المنافقون العرب.. عبيد شرفاء!

بواسطة | مارس 26, 2024

بواسطة | مارس 26, 2024

المنافقون العرب.. عبيد شرفاء!

في الفيلم الجميل “أرض النفاق”، المأخوذ عن الرواية التي تحمل الاسم نفسه للأديب الكبير يوسف السباعي، اعتاد مسعود أبو السعد “فؤاد المهندس”، أن يبتلع يومياً كبسولة “النفاق” التي فتحت أمامه – ومعه زوجته وصديقتها “سوسو”- كل الأبواب المغلقة، مُستغلاً مفعول الكبسولة في مديح أصحاب القرار وعُلِّيَّة القوم والمبالغة في نعتهم بأجمل الصفات، مع استخدام أحط الوسائل وأقذرها في سبيل الصعود والترقي، حتى لو وصل الأمر إلى استخدام زوجته و”سوسو” في الوصول إلى المسؤولين.

ورغم هذه العلاقات المُشينة فإن العبارة التي كانت حاضرة دائما على لسان “سوسو”، التي جسدت شخصيتها باقتدار الفنانة سميحة أيوب: “أنا واحدة عايشة بشرفي”!

وحينما تناول “مسعود” بطريق الخطأ كبسولة “صراحة” بدلاً من كبسولة “النفاق”، كانت قمة الملهاة أن وقف خطيباً في حفلة ساهرة ضمت كل معارفه من الأفّاقين والفاسدين، وقد زال من داخله كل مفعول النفاق، ولم ينطق لسانه سوى الحق والصراحة، فقال ساخراً من عبارة “سوسو” أنها  تعيش بشرفها: “أيها الناس.. اسمعوا وَعُوا.. قال إيه أنا شريف!. وقال إيه سوسو شريفة!. وقال إيه مراتي كمان  شريفة!. وقال إيه كلنا شُرفا!”، إلى آخر خطبته العصماء للحضور: “تعرفوا إيه عن الشرف يا حثالة؟!”.

نموذج “مسعود أبو السعد” يملأ حاليا كثيراً من الدول العربية، آلاف الشخصيات السياسية والإعلامية ترقت وصعدت بسرعة الصاروخ بالطريقة نفسها، يتحدثون كثيراً عن الشرف والنزاهة والطريق المستقيم، بينما هم ينتهجون كل السبل غير الشرعية غالباً، حتى لو اقتضت الضرورة استخدام أمثال “سوسو” في الوصول لمبتغاهم.. إنهم رجال كل الأنظمة من رأسمالية إلى اشتراكية، الواحد من هؤلاء تعرفه من “قفاه”، فهو يقف مُترقباً ليركب الموجة، ويبحث عن الفريق المنتصر ليحشر نفسه فيه، ويتحدث بلسانه، ويعلن تأييده لأي شيء وكل شيء، ويظل في حالة استنفار دائم لإظهار الولاء لمن يدفع أكثر.

يصف علماء النفس نفسية المنافق بأنها أسوأ أنواع النفسيات، إذ يعيش في وضع نفسي ضحل ولا يصل أبداً إلى عمق إنساني روحاني، فالذات الإنسانية – بحسب العلماء- تحتاج إلى الشعور بالتقدير والزهو النفسي لأنها قامت بعمل خيّر أو شهم، متعتها الحقيقية في النسق الإنساني الذي يحكمها.. في حين أن الشخصية المنافقة لا تشعر بمتعة وجودها كذات، تعيش في عذاب نفسي بسبب نفاقها، ولا تشبع أبداً لأن الشبع النفسي يأتي من متعة الفضيلة.

يوضح العلماء أن هناك درجة أشد من النفاق، تلك التي وصفها بعضهم  بأنها “من التفاهة والسطحية بحيث يغيب عنها نفاقها ولا يدرك صاحبها أنه منافق”.

المنافقون العرب هم بالضرورة “عبيد” لأي مسؤول.. إنهم فعلاً عبيد قولاً وفعلاً، حتى مدّعو الثقافة منهم ما هم إلا عبيد تفكيرهم الصلب الجامد الذي لا يتغير، فضيلة مراجعة النفس لا يعرفونها، نعمة الاعتراف بالخطأ لا توجد في دولاب تنظيراتهم التافهة ونظرتهم السطحية.

الديكتاتوريون العرب محظوظون بحكم “منافقيهم- عبيدهم”؛ فالمنافقون العبيد صوتهم عالٍ، إنهم خليط مدهش، لكن تجمعهم صفة واحدة.. بلطجية في الشوارع، “شبِّيحة” على الشاشات، الإعلام ملكهم، المواطن مُحاصر بما يعبئونه في دماغه.

المنافقون العبيد أنواع.. المغيبّون منهم هم الأخطر، أعطوا عقولهم راحة أبدية وقلوبهم إجازة مفتوحة، رجال الأعمال والمسؤولون كباراً وصغاراً فضلاً عن الإعلاميين الذين يشاركونهم أكبر عملية تدليس تشهدها الأمة يعرفون كل شيء، وواثقون أنهم ضلالية وأبالسة في صف الشياطين والضلال والطغيان.

الكبار من صنف العبيد صُرحاء مع أنفسهم، يحافظون على مصالحهم، يحاربون في خندق واحد مع سارقي الأوطان، الواحد فيهم فاسد من أخمص قدميه حتى رأسه.. إنهم لا يعرفون العمل مع الشرفاء، أي حاكم وطني ليس من طينتهم، غريب عن أجسادهم التي لحم أكتافها من الحرام والفساد وقلة القيمة والخضوع؛ لكل هذا وكثير غيره هم يتكتلون في صف المسؤول الفاسد الذي يعتبرونه منهم وزيت هذا في دقيقِ ذاك.

أما المنافقون العبيد السذج، فهم الغلابة الذين يرددون في بلاهة كلام العبيد الكبار الأشرار من النخبة الفاسدة، يسبّحون بحمد أي كائن بائس ساقته الأقدار ليحكم ويتحكم في مصائر البشر. لو نسي أي عبد من هؤلاء وتناول – مثل أستاذه وملهمه مسعود أبو السعد- كبسولة “صراحة” بدلاً من كبسولة “النفاق”، فالمؤكد أننا سنراه يخرج إلى الشارع ويهتف: “أيها الناس.. اسمعوا وَعُوا.. قال إيه أنا شريف!.. وقال إيه سوسو شريفة!”.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...