المقاومة تفك شيفرة الجيل الرقمي

بواسطة | يناير 31, 2024

بواسطة | يناير 31, 2024

المقاومة تفك شيفرة الجيل الرقمي

تستعرض هذه المقالة دور المقاومة في جذب انتباه الجيل الرقمي ونقل قضيتها بشكل فعّال عبر منصات التواصل.


المقاومة الرقمية – جيل الوعي والتحدي

تعرف هذه المقاومة أن دورها لا يقتصر على قتال المحتل في الميدان فحسب، بل عليها أن تكسب في معركة الوعي بانخراط الجيل معها في كل تفاصيل الكفاح المسلح.

ولأنها تعلم أن هذا الجيل تتخطفه المنصات الرقمية، وتستهويه الأحداث المتسارعة وتحديات جولات تيك توك الوهمية، فقد سعت منذ اليوم الأول لكسبه والظفر به في معركة الوعي، وجذب انتباهه وتوجيه مساره إيجابًا.

أسطورة اليوم الأول

أجيال كثيرة عاشت على أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، فلانت واستكانت، وكادت تنسى ثأر الأجداد وآمال الآباء، حتى جاء السابع من أكتوبر بأحداث تاقت لها النفوس ردحًا من الزمن، وكسرت تلك الصورة النمطية، يومها أهدت المقاومةُ روادَ المنصات كنزًا من المقاطع والصور يتداولونها بفخر، فرجالها هم الذين اقتحموا السلك، وهدموا الجدار، ودخلوا عليهم الباب، وقاتلوا الجنود في معسكراتهم، وأسقطوا الصواريخ بالطائرات المسيّرة على دباباتهم، وعطّلوا شبكة اتصالاتهم، واقتحموا منظومتهم الأمنية، وأسروا ضبّاطهم ونخبتهم العسكرية.. هذا إلى جانب الكثير من الإنجازات البطولية التي كانت كفيلة بأن تجعل بوصلة الملايين من المتابعين موجهة نحو هذه المقاومة وإبداع رجالها في الميدان.

لعنة التريند

راهن  الكثيرون على انكفاء شعلة الاهتمام بالأحداث في غزة مع بزوغ (تريند) جديد، كعادة رواد المنصات الرقمية الذين لا يولون قصة اهتمامًا أكثر من أسبوع، ولكن مع جرعة الأحداث التي ترصد مشاهد الاقتحام بدقة 4K، وبثبات الرجال، وأعداد القتلى والمصابين والأسرى في صفوف الاحتلال خسروا الرهان، فانضم جيل (الببجي) إلى المعركة طوعًا وتداول مقاطع القتال كيما تعبّر عن حاله وحالته، وترك (التيكتوكرز) تحدياتهم التافهة وانخرطوا في حياكة تحديات تشبه ما يصنعه أبو عبيدة ورفاقه في جنود الاحتلال، مما زاد في تداول الأحداث على المنصات بشكل مطرد، ما دعا آخرين لصناعة محتوىً يلبى رغبة الجمهور النّهم للاستهلاك.

ما يطلبه الجمهور

بات جليًا أن المحتوى الأكثر استهلاكًا على المنصات الرقمية هو أخبار المقاومة وإنجازها في الميدان؛ لذا دأبت المقاومة على مد الجمهور بثلاثة أنواع من المحتوى:

– الأول: يركز على إنجازات المقاومة في الميدان على هيئة مقاطع مرئية لا تزيد عن دقيقتين لعمليتين أو ثلاث، تزخر بالسهم الأحمر المقلوب وهو يشير إلى آليات الاحتلال ومصيرها المحتوم، وحركة (زووم) محببة لنفوس تواقة للتحرير، عشقها شباب الجيل.

– الثاني: محتوى موجّه لضرب الجبهة الداخلية للعدو على لسان أسراه الذين عادة ما يظهرون في هيئة حسنة وهندام جديد، يخاطبون حكومة الحرب الهزيلة المقصّرة في حقهم، غير القادرة على استعادتهم، لا بالتخطيط العسكري ولا بالتفاوض السياسي، وعادة ما يكون المقطع باللغة العبرية ومترجمًا إلى العربية والإنجليزية.

– الثالث: خطاب دوري لأبي عبيدة، رمز المعركة الأعلى وسامًا في عقول وقلوب أبناء الجيل، يطل عليهم في مقطع صوتي مسجل أو مرئي يخاطب الجماهير بما أنجزه الرجال في الميدان، بلغة عربية فصيحة وأداء متزن مفعم بالصدق والدعوة لنصرة المقاومة.

