أميركا والتخبط في “البحر الأحمر”

بقلم: خليل العناني

| 18 يناير, 2024

بقلم: خليل العناني

| 18 يناير, 2024

أميركا والتخبط في “البحر الأحمر”

تستعرض هذه المقالة التطورات الأخيرة في السياسة الأميركية تجاه الأزمات في غزة وجنوب البحر الأحمر، كاشفةً تخبط القرارات والتصرفات الأميركية وتأثير ذلك على الوضع في المنطقة.

تخبط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط: من غزة إلى جنوب البحر الأحمر

لا تزال الولايات المتحدة تكابر وتعاند وتتخبط في إدارة مسألة الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة؛ وهو تخبط يعكس شلل العقل الإستراتيجي الأميركي، وتراجع قدرته على رؤية وتقييم المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

ولعل آخر تجليات هذا التخبط ما يتعلق بالتعاطي الأميركي مع أزمة الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر؛ فقد قامت واشنطن قبل أسبوع، وبالتعاون مع بريطانيا، بالتصعيد والهجوم على حركة “أنصار الله” الحوثيين في اليمن، وقد شمل الهجوم خمس محافظات يمنية هي صعدة وصنعاء وحجّة والحُديدة وتعز؛ ويعتبر هذا أكبر عمل عسكري هجومي تقوم به أميركا ضد دولة أخرى منذ سنوات،

فحسب البيانات الرسمية الأميركية، تم استهداف ما يقرب من ١٦ موقعًا للحوثيين في هذه المحافظات الخمس، وضرْب منصات إطلاق صواريخ، ومسيّرات، ومخازن سلاح، حسب ما تقول واشنطن.

هذا الاعتداء، الذي لا يأتي تحت غطاء الأمم المتحدة أو من مجلس الأمن، ولا يتمتع بأية شرعية دولية، هو محاولة أميركية لردع الحوثيين وإيقاف نشاطهم في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة بعد الهجوم الضخم الذي شنّه الحوثيون على السفن البحرية الأميركية والبريطانية، وذلك باستخدام ١٨ مسيرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية، والذي تم التصدي له من قبل المدمرات البحرية الأمريكية والبريطانية الموجودة في البحر الأحمر.

دعم أعمى لإسرائيل

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، صرّحت إدارة بايدن مرارا وتكرارا بأنها حريصة على منع اتساع نطاق الحرب، وعدم فتح جبهات جديدة للصراع، ولكنها فعلت – ولا تزال- كل ما يؤدي إلى عكس ذلك، بحيث أصبح الصراع مفتوحا على كل السيناريوهات؛ فقد دعمت – ولا تزال- إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا بشكل أعمى وغير مسبوق. عسكرياً،

قدّمت واشنطن – ولا تزال- آلاف الصواريخ والقنابل والذخائر لإسرائيل، فضلا عن الدعم اللوجيستي والاستخباراتي والأمني، بل تجاوز وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الكونجرس الأميركي مرتين، وضغط من أجل إرسال آلاف القطع من الأسلحة لإسرائيل تحت ذريعة مساعدات طارئة لا تحتمل التأجيل أو النقاش داخل الكونجرس؛

ودبلوماسيا، وقفت الولايات المتحدة لوحدها معزولة في مواجهة أكثر من مائة وخمسين دولة في الأمم المتحدة، تطالب بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، فقابلت أميركا ذلك بالرفض واستخدمت حق الفيتو؛ وسياسيا، لا تزال إدارة بايدن في حالة استسلام شبه تام لنتانياهو، الذي يتلاعب بها كيفما يشاء.

من جهة أخرى، قامت واشنطن بالدعوة لتشكيل تحالف دولي، من أجل التصدي لهجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية، أو تلك المتجهة لتل أبيب، أطلقت عليه ائتلاف “حارس الازدهار”؛ وهو التحالف الذي لا يحظى بأية شرعية دولية، كما أن كثيرا من الدول التي انضمت له (حوالي ٢٢ دولة) ترفض منطق القوة في معالجة أزمة الملاحة البحرية في البحر الأحمر،
ولم تدعم الضربات الجوية التي قامت بها واشنطن ولندن في اليمن الأسبوع الماضي، بل إن بعضها عبَّر صراحة عن رفضه لتلك الضربات، في حين رفضت دول المشاركة بها مثلما فعلت إيطاليا وفرنسا.

وحقيقة الأمر، فإن هذا الائتلاف لا يضمن تحقيق الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الحيوية من العالم، بل إنه – على العكس- يزيد من معدلات التوتر وعدم الاستقرار فيها، لأنه يقوم باستفزاز الحوثيين وحلفائهم، خاصة إيران. أيضا، من شأن عسكرة البحر الأحمر بهذا الشكل أن تؤثر على حركة السفن التجارية والملاحة البحرية، التي توقفت بشكل شبه كامل خلال الأيام القليلة الماضية؛

فقد تم الإعلان من قبل العديد من شركات الشحن ونقل البضائع العالمية إما عن وقف نشاطها التجاري، أو تحويله باتجاه رأس الرجاء الصالح، وهو ما يعني أمرين:
أولهما إبطاء – وربما وقف- سلاسل الإمداد للسلع والمنتجات لمختلف أنحاء العالم، وبالتالي رفع أسعارها بشكل كبير؛
وثانيهما رفع أسعار الشحن العالمية، وهو ما حدث بالفعل، حيث زادت حسب بعض التقارير بنسبة الضعف في بعض الحالات.

تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية

وما زاد الطين بلّة، قيام إدارة بايدن بتصنيف جماعة الحوثيين مرة أخرى كجماعة إرهابية عالمية، وهو تصعيد جديد يكشف عن استمرار التخبط الأميركي في التعاطي مع الأزمة الراهنة في البحر الأحمر؛ فالتنصيف يعني أولاً معاقبة ومهاجمة أي طرف يقدم الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي للحوثيين، وبالتالي هناك احتمالات لزيادة التوتر مع طهران باعتبارها الداعم الأساسي للحوثيين؛

وثانيا، يعني التصنيف انتهاء دور الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام الجارية منذ شهور من أجل حل الأزمة اليمنية بشكل سلمي، حيث إنه لن تكون هناك ثقة في واشنطن من قبل الحوثيين بعد هذا التصنيف، وهو ما يثير أيضا سؤالا مهما وهو: كيف ستتعامل إدارة بايدن مع جماعة تصنفها إرهابية إذا ما أرادت استئناف محادثات السلام في اليمن؟ بل الأكثر من ذلك، فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه مفاقمة الأزمة الإنسانية في اليمن، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الخارجية في علاج آثار الأزمة السياسية المستمرة هناك منذ حوالي عقد من الزمن.

لا تريد واشنطن، وربما لا ترغب، في الاعتراف بأن الأزمة الحقيقية ليست في البحر الأحمر، وإنما في المقتلة الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة، وفي المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بقيادة مجرم الحرب نتانياهو ضد المدنيين الفلسطينيين؛ كما أنها لا تريد أن تعترف بأن دعمها اللامحدود لإسرائيل هو الذي يجلب عليها كل هذه المشكلات، سواء في البحر الأحمر أو حول العالم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين

سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين

شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...

قراءة المزيد
الناقد ومراوغة النص..

الناقد ومراوغة النص..

استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها..   تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...

قراءة المزيد
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...

قراءة المزيد
Loading...