الأمة التركية لم تنسَ خيانة منظمة غولن الإرهابية في 15 تموز

بقلم: نديم شنر

| 15 يوليو, 2023

بقلم: نديم شنر

| 15 يوليو, 2023

الأمة التركية لم تنسَ خيانة منظمة غولن الإرهابية في 15 تموز

إن تصدي الأمة التركية لمحاولة انقلاب 15 تموز/يوليو، التي قام بها تنظيم فتح الله الإرهابي، أظهر للعالم أجمع أن القلب يمكن أن يكون أقوى من دبابة فولاذية؛ وأن طفلا في عامه الخامس عشر، ولم يصل سن الخدمة العسكرية، هو أكثر وطنية من إرهابي يحمل رتبة جنرال؛ وأن امرأة بلغت من العمر 75 عاماً أشجع من إرهابيين يتخفَّون بزي رسمي.
قبل سبع سنوات، مساءَ يوم 15 يوليو، حاول تنظيم فتح الله الإرهابي، الذي يرأسه فتح الله غولن، والذي ما يزال يعيش في الولايات المتحدة منذ 40 عاماً، القيام بانقلاب عسكري في تركيا؛ ونتيجةً لهذه المحاولة استشهد 252 مدنياً، وأُصيبَ أكثر من 2500 شخص برصاص أعضاء منظمته الإرهابية، الذين تسللوا إلى القوات المسلحة التركية.. لقد مرت 7 سنوات بالضبط، لكن الأمة التركية لم تنس أبداً الخيانة التي عانت منها في تلك الليلة.
وإن قصص الذين استشهدوا في تلك الليلة مليئة بالتضحيات، وكل قصة ستبقى لنا جميعاً مثالاً يُحتذى به!.
أحدهم كان باتوهان إرجين البالغ من العمر 21 عاما، وكانت الرسالة الأخيرة له من جسر البوسفور ليلة 15 يوليو: “لم نأتِ لشراء الإمدادات، ولكن لحماية دولتنا”؛ وبعد ساعتين من إعلانه تلك الرسالة، أُصيب باتوهان إرجين من قبل مدبري الانقلاب برصاصة في القلب، واستشهد على إثر ذلك، لكنه لم يكن الشهيد الوحيد، بل استشهد على جسر البوسفور في تلك الليلة 34 شخصاً؛ إلا أنَّ تضحياتهم لبلدهم لم تغيّر اسم جسر البوسفور فحسب، بل غيرت أيضا مصير تركيا كلها.
إن تضحيات شهدائنا في أجزاء مختلفة من تركيا قد دُوِّنت في تاريخ الديمقراطية التركية بأحرف من ذهب.

في 15 يوليو، كانت الديمقراطية تحت تهديد مباشر وكان الشعب يقاوم، ومع ذلك كانت الدول التي تعتبر نفسها متحضرة تراقب بصمت ما كان يحدث!.

المقاومة ضد الإمبريالية
وننظر إلى تاريخ 15 يوليو، فنراه أيضا رمزاً من رموز مقاومة تركيا ضد الإمبريالية، وقد أكدت ذلك معلومات مهمة أفرزتها المواقف من أحداث تلك الليلة، سواء من قبل الولايات المتحدة، التي لا تزال تحمي قادة ومديري وأعضاء منظمة غولن الإرهابية وتؤويهم على أراضيها، أو الدول الأوروبية التي تقف إلى جانبها.
لقد وجدنا أنَّ هذه الدول التي يُفترض أن تكون متحالفة مع تركيا بشكل علني وسري، لانتمائها معها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد دعمت انقلاب منظمة غولن الإرهابية، حيث أنَّه لم يصدر أيّ بيان مناهض للانقلاب من الإدارة الأمريكية حتى وقت متأخر من الليل.
في 15 يوليو، كانت الديمقراطية تحت تهديد مباشر وكان الشعب يقاوم، ومع ذلك كانت الدول التي تعتبر نفسها متحضرة تراقب بصمت ما كان يحدث!. وحتى عندما شاركت الطائرات التي أقلعت من إنجرليك، قاعدة الناتو، في انقلاب تلك الليلة، لم يكن هناك أدنى تدخل من مقر الناتو، بل كان الصمت هو موقف أولئك الذين توقعوا نجاح الانقلاب.
وبعد أسبوع من الانقلاب أعرب جوزيف فوتيل، القائد العام للقيادة المركزية الأميركية عن أسفه حيث قال: “تم سجن أفراد عسكريين مقربين من الولايات المتحدة في تركيا”؛ لكنّ من فجّر القنبلة الحقيقية كان مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، حيث قال: “لقد فقدنا محاورينا في الجيش التركي”. وعندما كتب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف على تويتر مشيداً بالشعب التركي لمقاومته الانقلاب: “إن دفاع الشعب التركي الشجاع عن الديمقراطية وحكومتها المنتخبة دليل على أنه لا مكان للانقلابات في المنطقة، والمحاولات المماثلة محكوم عليها بالفشل”، كان مايك بومبيو، الذي اقترحه الرئيس الأمريكي الجديد ليكون مديرا لوكالة المخابرات المركزية، قد كتب في الرد على ظريف: “إيران مثل حكومة الرئيس التركي أردوغان في الموقف من الديمقراطية، كل منهما دكتاتورية شمولية إسلامية”.

أحداث 15 تموز/يوليو رسمت لتركيا رؤية جديدة، فقد أصبح كل من العدو الظاهر و”العدو الودود” واضحين.

