تقرير الإدارة الأمريكية: تشويه للحقائق وتملّص من المسؤولية
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 14 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 14 مايو, 2024
تقرير الإدارة الأمريكية: تشويه للحقائق وتملّص من المسؤولية
التقرير الأخير الصادر عن البيت الأبيض، حول انتهاك إسرائيل للقانون الإنساني الدولي في الحرب على غزة باستخدام أسلحة أمريكية، يمثّل قمّة النفاق.
حرفيا، التقرير يخفي الحقائق الصارخة حول حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، باستخدام عبارات مضلّلة وتعابير منمقّة ومقارنات باطلة؛ وبكل وقاحة يذكر أن الولايات المتحدة لم تتوصل لأي أدلة قاطعة على أن إسرائيل استخدمت الأسلحة الأمريكية بطريقة لا تتفق مع القانون الإنساني الدولي! فبأي منطق تجرؤ الولايات المتحدة على تقييم الواقع بهذا الاستخفاف، والإبادة تحدث على مرأى ومسمع كل العالم؟.
حتى اليوم، قتلت إسرائيل أكثر من 35,500 مدني، 72% منهم أطفال ونساء، يُضاف إليهم عشرات آلاف الجرحى ونحو 10 آلاف مفقود، ودمار هائل وغير مسبوق شمل 50% على الأقل من منازل المواطنين في القطاع. إن وصف الإبادة الجماعية بأنها “غير متسقة” مع “أفضل الممارسات” هو تقليل مشين لحجم الكارثة وظلم مجحف بحق الضحايا الأبرياء؛ ويبدو جليّا أن الهدف النهائي لهذا التقرير هو طمس الواقع الوحشي، وإجراء محاولة دنيئة للمساواة بين الجلاد والضحية.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن الإدارة الأمريكية هي مهندس رئيسي للفظائع المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني؛ فمنذ بداية العدوان، لم تكتفِ الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالدعم العسكري غير المحدود فحسب، بل قدمت لها أيضًا الدعم السياسي الأعمى، وهي التي رسخت الاحتلال الصهيوني القمعي في فلسطين كحليف إستراتيجي على مدى أكثر من 75 عامًا!
وهذه السردية أكدتها الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها مسؤولون أمريكيون، بمن فيهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن والرئيس جو بايدن، أضف إلى ذلك كل تصريحات الإدارة الأمريكية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، التي صوّرت العدوان على غزة بأنه دفاع عن النفس، متجاهلة تمامًا الوحشية التي تُشنّ بها الهجمات على المدنيين الفلسطينيين. وقد أظهر إعلان وزير الخارجية أنطوني بلينكن في اليوم التالي لبدء الحرب – بقوله إنه يزور إسرائيل كيهودي وليس كمجرد دبلوماسي- الرهانات الشخصية التي وضعها المسؤولون الأمريكيون في هذا الصراع. وفي أول اجتماع له بمجلس الحرب، شارك بلينكن في مناقشات حددت شكل الإستراتيجيات العسكرية التي ستنفذها إسرائيل ضد غزة، وهنا تساءلنا: أي ارتباط هذا الذي يجمع الجهود الدبلوماسية بساحة المعركة؟
وأتى الجواب بعد خمسة أيام فقط، حين ترأس الرئيس بايدن شخصيًّا اجتماعًا لمجلس الحرب في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، وأظهر دعمًا غير مسبوق للجانب الإسرائيلي؛ ناهيك عن جولة بلينكن في المنطقة، التي عمل خلالها بنشاط للضغط على الحلفاء لتثبيط أي دعم عاطفي أو مادي للفلسطينيين، وشمل ذلك إحباط قرارات جامعة الدول العربية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التي سعت إلى توجيه المساعدات الإنسانية إلى غزة، ما يعكس أجندة أمريكية واضحة لإطالة أمد العدوان.
وقد استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض (الڤيتو) أكثر من خمس مرات ضد محاولات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما كشف عن رغبة حقيقية للولايات المتحدة باستمرار حملة الإبادة الجماعية تحت ستار الإستراتيجية الجيوسياسية. ولم تكتفِ الولايات المتحدة باستخدام الفيتو لعرقلة العدالة الدولية من خلال تقويض جهود المحكمة الجنائية الدولية لمساءلة إسرائيل وحسب، بل قادت حملة ضد كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، كما مارست ضغوطًا كبيرة على القضاة لمنع إدانة إسرائيل، وتواصل ممارسة المزيد من الضغوط للتأثير على النتائج في هذه الهيئات القضائية.
