرض سلطته بالإجبار وهو قادر، حيّد مشاعره الشخصية ووقف أمام الاثنين على مسافة واحدة، القيمة التي نجدها في تلك الحادثة هي عدم الفصل بين منصب رأس الدولة، والحق الخاص لمواطن لم يستطع أحد أيًّا كان أن يثنيه عن قراره بالتمسك بحقه.. ما حدث هو مرحلة متطورة جدًا في الفكر الإنساني يتجاوز المدينة والحجاز وشبه جزيرة العرب.
إقناع المجتمع العربي بالانصياع للتطبيقات القانونية ليس بالأمر الهين، المجتمع قد يتقبل الأمر بجانبه النظري، ولكنه يرفضه في جانبه العملي والتطبيقي؛ ولكننا نشاهد تلازم الجانبين بوضوح في تنفيذ القصاص في السيدة المخزومية، إذ لم يقبل المجتمع أن يمس القانون فردًا ينتمي إلى الطبقة المخملية، السؤال الذي تردد: هل من المعقول والمنطق معاقبة امرأة شريفة؟! واستمر البعض في محاولاتهم لإثناء النبي عن إنفاذ الحد، دفاعًا عن طبقيتهم التي ستذوب أمام وهج التطبيق، ووصلوا إلى الدائرة الضيقة حول الرسول للشفاعة لمنع ذلك الأمر.. بعد ذلك الضجيج حسم القائد الذي يتبوأ مقاليد السلطة الجدل، ليقول بعد أن جمع الناس: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، وحذّر كذلك من أن انهيار الأمم يكون بسبب التباين في تطبيق القانون حسب مكانة الفرد في المجتمع.
هذه الحادثة – وغيرها مثلها- لطالما استوقفت المستشرقين في كتبهم.. التقدير الكبير لقيمة العدل حتى مع مخالفيه في الانتماء الديني، ويتضح ذلك في توصيته لمجموعته المضطهدة باللجوء إلى النجاشي المشهور بالعدل ليكون ملاذًا لدينهم، ثم ترسل قريش أحد كبار تجارها، لم يكن اختيار عمرو بن العاص خبط عشواء، بل لتذكير النجاشي بالاختيار بين مصالحه المالية والتجارية مع قريش، أو الوقوف مع معارضيهم من أفراد مجموعة محمد، الذين لا يملكون من الدنيا إلا حطامها، ويرفض الرجل ذلك الابتزاز، ويضرب بعرض الحائط تهديدهم انحيازًا لمبادئه في عمل نادرًا ما نجده في عالم السياسة، ليتبين بُعْد نظر الرسول حين قال: “إن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد”.. نقول هنا إن أعلى مراتب الاحترام في الالتزام بالقيم الأخلاقية، حتى مع من خالفك في الدين والعرق.
نقف بهدوء لنشاهد اجتماعًا بالغ الأهمية، يكتب في كتب التاريخ في عدة سطور، ولكنه حادث مفصلي غيّر وجه التاريخ والبشرية.. بعد موت الرسول اجتمع أصحابه للتشاور بعد انشقاق الجميع باستثناء بعض المدن، الخليفة أبو بكر المعروف أنه هادئ الطبع ينزع تلك الثياب، ويتحول إلى رجل شديد الصرامة يغلي غضبًا، ليمسك بتلابيب ثياب عمر بن الخطاب، ويقول له: أجبار في جاهلية خوار في الإسلام؟ وسبب غضبه اقتراح سياسي من عمر لتقليل الضرر على الدولة الناشئة، الأمر الذي استفز الخليفة الذي وجد ذلك ضعفًا لا يليق بالموقف.
لذا، حين انصاع الجميع للرأي الصارم لخليفتهم، تم عبور الدولة من دائرة الفناء والتشرذم بموت مرشدها ونبيها إلى البقاء بنبراس من قيمه التي غرسها في مجتمعه البدائي البسيط، لتصل إلى سهول الصين شرقاً والتلال المطلة على باريس غرباً. لذا، يرى المستشرقون عظمة الرجال في بقاء قيمهم بالقوة نفسها حتى بعد غيابهم، وعليه فالنبي محمد هو الرجل الوحيد الذي ينطبق عليه القول: لم تعد الدنيا بعدهم كما كانت.
ذلك الفكر المتطور سنّه رجل أمي لا يعرف فك طلاسم الحروف، ولم يقم يومًا بين مدن وحواضر سياسية متطورة يكتسب منها علم طريقة إدارة أمور الدولة وتطويرها.. ما وقف عليه المستشرقون هو: كيف نجح محمد في غرس نظام وقيم رصينة، استمرت بعد وفاته حتى كتابة مؤلفاتهم؟ وما سبب نجاحه الباهر في تحويل تلك القبائل الهامشية، التي كانت تتصارع عشرات السنوات على أسباب واهية، إلى أهم صناع الحضارة الإنسانية؟
لذا، وعَوْد على بدء، ونحن نقرأ يجب أن ننتبه، لأننا سنصادف من يدس السم في العسل، يكتب ما يمليه قلبه السقيم، أما المنصفون المحايدون فسوف تكتشف وتستمتع بقراءة وتحليل جميل في أطروحاتهم، ستقلب مئات الصفحات بمتعة وأنت تقرأ جوابًا عن السؤال المحوري الذي شغل بالهم: كيف استطاع محمد فعل كل ذلك في الـ 63 سنة التي عاشها؟!.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق