بانتظار طوفان نوح
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 12 أكتوبر, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 12 أكتوبر, 2023
بانتظار طوفان نوح
لا أظن مسلما مؤمنا لم يبتهج لانتصارات كتائب القسام فجر السبت الفائت.. فإن أضعف الإيمان في مثل هذه المواقف، وفي زمن عربي مسلم متهالك ومتخاذل، هو أن يفرح المسلم لأي إنجاز يكسر شوكة وكبرياء وغطرسة ملة الكفر، التي توحدت وتوحشت؛ وهذا ما تم قبل أيام ولله الحمد.
طوفان الأقصى، اسم سيخلده التاريخ العربي المسلم، وسيكون اسما بارزا خالدا لواحدة من معارك المسلمين ضد غطرسة بني صهيون، الذين ما تعملقوا وتوحشت قلوبهم إلا بما كسبت أيدينا، أو بما اقترفناه في حقوق البلاد والعباد من مظالم بعضنا مع بعض، إضافة إلى بُعدٍ أو ابتعاد متدرّج، بدأ بطيئا ثم تسارع مؤخرا، عن منهج الله والصراط المستقيم؛ وبالتالي صارت وحشية بني صهيون والهندوس وبعض عباد الوثن والحجر، كأنما هي عقوبة إلهية أولية لأمة المسلمين على ما فرطت في دينها ومنهجها الإيماني.
لقد تابع الجميع وشاهد كيف صار النفاق واضحا في أمة المسلمين، وإلى أي مدى من الهوان والذلة وصلت؛ وبعد أن كانت أحداث فلسطين تحرك الشارع المسلم من جاكرتا حتى طنجة، انحسرت الحركة تدريجيا فصارت من صنعاء إلى طنجة، واستمر سير الأمور على هذا المنوال طوال خمسة عقود، حتى تدهور الوضع العربي المسلم، فصارت أحداث الأقصى لا تحرك سوى جموع قليلة متناثرة هنا وهناك، وهذا ما لاحظناه في أحداث طوفان الأقصى المستمرة حتى يوم الناس هذا؛ بينما العكس نراه فيما يحدث مع دولة الاحتلال الصهيوني، وما تحقق لها من الدعم غير المنقطع من الغرب وبعض الشرق، سواء أكان ذلك من دول أم من مؤسسات وأفراد !
الهدف ليس فلسطين
لن نخوض في تفاصيل الأحداث، فهي ما زالت جارية ويتابعها العالم ليلاً ونهاراً، ولا يتوقف سيل الأفلام والصور والأخبار والتحليلات حولها، لكن الذي لا يمكن تجاوزه هو ذاك النفاق الغربي، السياسي منه والإعلامي، وهو كثيراً ما كان يتستر بأغطية وواجهات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطيات في الترويج لنفسه كراعٍ للتقدم والتحضر، والحقيقة أنه أساس البلاء المستمر على أهلنا في فلسطين عامة، وغزة بشكل خاص.. وذلكم جانب أول في الأحداث.
أما الجانب الثاني، فهو أنه تأكد للقاصي والداني، كم تخسر أمة العرب -تحديداً- بارتمائها في أحضان الغرب والشرق، والاستمرار في ظلم نفسها بابتعادها عن دينها ومنهج حياتها؛ فلا الارتماء في أحضان المعسكرات الغربية أفادها، ولا التطبيع مع عدو يعترف بعداوته لها سيفيدها. كما أن إظهار التحضر للآخرين، عبر الانسلاخ من الدين وقيمه وحضارته، لن يدفع أولئك لقبول العربي في أنديتهم ومعسكراتهم.
أثبتت أحداث طوفان الأقصى أن الهدف ليس الفلسطينيين فحسب، بل المسلمين أو أمة الإسلام ككيان، الإسلام الذي لطالما شكّل عامل إزعاج للغرب، منذ ظهوره قبل ألف وخمسمئة عام، ومع صموده رغم كل مؤامرات ومكائد الغرب والشرق على حد سواء، ورغم كل حروب الإبادة وحملات التهجير والشيطنة..
مخلب قط متوحش
الصهيونية تثبت للعالم كل حين أنها تركيبة متوحشة، أو مخلب قط متوحش يستخدمه الغرب في إدارة مصالحه في المنطقة، وتحديدا من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية، من بعد أن أنشأتها ورعتها وحافظت عليها حيناً من الدهر بريطانيا، زعيمة الاستعمار في عهد مضى، وأساس كثير من الأزمات في عالم اليوم.