ينعكس مدى تواطؤ الولايات المتحدة بوضوح أيضا من خلال تشكيكها بأعداد الضحايا الصادرة بالأسماء عن وزارة الصحة الفلسطينية، مع قبولها العلني بمزاعم مثيرة للجدل من الجانب الإسرائيلي مثل “ذبح الأطفال” و”اغتصاب النساء”؛ وقد رددت الولايات المتحدة هذه المزاعم في البداية، وكشفت وسائل الإعلام الأمريكية لاحقًا أنها محض أكاذيب، ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تصر على استخدام هذه الروايات التي لا أساس لها من الصحة.
وعلى الجانب الآخر، كانت الولايات المتحدة أول من حاول تشويه سمعة المقاومة الفلسطينية من خلال تشبيهها بتنظيم داعش لإنهاء القضية الفلسطينية، ومع ذلك انقلب هذا التكتيك بشكل مذهل بفضل الرقيّ الذي تعاملت فيه المقاومة مع الأسرى المحررين من الجانب الفلسطيني، وشهاداتهم حول اعتقالهم يوم السابع من أكتوبر، وحتى من خلال ظروف الاعتقال. وبفضل انتشار السردية الفلسطينية بات العالم اليوم أكثر مناصرة لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وقد ارتفعت الأصوات اليوم ضد أمريكا التي منحت المقاومة الأوكرانية الحق في الدفاع عن أرضها ضد روسيا، وتسلب هذا الحق من الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، يمتد تواطؤ الإدارة الأمريكية إلى ما هو أبعد من مجرد دعم سياسي؛ فقد قدمت مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لإسرائيل، وزودتها بالأدوات اللازمة لارتكاب الفظائع على نطاق واسع. ولم تسمح الأسلحة والاستخبارات الأمريكية بالمذابح التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية فحسب، بل زادتها أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك، حشدت الولايات المتحدة أكبر الأساطيل البحرية في العالم لأجل هذا العدوان، ما رسخ دورها في الصراع وأبرز مشاركتها المباشرة في تسهيل هذه الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.
أكثر من ذلك، بدا هذا النفاق واضحًا وبشكل صارخ خلال مفاوضات وقف إطلاق النار الأخيرة، حيث أعلنت الولايات المتحدة، عبر الرئيس بايدن، عن عرض “سخي” لحركة حماس. ومع ذلك، عندما وافقت حماس، وتراجع نتنياهو وغزا رفح، أغلقت الإدارة الأمريكية أعينها وآذانها عن عمد. وتثير تصريحات بايدن على شبكة سي إن إن – بأن نتنياهو وجيشه لم يعبرا “الخطوط الحمراء” – التساؤل عن ماهية هذه الخطوط الحمراء، إن لم تكن عمليات القتل الجماعي والمذابح لا ترقى إلى الإبادة الجماعية. وفي الوقت نفسه، يستمر صمت أمريكا بينما يتواصل إغلاق حدود غزة لأكثر من خمسة أيام، ما يهدد بحدوث مجاعة، وفي حين يدّعي بايدن أنه يريد تجنُّب التوغل في رفح لحماية المدنيين، تواصل إسرائيل هجماتها اليومية المميتة في جباليا والزيتون، وحتى في رفح نفسها، بينما لا تتوقف وزارة الصحة عن إحصاء القتلى.
إننا نقف أمام إدارة متورطة بعمق في جريمة الإبادة الجماعية، وهذا التقرير هو دليل آخر على تورطها الشديد.. تقرير يسلط الضوء على المدى الذي ستذهب إليه هذه الإدارة لخلق غطاء سياسي لإسرائيل، وتجميل صورتها دوليا، والتقليل من فظاعة الجرائم التي هي اليوم بمثابة فضيحة للإدارتين.
أخيرا، أثبتت الإدارة الأمريكية مرة تلو الأخرى أنها غير جديرة بدورها القيادي في العالم، وأن القيم التي طالما تغنّت بها – احترام حقوق الإنسان، وحقوق الأطفال والنساء، وحق الشعوب في تقرير المصير – ما هي إلا ادعاءات جوفاء؛ وتتبخر هذه القيم عند بوابات غزة، التي تعلن بشجاعة للعالم أن شعبها لن يقبل الظلم أو الاحتلال أو الاضطهاد.. إن التناقض المستمر بين القيم التي أعلنتها أمريكا وممارساتها لا يقوض مكانتها الأخلاقية فحسب، بل يقوض أيضًا مصداقيتها على الساحة العالمية؛ وبينما تستمر معاناة غزة يراقب العالم موقف أمريكا، وسيذكر التاريخ الدور الذي لعبته لتشويه الحقيقة وحماية المعتدين.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق