الدوريات الكبرى ومواليد القارة العجوز

بواسطة | سبتمبر 3, 2023

بواسطة | سبتمبر 3, 2023

الدوريات الكبرى ومواليد القارة العجوز

تعلقت بالساحرة المستديرة في طفولتي بسبب عدد من الأسماء والنجوم خلال منتصف السبعينات ومطلع الثمانينات، وكان بين هؤلاء النجم الهولندي الفذ يوهان كرويف، صاحب الأداء الرشيق وخصوصا في نسختي كأس العالم، 1974 في ألمانيا و1978 في الأرجنتين، وفي النسختين قاد الطاحونة الهولندية لبلوغ النهائي، لكنه في المرتين فقد اللقب أمام أصحاب الأرض والجمهور.
في تلك الحقبة كانت علاقتنا بالكرة عالميا تقتصر على متابعة مباريات المونديال المنقولة تلفزيونيا مجانا، وتدخل كل بيت يمتلك جهاز تلفاز.. وعندما سألت عن النادي الذي ينتمى له الساحر يوهان كرويف عرفت أنه “برشلونة” الإسباني، الذي دافع عن ألوانه بين عامي 1973 و1978، فأحببت النادي الكتالوني بسببه.
وتعاظمت حالة الحب عندي كمشجع للفريق الإسباني، خصوصا بعد أن استقطب عددا من الأساطير، بينهم الأرجنتيني دييغو مارادونا والبرازيلي روماريو ومواطنَيه رونالدو وريفالدو، والهولندي كومان، حتى وصلنا إلى الجيل الذهبي بقيادة أسطورة الأساطير الساحر ليونيل ميسي وبرفقته البرازيلي رونالدينيو والكاميروني صامويل إيتو، ونجوم الماتادور الإسباني كارليس بويول وجيرارد بيكيه وجوردي ألبا وسيرجيو بوسكتيس وتشافي هيرنانديز وإندريس إنييستا.
تعاطفي مع كرويف والمنتخب الهولندي لم يقلل أبدا من قناعتي بجدارة وأحقية جيرارد مولر في رفع كأس العالم مع ألمانيا الغربية، ولا من استحقاق ماريو كيمبس الفوز بالمونديال للمرة الأولى في تاريخ الأرجنتين. ولم يمنعني حب برشلونة من التصفيق والإشادة بالجيل الذهبي لغريمه ريال مدريد في أفضل نسخة من الملكي مع زين الدين زيدان ولويس فيجو وروبرتو كارلوس وسالغادو وفرناندو هيرو ورونالدو وديفيد بيكهام وفابيو كانافارو وسيرخيو راموس.
وإعجابي الشديد بالساحر الأرجنتيني ليونيل ميسي، كلاعب من كوكب آخر، لم يمنعني يوما من الاستمتاع بالداهية البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي فرض اسمه كواحد من أهم أساطير اللعبة على مر العصور.
أبهرني ميلان الإيطالي في عصره الذهبي بقيادة الثلاثي الهولندي رود خوليت وماركو فان باستين وفرانك ريكارد، لكنني في ذات التوقيت كنت أرفع القبعة لليوفي والإنتر؛ كذلك الحال في فرنسا عندما تألق مرسيليا، فقد كنت أتعاطف كثيرا مع موناكو وباريس سان جيرمان، ولم يختلف الوضع في ألمانيا مع بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند وكايزر سلاوترن وهيرتا برلين.
وفي إنجلترا تحمست كثيرا للشياطين الحمر بقيادة السير إليكس فيرجسون، الذي صنع تاريخا خالدا مع مانشستر يونايتد، لكنني تعاطفت لاحقا مع كل فريق يبدع ويمتع فيه أي لاعب عربي، مثل الجزائري رياض محرز ثم المصري محمد صلاح.. ولا يمنعني أيضا من الإنبهار بما يقدمه مانشستر سيتي أو الأرسنال.
والحقيقة أن تطور وسائل الإعلام وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في اتساع رقعة المتابعة للكرة العالمية بالنسبة لنا في الوطن العربي، وبات تشجيع الأندية الأوروبية ظاهرة لافتة للنظر. وأتفهم بطبيعة الحال الاهتمام العربي بالدوريات الأوروبية، خصوصا الخمس الكبرى، لكنني لاحظت في آخر عقدين أن هذا يأتي على حساب متابعة الدوريات المحلية في بعض البلدان العربية.. لكن الأخطر هنا أن يصل الموضوع درجة التعصب المقيت، ولا أبالغ إذا قلت أن هناك مشاجرات تحدث في بعض المدن العربية بسبب مباراة أوروبية، تبلغ حد التراشق بالكلمات وتبادل السباب.. تخيلوا!.
بدأت أشعر وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وأشاهد “معارك” كروية عربية بسبب مباريات أوروبية كأن أصحابها من مواليد القارة العجوز، أو تربوا بين جدران سانتياجو برنابيو أو أولد ترافولد أو كامب نو أو ستامفورد بريدج أو في إليانز أرينا أو سان سيرو.
في النهاية هي رياضة، والساحرة المستديرة هدفها -كبقية الألعاب الرياضية- المتعة والبهجة للمشجعين.. والانتماء الحقيقي يكون لمنتخب بلدك، يليه النادي الذي تشجعه؛ أما البقية فهي أمور ثانوية لا يجب أن ترهقك أو تشغل حيزا من حياتك، فتدخل بسببها في خصام مع شقيقك العربي.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...