معارك طوفان الأقصى أنعشت الروح الإسلامية، ورفعت بعض الهمة، وأكدت أن هذه الأمة رغم كل الدسائس، قادرة على أن تصمد وتستمر وتقاوم ولو بالقليل القليل. ولقد شاهد العالم بذهول كيفية انهيار الصورة الذهنية للجيش الصهيوني في ساعات قليلة أمام ثلة قليلة مؤمنة، وبأسلحة خفيفة لا يمكن مقارنتها بما لدى العدو؛ لكن الفارق الإيجابي المؤثر كان امتلاك رجال القسام الإيمان، وهو السلاح الأقوى، لكنه السلاح الغائب المغيّب في مواجهات أمة الإسلام مع الأعداء على اختلاف أشكالهم وصورهم.
طوفان الأقصى لحظة تاريخية تحتاج إلى حُسن استثمار، قبل أن تعبث في فكرتها ومضامينها الذئاب المنتشرة هنا وهناك، بمعية بعض صهاينة العرب، الذين ساءتهم فرحة أنعشتها معارك السبت الفائت في نفوس المسلمين حول العالم؛ إذ لم تقف رسائل التشكيك في أهداف عمليات القسام، وازدادت رسائل التثبيط والإرجاف من أجل التأثير بالنفوس المسلمة، وصدها عن فكرة جهاد الصهاينة، وتأجيج حالة من الكراهية عندها تجاه رجال القسام، عبر اتهامات زائفة مزيفة، ونشر أخبار مضللة كاذبة، للنيل من مصداقية حماس ورجالها.
إننا اليوم أمام مشاهد، نتخيل معها كما لو أننا في أيام معركة الخندق الخالدة، يوم أن تجمَّع الآلاف من المشركين ويهود الجزيرة لضرب الإسلام والمسلمين، بمعية جيش من المنافقين المرجفين.. اليوم تتكرر كل تلك المشاهد، حيث التكاتف الصليبي الصهيوني الهندوسي، ومع هؤلاء غيرهم من مشركي العالم.
الدور الشعبي المطلوب
دورنا كشعوب في هذه اللحظات التاريخية الحرجة، دعم المقاومة بكل ما أوتينا من قدرات ومهارات وقوة؛ فمن كانت عنده ملكة الخطابة فليخطب في الناس، ليشرح لهم الوضع بفهم دقيق لما يجري؛ ومن ملك مهارات الكتابة والتغريد يمكنه أن يوظّف مهاراته بالمثل، والأمر يشمل كل صاحب مهارة في صناعة محتوى إعلامي هادف حول القضية وبكل اللغات الممكنة؛ كذلك فإن الجانب التقني له أهميته، من خلال تفعيل الحروب الإلكترونية ضد مؤسسات العدو ومسانديه. ويُضاف إلى ما سبق الخروج في مسيرات سلمية في كل بقعة ممكنة في العالم، مع التركيز على أهمية الدعم المالي بصوره المتنوعة.
إن تجمع الأحزاب هذا يجعلنا نستذكر ما قاله الصحابة الكرام يوم الخندق، ونقله لنا القرآن الكريم : {ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً} [سورة الأحزاب: 22] نعم، إن هذا التجمع الصليبي الصهيوني المشترك هو ربما بشارة لفرج قريب بإذن الله، لكن بشرط الثبات، كي يردَّ الله {الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً} مما يحدث، مع أمل في الله كبير، أن يلحق بطوفان الأقصى، ما هو أشد منه على ملة الكفر.. شيء كطوفان نوح -عليه السلام- يمسح الأرض ويزيل عنها أهل الشر والفتن.
نعم.. إن أهل غزة في ابتلاء شديد، وهم دون شك قد {زُلزلوا زلزالاً شديداً} كما الصحابة يوم الأحزاب؛ لكن الأشد من الزلزال الصهيوني العسكري المتوحش، هو فتن المنافقين والمرجفين من حولهم، وهم كُثُر، بل يتكاثرون كل ساعة، خاصة في أوقات الشدة، سواء في غزة ذاتها، أو خارجها في فلسطين وما جاورها من جغرافيات.
خلاصة ما يمكن قوله في هذا السياق، إننا نحسب غالبية أهل غزة من الذين يشملهم وصف الله تعالى {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، وقد خرجوا لإحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة، فلا أقل إذن -وهذا حال مجاهدي غزة- من أن نتكاتف معهم بالدعاء، ودحض إرجافات وتثبيطات المنافقين، وبيان الحقائق للعالم وكشفها، سياسياً وإعلامياً؛ فالتحدي الراهن متشعب، والمعركة الحالية ليست عسكرية فحسب، بل توسعت لتكون سياسية وإعلامية وشعبية، وبشكل غير مسبوق.. فلنكن إذن على قدر التحدي، والله كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق