الدروس القيادية: وصايا الفاروق (رضي الله عنه) في طريق نصر القادسية

بواسطة | يناير 26, 2024

بواسطة | يناير 26, 2024

الدروس القيادية: وصايا الفاروق (رضي الله عنه) في طريق نصر القادسية

تحمل وصايا الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) نبراسًا يضيء دروب المسلمين ويشكل مرشدًا حكيمًا في توجيههم نحو الحق والعدل. في هذا المقال، سنتناول بإيجاز بعض هذه الوصايا التي تحمل قيمًا دينية وأخلاقية يمكن للمسلمين الاستفادة منها في حياتهم اليومية.

نور يستهدي به المسلمين

لطالما كانت أقوال وتوجيهات ووصايا أمير المؤمنين، الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، نوراً يستهدي به المسلمون في معرفة حقائق دينهم وأسسه وفضائله في عهده.

فهو ثاني الخلفاء الراشدين، الذين أوصى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باتباع سنتهم من بعده، ولذلك تناقل المسلمون جيلاً بعد جيل وصاياه، لما فيها من معالم الهدى والحق والعدل، ولا سيما تلك الوصايا التي كان يوجهها للولاة والقادة والجند أثناء خلافته؛ فكان الفاروق كثيراً ما يوصيهم بتعاهد القلوب، ويذكّرهم بالإِخلاص لله تعالى، واحتساب الأجر عنده، ويبيِّن أن نصر الله مترتب على ذلك، ويحذّرهم من التفريط في المسؤولية التي يتحملونها، ويذكّرهم بوجوب ارتباطهم بالله تعالى، وأنَّ قوَّتهم من قوَّته، ويذكّرهم بما سبق من وعد الله تعالى بانتصار الإِسلام، وزوال ممالك الكفر، ويحذِّرهم من التهاون في تحقيق شيء من أسباب النصر، فيتخلَّف النصر عنهم ليتمَّ على يد غيرهم ممن يختارهم الله تعالى.

ومما رُوي من تلك الوصايا، أنه لمَّا قدم سعد بن أبي وقاص إِلى المدينة أمَّره عمر رضي الله عنهما على حرب العراق، وقال له: “يا سعد بني وُهَيب! لا يغرنَّك من الله أن قيل: خال رسول الله (ﷺ)، وصاحب رسول الله (ﷺ)، فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، فإن الله تعالى ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده، يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة؛ فانظر الأمر الذي رأيت النبي (ﷺ) عليه منذ بُعث إلى أن فارقنا فالزمْه؛ فإنه الأمر. هذه عظتي إيَّاك، إِن تركتها ورغبت عنها؛ حبط عملك، وكنت من الخاسرين”.

وإِنَّها لموعظة بليغة من خليفةٍ راشد عظيم، فقد أدرك عمر رضي الله عنه جانب الضعف الذي يمكن أن يؤتى سعد من قبله، وهو أن يُدلي بقرابته من النبي (ﷺ)، فيحمله ذلك على شيء من الترفُّع على المسلمين، فذكّره بالمبدأ الإسلامي العام؛ الذي يُعتبر مقياساً لكرامة المسلم في هذه الحياة، حيث قال: الله ربهم وهم عباده، يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة. فقوله: يتفاضلون بالعافية، يعني: بالشفاء من أمراض النفوس، فكأنه يقول: يتفاضلون بالبعد عن المعاصي، والإقبال على طاعة الله تعالى. وهذه هي التقوى التي جعلها الله سبحانه ميزاناً للكرامة بقوله: ﴿إنَّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم﴾، وهو ميزانٌ عادل رحيم بإمكان كل مسلم بلوغه إذا جَدَّ في طلب رضوان الله تعالى والسعادة الأخروية، ثم ذكَّره عمر في آخر الموعظة بلزوم الأمر الذي كان عليه رسول الله (ﷺ)، وهذا يشمل الالتزام بالدين كله وتطبيقه على الناس.

