ألا إن نصر الله قريب

بواسطة | مارس 28, 2024

بواسطة | مارس 28, 2024

ألا إن نصر الله قريب

قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنَّة ولمَّا يأتكم مَثَل الذين خلوا من قبلكم مسَّتهم البأساء والضَّراء وزُلزلوا حتَّى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنَّ نصر الله قريبٌ} [سورة البقرة: 214].

نزلت هذه الآية في غزوة الخندق، حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة، والحر والبرد، وسوء العيش، وأنواع الشدائد..  وكان كما قال الله تعالى: {وبلغت القلوب الحناجر}؛ وقيل: نزلت في حرب أحد نظيرتها في آل عمران {أم حسبتم أن تدخلوا الجنَّة ولمَّا يعلم الله الَّذين جاهدوا منكم ويعلم الصَّابرين} [سورة آل عمران: 142]؛ وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهودُ العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسرَّ قوم من الأغنياء النفاق، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم أم حسبتم. و”أم” هنا منقطعة، بمعنى بل، وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة ألف الاستفهام ليُبتدأ بها، و”حسبتم” تطلب مفعولين، فقال النحاة: “أن تدخلوا” تسد مسد المفعولين، وقيل: المفعول الثاني محذوف: أحسبتم دخولكم الجنة واقعا؛ و”لما” بمعنى لم . و”مَثَل” معناه شبه، أي ولم تُمتحنوا بمثل ما امتُحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا؛ وحكى النضر بن شميل أن “مثل” يكون بمعنى صفة، ويجوز أن يكون المعنى: ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم، أي من البلاء. قال وهب: وُجد في ما بين مكة والطائف سبعون نبيا موتى، كان سبب موتهم الجوع والقمل، ونظير هذه الآية {الم* أحسب النَّاس أن يُتركوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون* ولقد فتنَّا الَّذين من قبلهم فلَيعلمنَّ الله الَّذين صدقوا ولَيعلمنَّ الكاذبين} [سورة العنكبوت: 1-3]؛ فدعاهم تعالى إلى الصبر، ووعدهم على ذلك بالنصر فقال: {ألا إن نصر الله قريب}.

هي دعوة للثقة بنصر الله مهما بلغت قسوة ما يصيب الأمة من بأساء وضراء لدرجة الشعور بالزلزلة، التي تكون في الأشخاص والأحوال.. لكن، هل تستحق الأمة النصر على الأعداء هذه الأيام؟. الإجابة بسيطة وسهلة للغاية وهي: لو عملت الأمة للآخرة لنالت نصر الله في الدنيا والآخرة. فقد قال تعالى: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه ۚ ينصر من يشاء ۖ وهو العزيز الرَّحيم} [سورة الروم: 4-5].

يجب علينا أن نتلمّس طريق النصر والخلاص من هذا الواقع الكئيب، ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى كتاب الله تعالى؛ لنأخذ منه السنن الكونية والنفسية لتحقيق الأمل المنشود. والله تعالى قضى بحكمته أن تكون المواجهة بين الحق والباطل سنةً كونيةً من سنن الحياة، منذ عهد أبينا آدم عليه السلام وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، لكن العاقبة للمتقين، والغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهذا النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين ليس مقتصراً على الدنيا فحسب، كما دلّ عليه قوله تعالى: {إنَّا لننصر رسلنا والَّذين آمنوا في الحياة الدُّنيا ويوم يقوم الأشهاد} [سورة غافر: 51].

وما نشاهده اليوم من تجبر وسفك لدماء الأبرياء في غزة على أيدي عصابة الصهاينة، التي تواصل حربا حيوانية هي الأبشع في تاريخ البشرية، ما هو إلا ابتلاء للأمة يحتاج منها العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأن نأخذ بالأسباب ونكون على يقين أن نصر الله قادم لا محالة؛ فلا تقنطوا من رحمة الله، وقد قال تعالى: {قال ومن يقنط من رحمة ربِّهۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّون} [سورة الحجر: 56].

إن الله عزوجل يريد أن يعلّم الأمة درساً عظيماً، وأمراً جليلاً، ألا وهو أن النصر لا يكون بالأسباب الظاهرة والعقوبات العاجلة فحسب، لكن حقيقة النصر الثبات على المبادئ.

وقد يتأخر النصر لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى، ولأسباب لا يعقلها إلا من وهبه الله نظراً ثاقباً وفهماً عميقاً للأمور والأحداث، ومن تلك الأسباب كون الأمة الإسلامية غير مؤهلة لحمل راية الإسلام، فلو نالت النصر لفقدته سريعاً، لعدم قدرتها على حمايته طويلاً، وقد يبطؤ النصر لأن الله سبحانه يريد من المؤمنين أن يزيدوا صلتهم بالله، ويجردوا نواياهم من كل ما يشوبها.

وعندما نكون مؤهلين سيأتينا نصر الله عندما نأخذ بأسباب تحقيق النصر، لأن الله سبحانه وتعالى سوف يُعلي كلمته، وينصر دينه.

1 تعليق

  1. Othman Otoum

    بارك الله فيك ياسويسي

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...