الفُسطاط.. العاصمة المصرية الأولى

بواسطة | مايو 12, 2024

بواسطة | مايو 12, 2024

الفُسطاط.. العاصمة المصرية الأولى

قارئ التاريخ العربي لا يمكنه تجاوز بعض المدن التي لها وقع في النفس، ومنها مدينة «الفسطاط» القديمة، عاصمة مصر الإسلامية الأولى، جوهرة الضفة الشرقية لنهر النيل، وهي التي شهدت العديد من الأحداث التاريخية الهامة على أرضها.

 كانت «الفسطاط» أول مدينة عربية بناها المسلمون في مصر والقارة الإفريقية، وكانت مقر الحكومة العربية الجديدة في مصر، وقد بلغت قمة مجدها في القرن الثاني عشر الميلادي؛ وظلت عاصمة لمصر لفترات طويلة وعلى مراحل متقطعة، حتى غزا الفاطميون مصر عام 358هـ/ 969م، وأسس فيها جوهر الصقلي مدينة «القاهرة»، فدخلت الفسطاط في حيز المدينة الجديدة.

كان لابد لعمرو بن العاص بعد أن أتم فتح مصر أن يتخذ لها حاضرة يتركز فيها العرب الفاتحون، وتكون لهم قاعدة لحكم مصر، ومقرًّا لنشر الإسلام ورسالته بين أهلها؛ وكانت «الإسكندرية» حسب المعطيات التي رآها لا تصلح، لأنها تقع على البحر المتوسط الذي يسيطر عليه الروم، وقد يهاجمها الروم عن طريق هذا البحر. لذلك شرع عمرو بن العاص في تأسيس المدينة الجديدة عام 21هـ/ 642م، فاختار المنطقة الواسعة التي تقع شرق نهر النيل، في موضع التقاء الوجهين البحري والقبلي، وكانت هذه المنطقة محاطة بالتلال من الشمال والشرق، والنيل من الغرب، وكان اتصالها بالمدينة المنورة ميسراً و سهلاً.. وسُميت هذه المدينة باسم «الفُسطاط» نسبة إلى فسطاط عمرو بن العاص، أي خيمته.

وقد أقامت القبائل العربية في الأماكن التي حددها عمرو بن العاص لها، وأقاموا الدور والمباني و الخانات، وشيد عمرو بن العاص مسجدًا، وهو ما زال موجودًا حتى الآن، وشيد دارًا له خاصة بجوار هذا المسجد الأثير. وبحكم موقع مدينة الفسطاط على النيل فقد زادت أهميتها التجارية، حيث كانت السفن الآتية من الجنوب إلى الشمال ترسو في مينائها.

وقد تعرضت مدينة الفسطاط لأحداث مؤلمة متوالية أدت في النهاية إلى زوالها نتيجة لتعرضها للخراب والدمار؛ ومنها مطاردة العباسيين لبقايا بني أمية سنة 132هـ وفي ما بعدها، وكذلك تعرضت للتدمير من قِبل «الحاكم بأمر الله» لأن سكان المدينة عارضوا دعوته الفكرية، ونظر من فوق جبل المقطم إلى المدينة وهي تحترق، مثلما فعل «نيرون» أثناء حريق روما، والتاريخ يشبه بعضه بعضاً.. كذلك تعرضت الفسطاط للدمار في أيام الشدة العظمى في عهد الخليفة الفاطمي «المستنصر بالله»، والتي استمرت سبع سنين، ومات بسببها كثير من الناس. واستمر الخراب والدمار في الفسطاط حتى زالت بعض معالمها من الوجود كأنها لم تغن بالأمس .

ومدينة الفسطاط حاليًا تُعرف باسم «حي مصر القديمة»، وهو من أعرق أحياء مدينة القاهرة الكبرى، ويتميز هذا الحي بوجود المناطق الأثرية، مثل جامع عمرو بن العاص، وحصن بابليون، وحفائر مدينة الفسطاط، وغيرها من الآثار التي تحمل عبق التاريخ وحكاياته المصرية، أما شوارع هذا الحي فهي تعج بالحياة العصرية.

وهكذا ازدهرت الفسطاط كعاصمة لمصر على ضفاف النيل، وهي الآن تمثل سجلاً مفتوحًا يروي قصص التاريخ.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...