ثم إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أوصى سعدًا بن أبي وقاص مرة أخرى لمّا أراد أن يبعثه بقوله: “إني قد ولَّيتك حرب العراق، فاحفظ وصيّتي، فإنك تقدم على أمرٍ شديد كريه لا يخلص منه إلا الحق، فعوِّد نفسك ومن معك الخير، واستفتح به، واعلم أن لكل عادة عتاداً، فعتاد الخير الصبر، فالصبرَ على ما أصابك أو نابك، تجتمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين: في طاعته، واجتناب معصيته، وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحبّ الآخرة، وعصاه من عصاه بحبّ الدنيا وبغض الآخرة، وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء، منها السرّ، ومنها العلانية، فأما العلانية؛ فأن يكون حامده وذامُّه في الحق سواء، وأما السرّ فيُعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه، وبمحبَّة الناس، فلا تزهد في التحبُّب، فإن النبيين قد سألوا محبَّتهم، وإن الله إذا أحبَّ عبداً حبَّبه، وإذا أبغض عبداً بغَّضه، فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس، ممن يشرع معك في أمرك”.

وفي هذا النص عبرٌ نافعة، منها:

 إن لزوم الحق يخلِّص المسلم من الشدائد، وذلك أن من لزم الحقَّ كان مع الله تعالى، ومن كان مع الله تعالى؛ كان الله سبحانه معه بنصره وتأييده، وإن هذا الشعور ليعطي المسلم دفعات قوية نحو مضاعفة العمل، ومواجهة الصعاب والمآزق، إضافةً إلى الطمأنينة النفسية التي يتمتع بها من لزوم الحق قولاً وعملاً، بخلاف من حاد عن طريق الحق، فإنه يشعر بالقلق والآلام المتعددة؛ التي منها تأنيب الضمير، والخوف من محاسبة الناس، والدخول في مجاهيل المستقبل التي تترتب على الانحراف.

 وذكر عمر رضي الله عنه أن عدّة الخير الصبر، وذلك أن طريق الخير ليس مفروشاً بالخمائل، بل هو طريق شاقّ شائك، يتطلب عبورُه جهاداً طويلاً، فلا بد لسالكه من الاعتداد بالصبر، وإلا انقطع في أثناء الطريق.

 وذكر: أن خشية الله تعالى تكون في طاعته واجتناب معصيته، ثم بيّن الدافعَ الأكبر الذي يدفع إلى طاعته، ألا وهو تفضيل الآخرة على الدنيا، والدافعَ الأكبر الذي يدفع إلى معصيته، وهو تفضيل الدنيا على الآخرة.

ثم ذكر أن للقلوب حقائق؛ منها العلانية، ومثَّل لها بالمعاملة مع الناس بالحق في حالي الغضب والرضا، وألّا يحمل الإنسانَ ثناءُ الناس عليه على مداراتهم في النُّكول عن تطبيق الحق، ولا يحمله ذمُّهم إيّاه على ظلمهم ومجانبة الحق معهم.

– وذكر من حقائق القلوب السرّ، وجعل علامته ظهور الحكمة من قلب المسلم على لسانه، وأن يكون محبوباً بين إخوانه المسلمين، فإن محبة الله تعالى لعبده مترتبة على محبة المسلمين له؛ لأن الله تعالى إذا أحبَّ عبداً حبَّبه لعباده.

فإذا كان سعد بن أبي وقاص المشهود له بالجنة بحاجة إلى هذه الوصية؛ فكيف بنا وأمثالنا، ونحن ينقصنا الكثير من فهم الإِسلام وتطبيقه؟! فما أحوجنا اليوم إلى التحلي بهذه الوصايا العمرية، التي كانت دائماً تذكّر وتشدد على ضرورة توحيد الله تعالى وتعظيمه، ومخافة الذنوب وتجنب المعاصي، والبراءة من حول النفوس وقوّتها! فالنصر على الأعداء إنما هو من الله تعالى وحده، وليس بقوّة المسلمين، بالرغم ممّا بذلوه من الجهاد المضني، والتضحية العالية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...