إسرائيل إذ تستنفر لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى
بقلم: الدكتور صالح النعامي
| 1 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
“انفجار جمجمة” على الحدود المصرية الليبية!
في روايته البديعة "انفجار جمجمة"، رسم الأديب...
-
نموذج البطل
بعضُ الحوادث لا يُمكن أنْ تجتازَها بسهولة، تظلّ...
-
العالم الفكري للروائي عبد الرحمن منيف
الرمز في الشخصيات والزمان والمكان توثيق تاريخي...
-
فرية “النامي” وعملية غليلوت
الفرية التي جاء بها مشعل النامي على نساء غزة،...
-
هاريس ضدّ ترمب: ماذا أرى في الكرة البلورية؟
يتذكّر بوب وودورد Bob Woodword، الكاتب الصحفي...
-
مع مذكرات وزير إعلام عبد الناصر
تذكرت أنني اشتريت نسخة من مذكرات محمد فايق، وزير...
مقالات منوعة
بقلم: الدكتور صالح النعامي
| 1 أغسطس, 2023
إسرائيل إذ تستنفر لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى
التحقيق الذي بثته قناة “12” الإسرائيلية مساء السبت الفائت ينبغي أن يُشعل كل الأضواء الحمراء لدى كل فلسطيني، ولدى كل عربي أو مسلم يعنيه المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.
فقد دلل هذا التحقيق على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو تشارك بشكل فاعل ونشط في تنفيذ مشروع شامل، يهدف إلى بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. وحسب التحقيق، فإن الإسهام الحكومي في هذا المشروع الخطير لا يقتصر فقط على تخصيص الحكومة موازنة لإنجاز المشروع، بل يتمثل أيضا في مشاركة وزارات الحكومة الفاعلة في تنفيذ هذا المشروع.
وضمن التفاصيل التي تدل على إسهام الحكومة الإسرائيلية الفاعلة في هذا المشروع، ما عرضه التحقيق من دلائل على أن وزارة التراث في هذه الحكومة تولت مهمة جلب خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأمريكية، من أجل استخدام إحداها في “تطهير” المسجد الأقصى قبل بناء الهيكل على أنقاضه، في حال كانت “الشروط الشرعية” تنطبق على هذه البقرة؛ واللافت أيضا أن التحقيق كشف أن وكيل وزارة التراث الإسرائيلية شخصيا كان في استقبال البقرات الخمس عند وصولها إلى مطار “بن غوريون”.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت في الماضي إلى مخططات لبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، فإنها المرة الأولى التي يتبين فيها أن الحكومة الإسرائيلية ذاتها تعكف على أحد هذه المخططات. ففي السابق، كانت المخططات التي تطرح لبناء الهيكل المزعوم، تعكف عليها جماعات الهيكل اليهودية المتطرفة، والتي حرصت الحكومات الإسرائيلية على النأي بذاتها عنها، خشية إثارة ردود فعل فلسطينية وعربية وإسلامية غاضبة، وتجنبا لإحراجها على الساحة الدولية؛ وقد فككت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ ثمانينات القرن الماضي عدة تشكيلات إرهابية يهودية خططت لتدمير المسجد الأقصى، أما الآن فإن إسرائيل الرسمية تحت حكم نتنياهو لم تعد تتردد في تمويل ودفع المشاريع الهادفة إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. فما الذي حدث حتى تُجري إسرائيل هذا التحول الخطير في سياساتها تجاه المسجد الأقصى؟.
يتعلق الأمر في الواقع بطابع تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية؛ حيث إنها تستند إلى مشاركة الحركات الدينية اليهودية الخلاصية، سيما حركتي “القوة اليهودية” بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وحركة “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلاس سموتريتش؛ وتؤمن الحركات اليهودية الدينية الخلاصية بعقيدة الخلاص التي تقوم على فكرة نزول المخلص المنتظر، الذي يترجل بعد اندلاع حرب “يأجوج ومأجوج”، التي تفترض الأدبيات الدينية اليهودية أنها ستندلع نتاج هدم الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه. لذا لم يكن من سبيل الصدفة أن وزير التراث، الحاخام عميحي إلياهو، القيادي في حركة “القوة اليهودية” هو الذي وجه وزارته، لتكون مسؤولة عن التنسيق والتعاون مع حركات الهيكل في تحقيق هدفهما المشترك، المتمثل في تدشين الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
من هنا، علينا أن نقرأ تكثيف بن غفير من تدنيسه للمسجد الأقصى، وسماحه بزيادة أعداء اليهود الذين يشاركون في تدنيس الحرم، على أنه يأتي في إطار تحقيق حلم التيار الخلاصي بتدشين الهيكل.
وضمن المؤشرات الخطيرة التي تدل على أن بن غفير عازم على إزالة كل العوائق الإدارية والتنظيمية، التي تحول دون تدشين الهيكل، حقيقة أن زوجته إيالا، التي تلعب دورا إعلاميا كبيرا في الترويج للخط الأيديولوجي الذي يتبناه، قد أكدت أن الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى لم تعد قائمة؛ وهذا يعني بالنسبة لبن غفير، أن حكومته لم تعد تعترف بدور الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، التابعة إداريا لوزارة الأوقاف الأردنية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى وتنظيم المناشط الدينية فيه.
