الأمريكان لا يكيلون بمكيالين
بقلم: جعفر عباس
| 8 نوفمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 8 نوفمبر, 2023
الأمريكان لا يكيلون بمكيالين
تسلّط هذه المقالة الضوء على الازدواجية الأمريكية في التعامل مع القضايا الدولية وتاريخها المليء بالعنف والاضطهاد.
تاريخ العنف والازدواجية في المعايير
في تقديري، فإن واحدة من أسخف العبارات التي تتكرر في الإعلام العربي، كلما هرعت الولايات المتحدة لمنع المجتمع الدولي من إصدار أي إدانة بحق إسرائيل، هي أن لديها ازدواجية في المعايير، وأنها تدين الضحية وتوفر الحماية للجاني، كما هو حادث في أيامنا هذه؛ بينما تؤكد حقائق ووقائع التاريخ، أن الولايات المتحدة لم تنصر مظلوما قط، بل كانت على الدوام هي الجلاد الذي يدمي ظهور الشعوب بسياط من لهب في كل القارات.
والولايات المتحدة بشكلها الحالي هي النموذج الذي قامت عليه إسرائيل: تدفق مئات الآلاف من الأوربيين إلى أرض فيها سكانها الأصليون، فأشبعوهم قتلا وتهجيرا وتشريدا، واستولوا على أرضهم وأقاموا فيها مستوطنات تحولت لاحقا الى مدن، ثم جيء بعبيد من أفريقيا سامهم أسيادهم سوء العذاب؛ وطوال قرنين من الزمان ظل البيض الذين وفدوا من أوروبا إلى الأراضي التي صارت تعرف بـ”الأمريكية” يقاتل بعضهم بعضا بالحديد والنار للفوز بمناجم الذهب أو الأراضي الزراعية، بل إنه فور إعلان استقلال الولايات المتحدة انفجرت حرب أهلية بين شمال وجنوب البلاد هلك فيها عشرات الآلاف.
وهكذا قامت الولايات المتحدة على جماجم من أسموهم بالهنود الحمر، ومن ثم فالعنف الدموي أمر أصيل في الوجدان والمزاج الأمريكي، وإذا كان سودان اليوم يعاني من وحشية مقاتلين دمويين ذوي بشرة سمراء يحملون اسم الجنجويد، ففي الأراضي الأمريكية جنجويد بيض، يعود تاريخهم إلى أواخر القرن التاسع عشر؛ فرغم أن البيض هم من استورد السود بقوة المال والسلاح، ورغم أن النهضة الاقتصادية الأمريكية منذ مطلع القرن التاسع عشر كانت بعرق ودماء أولئك السود، فإن جزاء إحسانهم كان تعريضهم للإذلال وقتلهم بدم بارد، من أجل “المتعة” أحيانا.
ولعل أشهر جنجويد أمريكا هم أعضاء منظمة كوكلاكس كلان التي ولدت عام 1860، وابتدعت ما يعرف في التاريخ الأمريكي بـlynching ، وهو الإعدام خارج نطاق القانون، شنقا أو بـ”الاصطياد” بالبنادق، أو -في أحوال كثيرة- بوضع دولاب سيارة مطاطي حول الأسود المراد إعدامه، وإشعال النار فيه ليركض مولولا حتى يحترق بالكامل، وسط التصفيق والضحك الصخّاب.
وفي الولايات المتحدة اليوم 48 مليشيا عنصرية مسلحة، قامت بتوسيع دائرة المغضوب عليهم من غير البيض لتشمل اللاتينيين (السمر)، أي الوافدين من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، وتعمل تحت سمع وبصر السلطات الأمنية الرسمية، وتمارس التدريبات في الرماية والطوابير العسكرية علنا وفي مضامير خاصة بها، وقد شوهد بعض عناصرها وهم يمارسون النشاط الجنجويدي في مواجهة المحتجين الذين خرجوا بالملايين إلى الشوارع والساحات رفضا للفصل والاضطهاد العنصري الذي يستهدف السود، بعد مقتل جورج فلويد خنقا من قبل ضابط شرطة جثم على عنقه بركبته حتى أسلم الروح، في 25 أيار (مايو) من عام 2020، واتضح اثناء التحقيق في الحادثة، أن لذلك الضابط سجلا حافلا في استخدام العنف المفرط بحق السود المشتبه بهم في جنح بسيطة.
ورغم كل الجعجعة عن “الإنجاز الباهر” للآباء المؤسسين الذين صاغوا ما يصفه الأمريكان بالدستور الأكثر رقيا في العالم، فإن عددا من الرؤساء الأمريكان المنتخبين ديمقراطيا قُتلوا على أيدي من لم يكونوا راضين عما أسفرت عنه الانتخابات التي أكدت فوزهم؛ وهكذا اغتيل أبراهام لنكون (اللام الثانية في الاسم تُكتب ولا تُنطق) وجيمس غارفيلد، ووليام ماكينلي، وجون كيندي؛ ونجا من الموت بعد التعرض للرصاص غيلة كل ما ثيودور روزفلت، ورونالد ريغان.
وكما أن اليمين الإسرائيلي الصهيوني ممثلا في تنظيمات مثل غوش أمونيم، وعظمة يهودية، وحركتي كاخ وشاس، هو الذي يغذي خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين والعرب عموما، فإن جماعة ما يسمى باليمين المسيحي في الولايات المتحدة، وهم حماة وسدنة الحزب الجمهوري، يديرون مؤسسات إعلامية ضخمة تبث خطاب الكراهية العنصري، وتعضد جرائم الجنجويد البيض بتوفير غطاء وتبرير ديني لها، وهذه الجماعة هي التي أوحت للرئيس الأسبق جورج بوش الابن، أنّ ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية أمر من السماء، وأوعزت له بغزو أفغانستان والعراق، ولعل كثيرين منا رأوا نفرا من القساوسة التبشيريين وهم “يرقون” الرئيس السابق دونالد ترامب داخل البيت الأبيض، كي يحميه الله من الكورونا ومن كيد الحزب الديمقراطي.
ما زالت شعوب فيتنام وكمبوديا ولاوس وأمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى والبلقان والعراق وأفغانستان تعاني من الجراح التي سببتها لهم الولايات المتحدة، التي أغارت على أراضيهم وأبادت الحرث والنسل، وداست سنابك دباباتها على القانون الدولي، وما زالت الولايات المتحدة ترفض الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تنظر في جرائم الحروب و”إبادة البشر”، وكاد المريب أن يقول خذوني.
والشاهد: للولايات المتحدة مكيال واحد، تكيل به بسخاء لنفسها وصنائعها وربائبها، وتطفِّف الميزان عندما يخص الشعوب الأخرى، ومن ثم فمن يتغطى بالأمريكان عريان.. من يتغطى بهم عريان.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق