الضربة الإيرانية.. إنها المؤامرة العظمى!

بواسطة | أبريل 14, 2024

بواسطة | أبريل 14, 2024

الضربة الإيرانية.. إنها المؤامرة العظمى!

ابلع ريقك.. وخذ نفسك.. وقل: آه.. وكمان: آه! وصارحني القول فأنا طبيبك المعالج، وأجب على هذا السؤال: ماذا تريد من إيران؟. السؤال بصيغة أخرى: ما هو الموقف الذي إذا اتخذته طهران يمكن أن يحوز على إعجابك، أو على الأقل موافقتك؟!

في مقام آخر، أبديت دهشتي لأن القوم في البيت الأبيض وتل أبيب تعاملوا بجدية مع التهديد الإيراني بالرد على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق؛ ذلك بأن المستقر عليه أن إيران تهدد ولا تفعل، وهي إن فعلت فهي ضربة خفيفة، كما حدث في مرات سابقة ردّاً على عمليات إسرائيلية أكثر تأثيراً، والبعض تنبأ في هذه الحالة أن يكون الرد عبر الوكلاء في بيروت وصنعاء، ومن ثم فإن التهديد مثَّل أداة سخرية من جانب كثيرين، ليسوا صهاينة ولكنهم من العرب، وليسوا جميعهم لجاناً إلكترونية، فإن من بينهم من نعرفهم ولا يتخفون خلف الأسماء المستعارة، وليسوا كلهم من المتحلقين حول أنظمة عربية خذلت أهل غزة، ولا عجب، ففيهم من ينحازون للمربع الآخر!

الأمر يجعل طلبنا أعلاه مشروعاً، وأعني الإجابة بعد الـ “آه” الثانية على السؤال: ما هو حجم الرد الذي لو قامت به إيران كان سينال إعجابك، ويدفعك للانحياز لها؟

الإجابة كانت واضحة لي منذ البداية، وعليه فقد كتبت إن البعض يقف في دائرة الضد لإيران، ومن ثم فهو معارض لها إن ردت وإن صمتت، وسواء أكان ردها قاسياً أم ناعماً؛ وهو ما حدث تماما بعد الضربة المحدودة التي أطلقتها في اتجاه إسرائيل، فنام أهلنا في غزة ليلتهم في أمان من القصف الإسرائيلي، لكن حجم السخرية من الضربة عربياً كان أقوى من سخرية الإسرائيليين منها، والذين لم يكونوا في وضع يسمح لهم بالسخرية اندفعوا إلى الخنادق، بعد أن سمعوا صفارات الإنذار تدوي لليلة كاملة!

خندق حلفاء إسرائيل:

هناك من كانوا نياماً، وبعد أن استيقظ الواحد منهم وعلم بالضربة أمسك بهاتفه، وقبل أن يغسل وجهه كتب رأيه فيها؛ فهي قد جمعت حلفاء إسرائيل في خندق واحد.. فمتى اجتمعوا؟ ومن أخبره بهذه العودة؟ فتداعيات الضربة الإيرانية لم تتجلَّ بعد، وما تجلى هو ما أبلغ به البيت الأبيض نتنياهو بأنه لن يكون مسانداً له إذا ردت إيران، لأن واشنطن ضد تفجير القنصلية الإيرانية، وتراه فعلاً غير مدروس من رئيس الوزراء الإسرائيلي لمدّ أمد الحرب!

وعندما كان المقدر عدم الرد الإيراني على استهداف القنصلية، كان هذا الضعف مادة للسخرية والتندر أيضاً، وإن ذهب فريق ليستكمل سخريته من عدم أهمية هذه الضربات، التي لم تمحُ إسرائيل من الوجود، ولم توقع خسائر في الأرواح، ولو كانت ضربة ساحقة ماحقة لسخروا منها أيضاً!

ويمكن هنا أن تلتمس السبب بين السطور، فهم يخفون في أنفسهم ما الله مبديه، عندما تنطلق مفردات مثل “المجوس”، و”الروافض”، و”أعداء أهل السنة”، ليصل بنا الحال إلى أبي لؤلؤة المجوسي، مع أن القوم عندما كانوا مجوساً كان أجداد الساخرين يعبدون الأصنام، لكن الإسلام جاء ليرفع سلمان فارس، ويُذل بالكفر الحسيب أبا لهب؛ والأول قال فيه الرسول: سلمان منا آل البيت، والثاني نزل فيه قرآن يلعنه إلى يوم القيامة!

