عالم جغرافي، وملاح عربي، اعترف بفضله البرتغاليون، ونهلوا من علمه، وبنوا عليه ما توصلوا إليه من كشوف جغرافية، وقد شكلت إسهاماته العلمية مرجعيات لأسس الملاحة الحديثة.. ذاك هو أحمد بن ماجد.

ولد أحمد بن ماجد في جلفار على الساحل الجنوبي من الخليج العربي عام 836هـ/ 1432م، حسب رواية بعض المؤرخين، وهو ينحدر من أسرة عُمانية. وقد نشأ ابن ماجد نشأة بحرية، حيث تولى قيادة المركب منذ صباه، وكان أبوه وجده من أرباب مهنة ركوب البحر، وقد دوّن أبوه تجاربه البحرية في مجلد ضخم، وأسماه: (الأرجوزة الحجازية)، وكانت تضم أكثر من ألف بيت، واستطاع ابن ماجد أن يصحح بعض معلومات أبيه، ويضيف إليها تجاربه الشخصية.

لقد كان ابن ماجد عالمًا موسوعيًّا، فلم يقتصر نبوغه على مجال الجغرافيا فحسب، بل نبغ أيضًا في مجال اللغة العربية، والدين، والتاريخ، والأنساب، والأدب، ودرس الحساب الهندي وغيره، وقد كان مُلمًّا بالعديد من اللغات، مثل لغة الهند واللغة الفارسية وغيرها. وقد اعتبره البعض مؤسساً لعلم البحار، نظرًا لما استحدثه من أدوات ملاحية، وما قدمه من معلومات، وابتكارات عديدة في مجال الملاحة البحرية، مثل تطوير آلة (الأسطرلاب)، وآلة (الكمال) التي تُستخدم لتحديد دوائر العرض، وغيرها من الابتكارات.

وقد ترك لنا ابن ماجد تراثًا جغرافيًّا كبيرًا، فقد كان له أعظم الأثر على الجغرافيين البحارة الذين جاؤوا من بعده. ومن أعظم كتبه كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، وفي هذا الكتاب وصف ابن ماجد الجُزر، والبحار، والموانئ، وقد جاءت هذه المعلومات بناءً على خبراته أثناء تجواله، وفيه تحدث أيضًا عن نشأة الملاحة، والإبرة الممغنطة، ومنازل القمر، والطرق البحرية، والأرصاد الفلكية، ومواسم السفر في البحر، وغيرها من الفوائد.

ومن الجميل أن ابن ماجد نظم دراساته البحرية في أرجوزات شعرية، ومنها (حاوية الاختصار في أصول علم البحار)، وهي أرجوزة تتكون من ألف بيت، ومنظومة (المعرب)، وغيرها مؤلفات عديدة وصلت لأكثر من ثلاثين كتابًا.

وقد انتشرت مؤلفاته بين العرب انتشارًا كبيرًا، وتُرجمت إلى لغة الأردو، واللغة التركية؛ وفي القرن التاسع عشر والقرن العشرين، تُرجمت مؤلفاته إلى اللغات الروسية، والبرتغالية، والإنجليزية.. وقد تميزت مؤلفاته بأنها جاءت مُكملة للمؤلفات التي سبقتها، فاختار منها الآراء والتجارب الصحيحة ثم أضاف إليها الجديد من تجاربه الخاصة.

وقد استطاع البرتغاليون الوصول إلى الهند، بقيادة فاسكو دي جاما بتوجيه من ابن ماجد، فقد قاد سفينتهم الضخمة، وأمدهم بمعلومات عن الآلات الملاحية العربية، ووجههم إلى ضرورة معرفة مواسم الرياح وأوقاتها واتجاهاتها، وقد أمد فاسكو دي جاما بخريطة كاملة للشواطئ الهندية، مرسوم عليها خطوط الطول ودوائر العرض.

ومن الغريب أن ابن ماجد قدم هذه المعلومات للبرتغاليين دون أن يدري عواقب هذا العمل ونهاية هذا الفعل، فقد ساعدت هذه المعلومات البرتغاليين على اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1498م، الأمر الذي جعل الهيمنة على الطرق التجارية بيد البرتغاليين، الذين حققوا مكاسب تجارية واقتصادية، وقد ساهم ذلك في إضعاف دولة الأتراك عسكريًّا واقتصاديًّا أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.

ومن الملاحظ أن ابن ماجد بعد أن أمدّ فاسكو دي جاما بالخرائط، والآلات الملاحية، والمعلومات، وقاد السفينة إلى الهند، اختفى اسمه ونشاطه في البحار، ويُروى في التاريخ أن البرتغاليين بعد أن حصلوا على كل المعلومات المفيدة من ابن ماجد غدروا به، وتخلصوا منه.

وأخيرًا، واعترافًا بفضله على الملاحة البحرية وعلوم البحار، خلّدت البرتغال ذكراه بإقامة نصب تذكاري له، وأدرجته منظمة اليونسكو في برنامج الشخصيات المؤثرة في العالم.

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

• روسيا واسترداد مجد القياصرة
• الطريق إلى الصين
• أكانت العصور الوسطى حِقبة مظلمة فعلاً أم ممهِّدة لعصر النهضة؟
• عاصمة الإمبراطوريات