كمّاشة من عجين

بقلم: محمود عبد الهادي

| 17 يناير, 2024

بقلم: محمود عبد الهادي

| 17 يناير, 2024

كمّاشة من عجين

تسلط المقالة الضوء على انتظار العالم لحكم محكمة العدل الدولية في قضية اتهام الكيان الصهيوني بجريمة الإبادة الجماعية. يستعرض التحالف الصهيو-أميركي تحديات التحقيق والعدالة، وكيف يبقى النضال ضروريًا لمواجهة الظلم الدولي.

ترقُّبات المحكمة الدولية للكفاح ضد الإبادة الجماعية في قطاع غزة

تتجه أنظار الشعب الفلسطيني وشعوب العالمين العربي والإسلامي وشعوب العالم الحر هذه الأيام إلى محكمة العدل الدولية، وكلها اهتمام وترقّب وتحفّز وتلهّف في انتظار الحكم، الذي ستنتهي إليه المحكمة في القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد دولة الكيان الصهيوني، والمتضمنة اتهامها بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ وذلك لتوهّم هذه الشعوب بأن المحكمة ستنصفهم وتحقق لهم ما عجزت عن تحقيقه المنظمات العربية والإسلامية والهيئات الدولية.

قد تدين المحكمة الكيان الصهيوني بارتكابه جريمة الإبادة الجماعية -وهو مجرد احتمال-، ولكن هذه الإدانة لن يكون لها أي تأثير يُلزم الكيان الصهيوني بالوقف الفوري لإطلاق النار والكف عن مواصلة ارتكابه هذه الجريمة، ولن يختلف تأثير هذا الحكم كثيراً عن تأثير القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن، فالولايات المتحدة، الشريك الرئيس للكيان الصهيوني في هذه الجريمة، تقف للمحكمة بالمرصاد.

لم يكترث التحالف الصهيو-أميركي كثيراً للتشويه والتمزيق الحاد، الذي لحق بصورته في العالم بسبب تفاصيل حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها في قطاع غزة، لأنه يسيطر على منصات التوجيه السياسي والقانوني والفكري والإعلامي، ويعرف أن الذاكرة الشعبية مثقوبة، وأن هموم الإنسان أينما كان أكبر بكثير من أن تقف عند حدود ما يجري في قطاع غزة..

العدالة المسيّسة

لم يكترث التحالف الصهيو-أميركي كثيراً للتشويه والتمزيق الحاد، الذي لحق بصورته في العالم على مدى المئة يوم الماضية بسبب تفاصيل حرب الإبادة التي كانت تُنقل للعالم على الهواء مباشرة من قطاع غزة، لأن هذا التحالف يتزعم العالم، ويسيطر على منصات التوجيه السياسي والقانوني والفكري والإعلامي، ويعرف أن الذاكرة الشعبية مثقوبة، وأن الهموم والاحتياجات والآلام التي تثقل الإنسان أينما كان؛ أكبر بكثير من أن تقف عند حدود ما يجري في قطاع غزة.

ومع ذلك فقد جسّدت هذه الحرب حقيقة الإبادة الجماعية بشكل كامل وواضح، وعلى مدار الساعة، وفي وقت واحد للعالم أجمع، وجاء ذلك للمرة الأولى في التاريخ بالصوت والصورة والمعلومة، وبالشهادات الفورية من أصحابها، المفجوعين والمذعورين والمصابين والمنكوبين والنازحين والمدفونين أحياء تحت الدمار، بصورة لم تُتح لأي عملية إبادة جماعية حدثت من قبل، وغير قابلة للنقض والتشكيك العلميين، نظراً لوفرة أدلتها وتواترها. وجاءت مبادرة دولة جنوب أفريقيا برفع قضية لدى محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني بارتكابه جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ لتكشف الوجه الحقيقي الذي ضلل به العالم تحت دعاوى الاضطهاد والمظلومية، وليجد نفسه فجأة بين فكي كمّاشة، ولكنها للأسف تظل كمّاشة من عجين.

ارتكب التحالف الإجرامي الصهيو-أميركي أربعة أنواع من الأفعال الخمسة، الواردة في القانون الدولي للإبادة الجماعية، والتي يعتبر ارتكاب واحد منها فقط ارتكاباً لجريمة الإبادة الجماعية، وهي:

  1. قتل أعضاء من الجماعة (أي المدنيين في قطاع غزة).
  2. وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم.
  3. وإخضاعهم عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كلياً أو جزئياً.
  4. وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
  5. ونقل أطفال من الجماعة، عنوة إلى جماعة أخرى.
  6. أما الفعل الخامس -وإن كان لم يحدث بعد- فهو نتيجة طبيعية لنجاح التحالف الإجرامي في التهجير القسري لسكان قطاع غزة، وقد طالب به كثير من أعضاء حكومة الكيان الصهيوني وبرلمانه.

ورغم ذلك؛ فقد انبرت أطراف عديدة للدفاع عن الكيان الصهيوني، لأنها لا تنفصل عنه في علاقاتها العضوية وعقليتها الاستعمارية وممارساتها العدوانية العنصرية، وتاريخها حافل بجرائم الإبادة الجماعية في العديد من مناطق العالم، الأمر الذي جعل العدالة مجرد مطيّة سياسية تتحكم فيها مصالح الأقوياء، الذين يتحكمون بدورهم في النظام العالمي الذي يأوي إليه الضعفاء. فالأقوياء لا يحدّهم نظام ولا يوقفهم قانون، فهم فوق النظام ويملكون تفسير القانون كما تقتضي مصالحهم، ولا يجد الضعفاء أمامهم سوى التردد على أبواب المحاكم والمنتديات ومنافذ الشكوى، ليعبروا فيها عن عدالة قضاياهم وقانونية مطالبهم.

كان من المفترض أن يتم توجيه تهمة الإبادة الجماعية للولايات المتحدة في الوقت نفسه مع الكيان الصهيوني، انطلاقاً من أن المادة الثالثة من قانون الإبادة الجماعية تنص على أنه يعاقب بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية كل من قام بأحد من الأفعال التالية:

  1. الإبادة الجماعية.
  2. التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
  3. التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
  4. محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
  5. الاشتراك في الإبادة الجماعية.

وقد قامت الولايات المتحدة بجميع هذه الأفعال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فهي الشريك الكامل للكيان الصهيوني في ارتكاب هذه الجريمة، فهل نتوقع أن تتقدم بعض الأطراف برفع قضية لمحكمة العدل الدولية ضدها، بتهمة الاشتراك مع الكيان الصهيوني في جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة؟

الإجابة بكل تأكيد.. لا.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...