القِبلةُ الأولى.. واجبات منتظَرة في ذكرى تحويل القبلة

بواسطة | فبراير 21, 2024

بواسطة | فبراير 21, 2024

القِبلةُ الأولى.. واجبات منتظَرة في ذكرى تحويل القبلة

في النصف من شعبان كان تحويل القبلة من بيت المقدس والمسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وعلى هذا التاريخ عامّة المؤرخين وكُتّاب السِّيَر.. ففي “البداية والنهاية” تحت عنوان “فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر”، يأتي قول ابن كثير: “قال الجمهور الأعظم: إنَّما صُرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة.”

واجبات منتظَرة

إن ذكرى تحويل القبلة بوصفه قضية كل المسلمين، وفي مقدمتهم الفلسطينيون بوصفهم أهل الثغر الأقرب ورأس الحربة في المواجهة، إنما ينبغي أن تكون مناسبة يعيدُ فيها المسلمون جميعًا، قادةً سياسيّين وعلماء ودعاة وشبابًا وناشطين، شدَّ الرحال المعنوي إلى المسجد الأقصى المبارك؛ فلئن غاب عنهم شد الرحال الجسدي فالواجب عليهم إعادة إنتاج مفهوم وصور شد الرحال المعنوي إليه؛ فيعيدونه إلى واجهة الحديث والحضور، ورسم الخطط لمواجهة تطورات العدوان المستمرّ على مسرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستشراف المستقبل ووضع آليّات قائمة على المبادرة بالفعل لحماية المسجد الأقصى أو ما تبقّى منه، لا سيما في ظل الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في غزّة العزة، وعدم انتظار الإجراءات الصهيونية والانحسار إلى زاوية رد الفعل، التي لم تؤت ثمارًا حقيقية في الأحوال المختلفة.. فلتكن ذكرى تحويل القبلة مناسبةً لإطلاق حملة للحديث في ذلك، وإعادة القبلة الأولى إلى الواجهة في ظلّ تزاحم الوجهات والتوجّهات.

وكذلك على العلماء والدعاة من الفلسطينيين وغيرهم – على مستوى الأفراد والمؤسّسات- تقدُّم الصفوف، وجعل المسجد الأقصى جزءًا من مكوّنات خطابهم الدعوي المستمر، بحيث يكون المسجد الأقصى المبارك مفردةً من مفردات الخطاب الحاضرة دومًا وليست متعلّقة بالمناسبات الدورية والحوادث المستجدة فيه؛ فالأقصى قضية مستمرة، وأسيرٌ ما يزال يئنّ.. وهو حبيبٌ يعاني وباء الاحتلال الصهيوني، ووباء المستوطنين الذين لا يكفّون عن اقتحامه تحت حراب الاحتلال، ووباء تآمر بعض أبناء جلدتنا، ووباء الخذلان الإسلامي؛ فلا ينبغي أن يكون الحدب عليه والإقبال على التفاعل معه موسميًّا ما دام أنينه مستمرًّا.

أمّا الشباب الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، والكُتّاب والمفكّرون المنافحون عن قضايا أمّتهم، فإنَّ أقلّ ما يمكنهم فعلُه إلى جانب تفاعلهم مع ما يجري في غزة واستنفارهم الواجب لمواجهة الإبادة الصهيونية لغزة وأهلها؛ هو إبراز قضية المسجد الأقصى جنبًا إلى جنب مع المسجد الحرام والمسجد النبوي.. وإلى جانب قضايا الشباب التي تشغلهم ويتفاعلون معها باستمرار، فإنّ أقلّ ما يُرتجى منهم أن يكون المسجد الأقصى المبارك قضية شبابية لا يخبو ذكرُها ولا يتراجع وهجها، ولا يكون قضية مناسباتية.

إن إغراق صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بصور المسجد الأقصى المبارك بحالاته كلها، له دور كبير وأثر مهم في تجديد استشعار المسلم بمكانة المسجد الأقصى المبارك، لا سيما مع ربط ذلك بصور المسجدين الحرام والنبوي، فهو شقيقهما وصنوهما في شدّ الرحال كما بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: “لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”.

واجب شرعي وسنّةٌ نبوية

إن استحضار المسجد الأقصى مع المسجد الحرام والمسجد النبوي عند الحديث عن المساجد، في ظلّ هذا الغياب الموجع، واجبٌ شرعيّ يقتضيه الربط النبوي بين المساجد الثلاثة من جهة، وكونه يعاني من مخاطر التهويد ومخططات الاحتلال الصهيوني من جهة أخرى.

وإن الاهتمام بالمسجد الأقصى المبارك هو سنّة نبوية، حيث كانت تُعقَد المجالس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للتباحث في شأن المسجد الأقصى المبارك؛ فقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: تذاكَرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّها أفضل، أمسجدُ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه – أي المسجد الأقصى- ولنعمَ المُصلّى هو، وليوشكنّ أن يكون للرجل مثل شَطَن فرسه من الأرض – الشطن: الحبل- حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا، أو قال: خير له من الدنيا وما فيها”.

إن ذكرى تحويل القبلة مناسبة لتحويل قبلة الحديث إلى المسجد الأقصى المبارك، وشدّ رحال القلوب والعقول والأفكار إليه مجدّدًا، وجعله القبلة الأولى في الاهتمام، ببيان الواجبات الشرعية تجاهه على مختلف شرائح الأمّة، وحشد طاقاتهم ليكون الأقصى حاضرًا في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم إرادة الاحتلال الصهيوني في تغييبه عن اهتمام الأمّة وأولوياتها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...