الإمبريالية صديقة منظمة غولن الإرهابية
لا يمكننا القول إن الولايات المتحدة الأمريكية التي وقفت وراء محاولة الانقلاب قد غيرت موقفها بشأن تلك المحاولة، وبشأن منظمة غولن الإرهابية التي كانت وراءها، وإلا لقامت بتسليم زعيمها وقادتها لتركيا، وفقا لـ “اتفاقية تسليم المجرمين” مع تركيا في عام 1980. وإن حقيقة أن زعيم منظمة غولن الإرهابية يعيش في الولايات المتحدة، وأنه محمي من قبل السلطات الرسمية، أمر مهم في إظهار أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المنظمة الإرهابية وأنها ما تزال تنوي استخدامها. تماماً كما وقفت مع حزب العمال الكردستاني، المنظمة الإرهابية التي سفكت الدماء على مدى 40 عاما.
دعوني أعطيكم مثالا تراجيديا هزليا مما حصل، فحين وصل نائب الرئيس الأمريكي “جو” في عام 2016 بعد 40 يوما من الانقلاب إلى تركيا، أدلى بايدن بتعليق قال فيه: “عندما وقعت الأحداث -إشارة إلى محاولة انقلاب 15 يوليو- لم نستطع أن نفهم ما إذا كانت حقيقية أم أنها لعبة على الإنترنت، وما إذا كانت خطيرة أم لا”.
موقف أوروبا كان أيضا كذلك، فبينما كانت جميع الأدلة تكشف عن محاولة الانقلاب من منظمة غولن الإرهابية، قال مدير المخابرات الألمانية: “لسنا مقتنعين بأن منظمة غولن تقف وراء محاولة الانقلاب في 15 يوليو”. وأصبح هذا البيان فيما بعد موقف أوروبا كلها. وينبع هذا من حقيقة أن منظمة غولن الإرهابية هي منظمة استخباراتية يستخدمها الإمبرياليون.
قبل 15 يوليو، التزمت وسائل الإعلام الأوروبية، التي قامت بنشر مقالات حول هيكل منظمة غولن الإرهابية، الصمت التام. وبعد ذلك لم يذكروا حتى دورها في محاولة الانقلاب، ناهيك عن إعلان أنها منظمة إرهابية. لذلك، نحن لا نواجه فقط محاولة انقلاب من قبل منظمة غولن الإرهابية ضد تركيا وحدها، بل نواجه هجوما من قبل الإمبريالية، وهذا ما رأته الأمة التركية  بشكل واضح.
وأحداث 15 تموز/يوليو رسمت لتركيا رؤية جديدة، فقد أصبح كل من العدو الظاهر و”العدو الودود” واضحين. وبذلك بدأت بعد شهر واحد من هذا التاريخ العمليات، التي لم يكن من الممكن تنفيذها قبله. فمع قمع محاولة الانقلاب، والقضاء الجزئي على عناصر منظمة غولن الإرهابية داخل القوات المسلحة التركية، تم تنفيذ عملية درع الفرات ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية على الأراضي السورية، وأعقب ذلك عملية غصن الزيتون وعملية نبع السلام. وعلى مدى السنوات السبع الماضية، اتخذت تركيا خطوات مهمة للغاية لحماية حقوقها وأمنها على حدودها البحرية، وكذلك أمن حدودها البرية.
وبينما فعلت تركيا كل هذا، كانت تتصرف دائما بشكل شرعي وقانوني وشفاف وأخلاقي.

تم اتخاذ خطوات نحو الاستقلال في صناعة الدفاع، وكقوة إقليمية اتخذت تركيا خطوات مهمة نحو التعاون مع الجمهوريات التركية والشرق الأوسط والدول الأفريقية

من 15 يوليو إلى افتتاح آيا صوفيا
في السنة الرابعة بعد انقلاب 15 يوليو، سجلت تركيا هدفا آخر مهما للغاية، حيث استعادت آيا صوفيا، التي كانت تستخدم كمتحف منذ عام 1934، هويتها المسجدية في 10 يوليو، بقرار من مجلس الدولة والمرسوم الرئاسي؛ واستعادة آيا صوفيا لهويتها جوبهت بمعارضة كل من أمريكا وروسيا وأوروبا، وبالطبع اليونان، لكن الأمة التركية رغم ذلك نجحت بتحقيق هدفها، وتحويل آيا صوفيا وافتتاحها كمسجد.
ومع تطهير الهيكل الغادر داخلها، لم تتغير تركيا فحسب، بل تغير أيضا دور تركيا في منطقتها.
تم اتخاذ خطوات نحو الاستقلال في صناعة الدفاع، وكقوة إقليمية اتخذت تركيا خطوات مهمة نحو التعاون مع الجمهوريات التركية والشرق الأوسط والدول الأفريقية، وبخطواتها هذه عطلت المؤامرات العالمية. وكان موقف تركيا من هذه الناحية مشجعا لأي دولة تظهر تضامنها ضد الغرب.
في 15 يوليو كان للأمة التركية الكلمة الأخيرة في الأمر، وذلك من خلال شهدائها وملايين الأشخاص الشجعان الذين خرجوا إلى الشوارع ليقاوموا محاولة الانقلاب الغادرة لمنظمة غولن الإرهابية المدعومة من الإمبريالية؛ وإننا حتى اليوم نشهد آثار تلك المقاومة.
ويمكن أن نرى أنَّ مقاومة 15 يوليو لا تزال مستمرة، فأنصتوا جيدا، وستسمعون ذلك الصوت الشجاع من قلب الأمة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...