وسوم ونجوم

ولأن هذا الجيل متقلب مع الوسوم (الهاشتاق)، دائم البحث عما هو جديد، فلم تبخل المقاومة بمده بمحتوى عفوي ومباشر لرجالها في الميدان، ما جعل مهمة التنقيب عن الدّرر فيه أسهل، فوجد النشطاء أنفسهم يرتعون بشكل دوري بين مختارات دسمة تخاطب القلوب والعقول: هيئة عادية تشبههم وتحاكي حياتهم البسيطة، شباب في مقتبل العمر بملابس رياضية وأقدام حافية وكلمات غزيّة عامية درجت على الألسن على غرار (ولّعت، فقعت، أُشمط، يا رب تقبّل، لعيون أبو حسين، حلّل يا دويري..).

وصار مألوفًا لديهم أن كل مقطع جديد للمقاومة لابد أن يحمل مشهدًا أسطوريًا في شجاعته، وكلمة قوية في موضعها تذهب وسمًا يُتداول، وعددًا معتبرًا من الآليات تتدمر تحت سطوة المثلث الأحمر المقلوب.

وقد ساهم الاحتلال رغم إرادته في صناعة نجوم من رجال المقاومة في الميدان، بنشر المقاطع لقتالهم، كما فعل مع الشهيد الساجد الذي استهدفه في خان يونس بطائرة مسيّرة، ظنًا منه أنه بذلك يذيع انتصارًا على رجال أولي بأس شديد، لكنه لم يدرك كم أسدى للمقاومة معروفًا بصنيعه ذاك، إذ حبّب الجهاد وحسن الخاتمة في قلوب أبناء هذا الجيل – محط النزاع- وهم يشاهدون نهاية المجاهد (تيسير أبو طعيمة) ساجدًا يحتفي به الوطن وكل محبيه، ويحتفظ بصوره على جهازه المحمول كيما يشاركها مع أصدقائه وعبر شبكاته.

المقاتل الأنيق

مثلما اندهش المتابعون بالملابس المنزلية للمقاتلين وكأنهم في نزهة، استغربوا أناقة المقاتل المتشح بالسواد في ملابسه النظيفة وحذائه الأبيض الرياضي، وكأنما سُمح له توًا بالدخول للمعركة، فقد انطلق وثابًا لميدان القتال حاملاً قذيفة الياسين، ووقف أمام الدبابة برباطة جأش ودمرها في ثوانٍ معدودة، تاركًا الجميع لساعات يحللون ويفسرون ظهوره الأسطوري، الذي يشبه ما دأبوا على مشاهدته في السينما من الأبطال الخارقين، فأصبحت ملابسه موضة الشباب في الشتاء.

أخيرًا.. تم فك الشيفرة

على مدار 4 أشهر من عمر الحرب، تعرّض المتابعون للكثير من الأحداث والشخصيات والعبارات التي ستبقى في التاريخ كنزًا لأجيال قادمة، تؤرخ لمرحلة مهمة في تاريخ النضال وبداية معركة التحرير، ما بين المسافة صفر، والشهيد الساجد، وعبوة الشواظ، وقذيفة الياسين، والمجاهد الطائر (ولعت)، والمقاتل الأنيق.. وغيرها.

هذا ولم تكتف المقاومة بالسير على النمط ذاته، بل عودتنا ألا نتعود على أسلوب واحد لإبداعها، ورسمت خارطة الطريق ببث روح الأمل في المراقبين على اعتبار أنها النور الأخير في نفق الهزائم، وهو ما أكسبها نقطة تفوق أمام منافسيها في جذب انتباه الجيل وتعلقه بها.. عمدت المقاومة على فك شيفرة هذا الجيل وعرفت كيف تخاطبه بأدواته، وحسبها أنها كسبت في معركة الوعي، وأصبح الجيل الرقمي يخطب ودّها، ويفاخر بنصرتها.

3 التعليقات

  1. El Ouahabi Jalale

    مقال جميل سلس وتحليل خارج الصندوق استمر.
    قنص الحدث وتقديمه للمشاهد بقرأة ملتزمة ومتعددة الابعاد يساهم بالوعي مما سيجعل الامر العام يصبح خاص بكل فرد وليس مقتصرا على خاصة الخاصة

    الرد
  2. خالد سيد

    السلام عليكم يا ا/ خالد
    يا ريت حضرتك تتكلم عن الهزيمة النفسية و القدوة و تمايز الحق و الباطل فى غقلية أهل غزة و اثر القدوات و الحافز الذى تحملونه و التضحية و الابداع

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...