المرجفون في المدينة والمعايير المزدوجة

بواسطة | نوفمبر 28, 2023

بواسطة | نوفمبر 28, 2023

المرجفون في المدينة والمعايير المزدوجة

حول تطور الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، يستعرض الكاتب تناقضات مواقف المسؤولين الأوروبيين وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في كشف تضليل الإعلام الغربي. كما يسلط الضوء على قمع الدعم للفلسطينيين على وسائل التواصل والرد العالمي الواسع للقضية.

حول مواقف العالم: الكشف عن وقاحة الصهاينة وتضامن الشعوب مع القضية الفلسطينية

مذيع قناة الجزيرة في لقاء خاص سأل الإسباني جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: هل ما يرتكبه “الكيان المحتل” في غزة يمكن وصفه بأنه جرائم حرب؟
رد بوريل: لا.. لست محاميا لأقول إنها ترتكب جرائم حرب.
سأله المذيع: وهل ما قامت به المقاومة في السابع من أكتوبر جريمة حرب؟
بوريل رد دون تردد: نعم.. إن ما حدث كان قتلا للمدنيين بشكل واضح من دون أي سبب.
المذيع قاطعه: لكنك توًّا قلت إنك لست محاميا لتقول إن الطرف الآخر يرتكب جرائم حرب.. أليس من حق الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم؟

بوريل: لا.. ما حصل في هجوم حركة المقاومة الإسلامية كان رعبا وما يحدث في غزة أمر مرعب.. كلاهما أمر مرعب.
هكذا يفكر ويتعامل المسؤول السامي للاتحاد الأوروبي.. ويسألونك عن سر بجاحة ووقاحة الصهاينة، وعدم مراعاتهم القوانين الدولية أو خوفهم من محكمة العدل!. إنهم يرتكبون المجازر متحصنين بمثل هذا الموقف، ناهيك عن مواقف الغرب الأخرى للحكومات في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا التي تقدم كل الدعم للمحتل الغاصب. يحدث هذا بينما نجد في المقابل إجراءات قمع وتضييق على كل الداعمين للقضية الفلسطينية، الذين يطالبون بوقف الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة، ويدعمون حق الشعب الفلسطيني في الحصول على الحرية ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائم الحرب.
وبالفعل تغيرت الصورة والفكرة بين شعوب العالم الغربي تجاه القضية بعد أن انكشف تزوير الإعلام الغربي وتضليله على مر العقود، انكشف ذلك مع الفيديوهات الحية الحقيقة التي تنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها منصة إكس (X)، التي يبدو صاحبها إيلون ماسك صامدا حتى اللحظة في مواجهة الضغوط الصهيونية، التي منعت عنه إعلانات أكبر الشركات العالمية التي يسيطرون عليها ومن خلالها يتحكمون في المشهد السياسي الغربي وكذلك الإعلام، حتى بقية منصات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها مجموعة “ميتا” التي تمتلك “فيسبوك” و”انستغرام”، وتضع قيودا شديدة على كل من يدعم فلسطين، بل إنها سمحت بعرض إعلانات تدعو لمحو الفلسطينيين والقضاء عليهم.. ومع كل هذا كشفت الإحصاءات لمظاهرات العالم أن نسبة 95% تؤيد فلسطين، مقابل 5% فقط تدعم المحتل.

لك أن تتخيل عزيزي أن هذا الدعم الدولي لفلسطين يأتي في وقت، كشف فيه بعض المتصهينين العرب بلا خجل عن ميولهم في صف الكيان، ومنهم من أعلنها صراحة دون مواربة.. وكثيرون يدّعون العروبة ارتدوا ثياب النفاق، فكانوا كالمرجفين في المدينة الذين ذكرهم الله عز وجل في القرآن الكريم.. قال تعالى: {لئن لم ينتهِ المنافقون والَّذين في قلوبهم مرضٌ والمُرجِفون في المدينة لنُغريَنَّك بهم} [الأحزاب: 60].
وفي التفسير جاء: لئن لم يكفَّ الذين يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان، والذين في قلوبهم شك وريبة، والذين ينشرون الأخبار الكاذبة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، عن قبائحهم وشرورهم، لنسلِّطنَّك عليهم، ثم لا يسكنون معك فيها إلا زمنًا قليلا، مطرودين من رحمة الله، في أي مكان وُجِدوا فيه أُسِروا وقُتِّلوا تقتيلا ما داموا مقيمين على النفاق ونشر الأخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد.
وللأسف، ما أكثر المرجفين هذه الأيام من المنافقين الذين ينشرون الأخبار الكاذبة، ويتعمدون تثبيط الهمم واغتيال المعنويات ونشر الإحباط بكلام، يبدو ظاهره فيه تأييد للمقاومة بينما باطنه فيه تقليل من شأن العمليات العسكرية والسياسية، التي تقوم بها في مواجهة عدو مدعوم من أقوى دول العالم لكنها تظل صامدة؛ وقد شهد العقلاء أن المحتل لم يحقق أي مكسب عسكري ولا هدفًا واحدًا مما أعلنه قبل الحرب على غزة بشأن تفكيك حركة حماس واستعادة الرهائن بقوة السلاح؛ حتى إنه هبط بتلك الأهداف إلى نزع قوة حماس واستعادة الأسرى عن طريق التفاوض والهدنة.. والأمر الوحيد الذي ينجح فيه هو القصف المتوحش، الذي أسقط آلاف المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين، وغالبيتهم من الأطفال والنساء.. وهو يدرك جيدا أنه غير مُعرَّض للمحاسبة على تلك الانتهاكات للقوانين والأعراف الدولية بسبب الدعم الأمريكي الكامل.

ولو واجهتَ المُرجف بتلك الحقائق لقال لك: “لكن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون فادح، وراح بسبب حركة حماس آلاف من الضحايا لا ذنب لهم، وكانوا يعيشون في سلام قبل السابع من أكتوبر”؛ وعبثا ستحاول إقناعه أن حياة الفلسطينين تحت الحصار في غزة والضفة الغربية لا تطاق، بل إنها ليست حياة في الأساس في ظل انتهاكات صارخة من الكيان المحتل على مدار ما يزيد عن سبعة عقود، وأن كل حركات التحرير في العالم قدّمت أثمانا باهظة، لكن هذا لم يقلل من أهمية المقاومة والوقوف بكل بسالة في مواجهة الاحتلال.
بل ومن رابع المستحيلات أن يقتنع بما تحقق من إنجازات، سواء في أنها المرة الأولى التي يسقط لدى العدو ما يزيد عن 2500 قتيل، أو أسر ما يربو على 250، بينهم قيادات كبيرة في جيش الاحتلال، أو أنه للمرة الأولى في التاريخ يتم تجهير ما يزيد عن نصف مليون مستوطن، أو سقوط مقولة الجيش الذي لا يُقهر وإظهار هشاشته وإيقاف تمدد التطبيع، وسقوط ورقة التوت عن الغرب مدعي الإنسانية وحقوق الإنسان، بخلاف إعادة بث روح القضية الفلسطينية في قلوب الأمة وتوحيد الشعوب، وإحياء الأمل في الجيل الذي تم اختراق عقول الغالبية منه بسبب مخططات صهيوينية.
فلا تتعب نفسك في النقاش مع تلك الفئة من المرجفين.. ويكفي أن العالم اكتشف حقيقتهم المخزية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...