هي – إذن- الحرب، والرأي، والمكيدة، وهو الانتصار للمذهب وليس للقضية، وعندما تتعرض نزعات العصبية حتى للمبادئ العظيمة فإنها تهبط بها إلى سابع أرض، {فلا يجرمنَّكم شنآن قومٍ على ألّا تعدلوا}، لكن هذا الخلاف هو الذي دفع أقواما منا إلى التساهل مع حكومات عربية شاركت في حصار أهل غزة، واعتبروا أن إلقاء المساعدات من الجو من أفضل الأعمال الى الله، لكنهم هنا يتحدثون عن مدى جدوى الضربة الإيرانية، وهم لم يجيبوا عن السؤال: ما هي الجدوى التي حققها المسلسل الهابط بإلقاء المساعدات جواً، مع التقاط صور للجوعى وهم يتهافتون عليها؟!

إيران والأسد:

إن هناك من هم مع نصرة فلسطين، لكنهم في الوقت نفسه مع أن تنتصر بهم أو أن لا يكون نصر، وهم يغلفون موقف الرفض هنا للعملية الإيرانية بغلاف أخلاقي، فإيران ساعدت بشار الأسد في تصفية الثورة وقتل الثوار، وهذا اتجاه حميد، لولا أننا نبحث عبر صفحاتهم عن موقف لهم ضد إجرام الأسد أو الذين ارتكبوا مثل إجرامه، فلا نجد على النار هدى!

والبعض يذكر لإيران الآن ما لم يكن مطروحاً على جدول أعماله، من دورها بعد الغزو الأمريكي للعراق وقد انتصرت للمذهب، فما لزوم هذا الكلام الآن، ولم يكن لهم دور ضده في وقته وحينه؟! لا يجوز أن تعامل إيران وفق الأعمال الكاملة مع كل موقف إيجابي لها، فنبدأ قراءة السيرة الإيرانية منذ بداية الثورة.. وهذا التعصب المذهبي هو الذي يدفع للخوف من أي عمل جيد أن يكون سبباً في انتصار المذهب الشيعي، وكأن هذا المذهب لم تعرفه البشرية إلا في العشرين سنة الأخيرة فقط!

وهم أنفسهم من رأيناهم يندفعون في منع أي تقارب بين مصر وإيران في عهد الرئيس محمد مرسي، حتى ولو في جانب واحد منه وهو السياحة، وقد صوروا لنا أن المذهب السني من الضعف بمكان حد أن مرور سائح إيراني بجانب المصري يمكن أن يشيعه!

ولم تكن حرباً لله فيها نصيب، فقد كانت جزءاً من مخطط للإقليم لمنع أي تحالفات خارجه، من شأنها أن تفك الحصار المفروض على النظام المدني المنتخب، أو تساهم في حل مشاكله الاقتصادية، وبعد “الاستفراد” به كان ما كان، فهذا الإقليم كان صاحب كلمة السر في إنهاء الحكم المدني، وعودة الحكم العسكري!

الدولة الفاطمية بجلال قدرها لم تشيّع الشعب المصري، وبعد أن غادرت تبين أنها لم تأخذ من مصر إلا ما أخذت الريح من البلاط! والموقف العام من الدول والأفراد ينبغي ألا يكون على الأعمال الكاملة، فالتقييم لكل موقف على حدة، ونحن نرفض الموقف الإيراني في سوريا، ونؤيده في دعم القضية الفلسطينية!

والنظرة المتزنة تُرينا أن كل حجر يُرمى في اتجاه إسرائيل، في معركة خذل فيها أهل السنة والجماعة – على مستوى الدول- القضية، إنما هو أمر مهم وإن لم يصب أحداً أو يلحق ضرراً، فيكفي كل هذا الفزع الذي أصاب القوم ولو لليلة واحدة!

وبعيداً عن هذا كله.. فما هو الفعل الذي إذا فعلته إيران حاز على موافقتك، ولم تسخر منه سخريتك لهذا التقاعس العربي المهين؟!

ابلع ريقك، وخذ نفسك، ثم قل آه، فآه، وأجب.. فعندما تقرر التحدث مع طبيبك المعالج فهذه أولى الخطوات نحو العلاج!

فأنت تعيش داخل نظرية المؤامرة.. فالرد الإيراني متفق عليه ونتاج مؤامرة، والثورة الإيرانية مؤامرة، والدنيا كلها مؤامرة، والكون كله يتآمر عليك، ولو تم مد الحبل على استقامته، لوصلت إلى نتيجة مؤداها أن اتصال والدك بأهل بيته في هذه الليلة الغبراء التي أنتجتك كان مؤامرة، اشترك فيها الأمريكان مع الصهاينة، والفرس مع الروم، والمجوس مع عبدة الأصنام، من أجل أن نُبلى بك!