ومن الواضح أن سَنَّ الكنيست أول قوانين خطة “التعديلات القضائية”، والمتمثل في إلغاء الرقابة القضائية على قرارات وسياسات الحكومة، يمهد لاتخاذ حكومة نتنياهو قرارات دراماتيكية، تهدف إلى تحقيق إستراتيجيها المتمثلة في حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، وضمن ذلك السيطرة على المسجد الأقصى.
إن ما كشفه تحقيق قناة “12” يثير المخاوف من تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى الاستجابة لعدد من المطالب الخطيرة، المتعلقة بالتمهيد للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى، والتي تقدمت بها حركات “الهيكل” إلى بن غفير مؤخرا؛ وتشمل هذه المطالب إعلان الحكومة الإسرائيلية عن المسجد الأقصى “كموقع يهودي مقدس”، وتشكيل مؤسسة دينية يهودية تعنى بالإشراف على الحرم القدسي، وأن ترفع كل القيود على تدنيس اليهود للأقصى، بحيث يتمكنوا من تدنيسه في كل أيام الأسبوع، ومن كل بواباته. ومن الواضح أن الاستجابة لهذه المطالب ستمثل مقدمة لتكريس التقاسم الزماني والمكاني في الأقصى، الذي يمهد للسيطرة اليهودية المطلقة على الأقصى.
إلى جانب ذلك، فإن التوجه الأخير لحكومة نتنياهو يمكن أن يدفعها لمساعدة حركات الهيكل في تحقيق هدفها المتعلق بجلب ما تزعم أنها “مقتنيات الهيكل الثاني”، التي غنمها القائد الروماني تيتوس، الذي دمر الهيكل عام 70، والتي نقلها في حينه إلى روما؛ فعلى مدى العقدين الماضيين، حاولت وفود من الحاخامات إقناع الحكومات الإيطالية المتعاقبة بالموافقة على منحها مقتنيات الهيكل الموجودة في المتاحف الإيطالية، لإعادتها إلى الهيكل بعد تدشينه على أنقاض الأقصى.
إن إسهام حكومة إسرائيل الرسمي والعلني في المشاريع الهادفة إلى بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى يمثل لحظة اختبار مهمة للأطراف العربية والفلسطينية والإسلامية، التي يفترض أن يعنيها مصير المسجد الأقصى؛ فعندما توثق قناة إسرائيلية جادة جهود الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير الأقصى يصير الصمت على هذه الجريمة جريمة بحد ذاته.
للأسف، على الرغم من هذا الإعلان فإن السلطة الفلسطينية لم تتخذ أي موقف مما كشفت عنه التحقيقات، حتى على الصعيد الإعلامي، حيث تواصل هذه السلطة نمط علاقتها الحالي مع إسرائيل، القائم بشكل أساس على التعاون الأمني. في الوقت ذاته فإن الأردن، صاحب الوصاية على المسجد الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية في القدس، لم يتخذ أية خطوة؛ بل تواصل المملكة التعاون الأمني والشراكات الاقتصادية مع إسرائيل. وما ينطبق على السلطة الفلسطينية والأردن ينطبق أيضا على جميع الدول العربية والإسلامية التي يفترض أن تتحرك على عجل لإنقاذ الأقصى.
مؤلف عدة كتب حول الصراع.. دكتوراة في العلوم السياسية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت
منذ طوفان الأقصى، ومواقع التواصل تحتفي بأخبار إبداعات أهل غزة، ومبادراتهم التي تنهض وسط الإبادة والحصار، وتطرق جدران الخزان لتبعث برسائل التحدي، بهدف إظهار تمردهم على الواقع الصعب الذي فرضه الاحتلال، وإعطاء الأمل للعالم في أن هذه الثلة الصابرة المحاصَرة المرابطة قادرة...
“انفجار جمجمة” على الحدود المصرية الليبية!
في روايته البديعة "انفجار جمجمة"، رسم الأديب النوبي الراحل "إدريس علي" صورة قلمية مدهشة لبطل الرواية "بلال"، الذي تداخلت شخصيته واختلطت سيرته بشخصية وسيرة "إدريس" نفسه. "بلال" باختصار إنسان مر بظروف قاسية في حياته.. قادم من الجنوب إلى القاهرة بثقافة "التهميش"، أحب...
نموذج البطل
بعضُ الحوادث لا يُمكن أنْ تجتازَها بسهولة، تظلّ طعنةً في القلب، وحربةً نافِذةً في الرّوح، ومع أنّ الدّموع قد تجفّ، والأيّام قد تمرّ، والعهود تتقادَم، إلاّ أنّ جرحًا ما يظلّ طريًّا نديًّا مهما غَبَرَتْ عليه السّنون. كيفَ تُنسَى وتلك الصُّورة الأُسطوريّة لرحيلك عصيّةٌ...
0 تعليق