إسرائيل إذ تستنفر لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى

بواسطة | أغسطس 1, 2023

بواسطة | أغسطس 1, 2023

إسرائيل إذ تستنفر لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى

التحقيق الذي بثته قناة “12” الإسرائيلية مساء السبت الفائت ينبغي أن يُشعل كل الأضواء الحمراء لدى كل فلسطيني، ولدى كل عربي أو مسلم يعنيه المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.
فقد دلل هذا التحقيق على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو تشارك بشكل فاعل ونشط في تنفيذ مشروع شامل، يهدف إلى بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. وحسب التحقيق، فإن الإسهام الحكومي في هذا المشروع الخطير لا يقتصر فقط على تخصيص الحكومة موازنة لإنجاز المشروع، بل يتمثل أيضا في مشاركة وزارات الحكومة الفاعلة في تنفيذ هذا المشروع.
وضمن التفاصيل التي تدل على إسهام الحكومة الإسرائيلية الفاعلة في هذا المشروع، ما عرضه التحقيق من دلائل على أن وزارة التراث في هذه الحكومة تولت مهمة جلب خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأمريكية، من أجل استخدام إحداها في “تطهير” المسجد الأقصى قبل بناء الهيكل على أنقاضه، في حال كانت “الشروط الشرعية” تنطبق على هذه البقرة؛ واللافت أيضا أن التحقيق كشف أن وكيل وزارة التراث الإسرائيلية شخصيا كان في استقبال البقرات الخمس عند وصولها إلى مطار “بن غوريون”.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت في الماضي إلى مخططات لبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، فإنها المرة الأولى التي يتبين فيها أن الحكومة الإسرائيلية ذاتها تعكف على أحد هذه المخططات. ففي السابق، كانت المخططات التي تطرح لبناء الهيكل المزعوم، تعكف عليها جماعات الهيكل اليهودية المتطرفة، والتي حرصت الحكومات الإسرائيلية على النأي بذاتها عنها، خشية إثارة ردود فعل فلسطينية وعربية وإسلامية غاضبة، وتجنبا لإحراجها على الساحة الدولية؛ وقد فككت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ ثمانينات القرن الماضي عدة تشكيلات إرهابية يهودية خططت لتدمير المسجد الأقصى، أما الآن فإن إسرائيل الرسمية تحت حكم نتنياهو لم تعد تتردد في تمويل ودفع المشاريع الهادفة إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. فما الذي حدث حتى تُجري إسرائيل هذا التحول الخطير في سياساتها تجاه المسجد الأقصى؟.
يتعلق الأمر في الواقع بطابع تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية؛ حيث إنها تستند إلى مشاركة الحركات الدينية  اليهودية الخلاصية، سيما حركتي “القوة اليهودية” بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وحركة “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلاس سموتريتش؛ وتؤمن الحركات اليهودية الدينية الخلاصية بعقيدة الخلاص التي تقوم على فكرة نزول المخلص المنتظر، الذي يترجل بعد اندلاع حرب “يأجوج ومأجوج”، التي تفترض الأدبيات الدينية اليهودية أنها ستندلع نتاج هدم الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه. لذا لم يكن من سبيل الصدفة أن وزير التراث، الحاخام عميحي إلياهو، القيادي في حركة “القوة اليهودية” هو الذي وجه وزارته، لتكون مسؤولة عن التنسيق والتعاون مع حركات الهيكل في تحقيق هدفهما المشترك، المتمثل في تدشين الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
من هنا، علينا أن نقرأ تكثيف بن غفير من تدنيسه للمسجد الأقصى، وسماحه بزيادة أعداء اليهود الذين يشاركون في تدنيس الحرم، على أنه يأتي في إطار تحقيق حلم التيار الخلاصي بتدشين الهيكل.
وضمن المؤشرات الخطيرة التي تدل على أن بن غفير عازم على إزالة كل العوائق الإدارية والتنظيمية، التي تحول دون تدشين الهيكل، حقيقة أن زوجته إيالا، التي تلعب دورا إعلاميا كبيرا في الترويج للخط الأيديولوجي الذي يتبناه، قد أكدت أن الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى لم تعد قائمة؛ وهذا يعني بالنسبة لبن غفير، أن حكومته لم تعد تعترف بدور الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، التابعة إداريا لوزارة الأوقاف الأردنية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى وتنظيم المناشط الدينية فيه.
ومن الواضح أن سَنَّ الكنيست أول قوانين خطة “التعديلات القضائية”، والمتمثل في إلغاء الرقابة القضائية على قرارات وسياسات الحكومة، يمهد لاتخاذ حكومة نتنياهو قرارات دراماتيكية، تهدف إلى تحقيق إستراتيجيها المتمثلة في حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، وضمن ذلك السيطرة على المسجد الأقصى.
إن ما كشفه تحقيق قناة “12” يثير المخاوف من تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى الاستجابة لعدد من المطالب الخطيرة، المتعلقة بالتمهيد للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى، والتي تقدمت بها حركات “الهيكل” إلى بن غفير مؤخرا؛ وتشمل هذه المطالب إعلان الحكومة الإسرائيلية عن المسجد الأقصى “كموقع يهودي مقدس”، وتشكيل مؤسسة دينية يهودية تعنى بالإشراف على الحرم القدسي، وأن ترفع كل القيود على تدنيس اليهود للأقصى، بحيث يتمكنوا من تدنيسه في كل أيام الأسبوع، ومن كل بواباته. ومن الواضح أن الاستجابة لهذه المطالب ستمثل مقدمة لتكريس التقاسم الزماني والمكاني في الأقصى، الذي يمهد للسيطرة اليهودية المطلقة على الأقصى.
إلى جانب ذلك، فإن التوجه الأخير لحكومة نتنياهو يمكن أن يدفعها لمساعدة حركات الهيكل في تحقيق هدفها المتعلق بجلب ما تزعم أنها “مقتنيات الهيكل الثاني”، التي غنمها القائد الروماني تيتوس، الذي دمر الهيكل عام 70، والتي نقلها في حينه إلى روما؛ فعلى مدى العقدين الماضيين، حاولت وفود من الحاخامات إقناع الحكومات الإيطالية المتعاقبة بالموافقة على منحها مقتنيات الهيكل الموجودة في المتاحف الإيطالية، لإعادتها إلى الهيكل بعد تدشينه على أنقاض الأقصى.
إن إسهام حكومة إسرائيل الرسمي والعلني في المشاريع الهادفة إلى بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى يمثل لحظة اختبار مهمة للأطراف العربية والفلسطينية والإسلامية، التي يفترض أن يعنيها مصير المسجد الأقصى؛ فعندما توثق قناة إسرائيلية جادة جهود الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير الأقصى يصير الصمت على هذه الجريمة جريمة بحد ذاته.
للأسف، على الرغم من هذا الإعلان فإن السلطة الفلسطينية لم تتخذ أي موقف مما كشفت عنه التحقيقات، حتى على الصعيد الإعلامي، حيث تواصل هذه السلطة نمط علاقتها الحالي مع إسرائيل، القائم بشكل أساس على التعاون الأمني. في الوقت ذاته فإن الأردن، صاحب الوصاية على المسجد الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية في القدس، لم يتخذ أية خطوة؛ بل تواصل المملكة التعاون الأمني والشراكات الاقتصادية مع إسرائيل. وما ينطبق على السلطة الفلسطينية والأردن ينطبق أيضا على جميع الدول العربية والإسلامية التي يفترض أن تتحرك على عجل لإنقاذ الأقصى.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...