تذكر أن السابقين لك وصفوا صواريخ صدام حسين في اتجاه إسرائيل بالفشنك التي أحدثت دوياً ولم تصب هدفاً، لكن بعد سنوات اعترف العدو نفسه بحجم تأثيرها الهائل!

إنهم الذين لا يعملون، ويؤذيهم أن يعمل الآخرون!

3 التعليقات

  1. رحيق شهاب الدين

    شكراً جزاك الله خيراً أستاذ سليم. كلامٌ في الصميم!

    قال رسول الله ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت…)

    في رأيي، أن أي جهدٍ يدعم غزة والمقاومة ويصبُّ في صالح القضية الفلسطينة ويذِلُّ ويكسر عنجهية الاحتلال الصهيوني النازي المجرم الغاصب هو محلُّ تقدير حتى لو كانَ من مُلحِد! فما بالنا بجهدٍ مِن مسلمين مثلنا بغض النظر إن كنا نختلف في المذاهب فالاسم مسلمون وربُّ السماء هو المحاسب!

    ينبغي على الجميع أن يحاولوا رؤية الجانب الإيجابي في كل شيء يحدث ويتوقفوا عن السلبية ونشر الإحباط والتثبيط. أرى أنَّ هناك الكثير من الجوانب الحسنة في الرد الإيراني:
    1. تعزيزٌ وتأكيدٌ على هشاشة هذا الكيان وضعفه وزواله القريب بإذن الله.
    2. تكبيد الكيان ومعاونيه ومواليه للخسائر المادية…
    3. حالة الهلع والذعر والخوف والقلق التي أصابت الصهاينة الجبناء وأن يذوقوا من نفس الكأس الذي يذيقونه لأهلنا المظلومين…
    4. فضحٌ وكشفٌ وتوثيقٌ لأفعال المنافقين وأنظمة العار والخزي الموالين لأعداء الله، وتماديهم ومجاهرتهم بالعداوة والفساد والخذلان ونفاقهم وطغيانهم سيجرُّهم إلى الهاوية وإلى مزبلة التاريخ بشكل أسرع بإذن الله.
    5. جبرٌ لخواطر أهلنا الأبرار في غزة وفلسطين ورفعٌ لمعنوياتهم؛ يكفينا أصوات تكبيرهم وفرحتهم وتقديرهم لمَنْ ناصرهم، يكفينا أن أنعم الله على غزة بلَيْلةٍ هانئة بدون أصوات الزنانات والطائرات الصهيونية…
    6. كان هناك نوعٌ من التجربة الواقعية لما يعانيه أهلنا الأطهار في غزة كل ليلة؛ حيث أن بعض الناس ممن مرَّت الصواريخ والمسيَّرات في بلدهم، كمحطة فقط شعروا بتوتر وقلق واستشعروا معاناة إخوانهم المستهدفين نهاراً وليلاً…

    إنها معركة بين الحق والباطل، علينا أن نحذر ونحسب ألف حساب لكل قول وفعل وألا ننسى بأن هناك يوم حساب وأننا سنقف بين يدي الله وسنُسْأَل مع أي الفريقين كنا وماذا فعلنا لنصرة إخواننا وقضيتنا وديننا؟!

    الرد
    • نادر جلال

      حبيبي جزاك الله خيرا .لكن غير موفق تماما ومقالك هذا غير مقنع لا ي عاقل .ومنها ان البعض يقف موقف الضد من ايران .لكن ايران هي التي تقف موقف الضد و العداء من اهل السنه عامه .ايران ليست الدوله المسالمه المحبه لأهل السنه لكن اهل السنه وحشين ويعادونها. اما قولك بانهم عندما كانو مجوسا كان أجدك يعبدون الاصنام فقولك ينم عن عدم فهمك للكلمه .لأننا لا نتحدث عن التاريخ الماضي لكن نتحدث عن واقع عقيدتهم اليوم وواقع عقيدتنا .عقيدتهم التي خليط بين المجوس والنصاري واليهود. اما قولك لا يجب التعامل مع ايران مع وفق أعمالها الكامله في المنطقه .فهذ الكلام يدعو الي قصور النظر وعدم فهم سياستها الكليه جمعاء .فكيف افصل قتلها وتشريدها لملايين اهل السنه وحتلاهلها لاراضيهم وبلدانهم وفعل وقتل مالم تفعله إسرائيل .كيف افصل هذا عن سياساتها وكيف اثق بها وبما تدعيه من عداوتها لاسرائيل .

      الرد
  2. Youcef BEN AMARA

    في الصميم

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...