المستشرق الذي كشف أسرار المتصوفة (3)
بقلم: سامي كمال الدين
| 23 أبريل, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: سامي كمال الدين
| 23 أبريل, 2024
المستشرق الذي كشف أسرار المتصوفة (3)
يستمر لويس ماسينيون في عرض رؤيته كمستشرق لمصير الحلاج والمتصوفة، وردود الفعل في العصور التالية، فيقول:
“وأخيراً نرى في كل عصر، على نحو مفرد غير منتظم، مسلمين أيقنوا أن عذاب الحلاج قد أتم ولايته بلطف النجاة، وهو أمر يمكن انطباقه على كل الملّة الإسلامية، فيجب عليهم دعوة الناس جميعاً إليه: فارس، ابن عقيل، عبد القادر الكيلاني، وهو الولي الشفيع الحنبلي لبغداد، روزبهان البقلي الشارح المتحمس لمؤلفات الحلاج، ومدرسة الشهودية، السمناني، ومخدومي جهانيان وسر هندي – والثلاثة لهم أثر كبير في الهند؛ وأيضاً خفاجي وهو مصري .
وفى البلاد العربية انتشرت “قصة شعبية” منذ القرن الثالث عشر في سوريا ومصر، أذاعتها الطريقة العدوية التي لم تستمر طويلا، ولقنها الناس في مكة ودمشق عز الدين بن غانم المقدسي الحنبلي، وهي قصة خلدت بقاء هذا الاعتقاد. والحلاج يدعى في الدعوات الشخصية، خصوصاً في بلاد الترك، لوقف بكاء الأطفال الصغار على وجه التخصيص، ولا يزال قبره التذكاري (الخالي من رفاته) الذي أُقيم له في القرن الحادي عشر في بغداد يزوره الناس، وبخاصة من الهنود.
والمزمار الرئيسي في الحفلات الموسيقية الروحية عند المولوية في الأناضول يدعى باسمه (ناي منصور).
حافظ، الشاعر الفارسي المشهور، أعجبه في الحلاج كونه “العاشق الذي جعله الصليب متعلقاً كل التعلق بشوقه، حتى صار سلوى له لا يستطيع الانفصال عنه”.
ما زالت قصة الحلاج تشغل المستشرقين والمفكرين والدعاة حتى الآن، بين من يراه خارجاً عن الملة وادَّعى على الله، وبين من يرى أنه فُهم خطأً ولم يدَّعِ على الله. لكن يناظر التنويع في الحرف الإنسانية في المدينة الفانية بهذه الدنيا اختلاف منظم للرسائل الروحية في الجماعة الدينية أو الملّة النهائية؛ فكما أن تركيب الجسم يعدل وينظم مختلف الفضائل التي مارسها بالزهد، كذلك ترتيب جماعة المختارين في المراتب العليا لا يتوقف على علاقات الأفضلية والتنازل الرسميين بين أولي المراتب في الدنيا، ولكن على النظام التصاعدي للشفاعات والاستدلالات، التي يكون “الحب” قد أوحى بها إلى النفوس المتحمسة، تلك النفوس التي تلقت أكثر وبذلت نفسها أكثر، فصارت أقدر على عبادة الله.
وأمثال هذه النفوس العاشقة تلقت رسالة الدعاء والتألم من أجل الجميع (راجع الدعاء الإسلامي للأبدال، وهو “دعاء بالصلاح”، موحى به من الخضر، وهو إلياس)، في الطبقات للشعراني تجد قوله: “إن غائيتنا أكبر من نشأتنا، هذه حقيقة تنبه إليها الحلاج” (الطبقات للشعراني: 177).. “أيهما أطيب: البداية أو النهاية؟ فقال: لا يجتمعان؛ كيف يقع بينهما تخير؟! ليس للنهاية ذوق استطابة، إنما هو “تحقيق” (الطبقات للشعراني: 175).
ابن عربي أيضا لاحظ في “تجلياته”، وبطريقة فيها مفارقة وتناقض ظاهران، أن دعواتنا التي تحييها نذورنا يمكن أن تكمل الأعمال التي تركناها والخلود غير التام لأسلافنا ولمعاصرينا على السواء.
الخلاف حول المتصوفة، وقبول أو رفض نظريتهم في العشق الإلهي، أو تجاوزها أو إهالة الركام عليها، لن يخفيها أو يميتها، كما قال بعض علماء الإسلام، فمنذ أكثر من ألف سنة وهي مستمرة، ولها تابعون يسيرون فيها وحولها.. لقد وجدت في قونية، حيث ضريح شمس الدين التبريزي وكذلك ضريح جلال الدين الرومي، الآلاف من الذين يتواجدون هناك كل عام، وفي يقينهم أن هؤلاء من أولياء الله الذين ينضمون تحت راية العشق الإلهي، ويرون أن للعشق الإلهي مراتب، أهمها المرتبة الأولى “مفتاح القبة “.
في نهاية بحثنا هذا أستطيع القول إن كل هذه الحركات الإسلامية لم تنتقص من قيمة أو مكانة الإسلام قيد أنمله، بل ثبت من خلالها أن الدين الإسلامي يقبل الفكر والنقاش والبحث، وهو متجدد تجاوز الزمن ولم يتجاوزه الزمن في أي مرحلة أو في أي عصر، لم يستطع الغلو منع التفكر وحرية الفكر، ولا استطاع المتصوفة تحويله إلى قوة روحية فقط، فجمع بين الدين والدنيا.. دين لا يحجر عليه حكام أو فقهاء، بل منح الجميع حرية الفكر والتفكر، فزاد الإيمان به والتمسك بقرآنه وسنته.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق