هل تغلغلت الأقلام الصهيونية في تاريخنا الإسلامي؟

بواسطة | ديسمبر 3, 2023

بواسطة | ديسمبر 3, 2023

هل تغلغلت الأقلام الصهيونية في تاريخنا الإسلامي؟

تناقش هذه المقالة تأثير التفسيرات التاريخية على الفهم الحالي للأحداث، مع التركيز على احتمال تغلغل الفكر الصهيوني في تفسيرات الحوادث التاريخية العربية والإسلامية.

تأثير التفسيرات التاريخية

لم تكن وظيفة التاريخ إغراق البشر بالحكايا والحوادث التي حصلت في الماضي، إنما الأمر تعدى رواية الخبر إلى تفسيره وتحليله واستخلاص العبرة منه؛ ومن مقتضيات الأخذ بالعبرة أن ننظر مرة أخرى في التاريخ الذي كُتبت تفاسير وتحليلات حوادثه، وننظر.. أتمَّ تفسير التاريخ وتحليله كما يجب، أم إن هناك خللا تغلغل إلى تفسير التاريخ، فأحدث لنا مفاهيم مغلوطة ودخيلة؟
لذلك أرى أنه من الواجب على المؤرخين اليوم ألّا يكتفوا بما سطَّره الأوائل -بل وحتى المعاصرون- في (كتابة تفسير وتحليل الحوادث التاريخية)، بل يجب أن تكون هناك مراجعة دورية لتلك التفاسير، ونظرٌ إليها بتفكر عميق، وجعل ذلك من أسمى مهام المؤرخ الصادق.. وهنا نطرح سؤالا مهما: هل تغلغل الفكر الصهيوني في تاريخنا العربي والإسلامي لسوء في منهجية كتابة وتفسير الحوادث التاريخية المقصودة وغير المقصودة؟

وبداية، أعني بتغلغل الفكر الصهيوني في التاريخ العربي، كلَّ تفسير للحوادث التاريخية العربية والإسلامية، يخدم توجهات الحركة الصهيونية، التي تنص على التشكيك في موقف القرآن والسنة من اليهود خاصة وأهل الكتاب والأمم عموما، وأيضاً البحث في مدى أحقية اليهود في الموروث الجغرافي للقدس والأرض المقدسة عموما، والأدلة التي تبحث في ميراث هيكل سليمان المفقود والتراجم اليهودية، والسعي الحثيث للنيل من فكرة الفتوحات العسكرية الإسلامية والطعن بها، ومحاولة التشكيك بالوعود الإلهية والنبوية التي تنص على حتمية الصراع العربي الإسلامي- اليهودي، والبحث في عقلانية علامات الساعة الصغرى والكبرى وأخبار الملحمة في نهاية الزمان .
 فنقول هنا إن هناك إفرازات صهيونية تغلغلت في أذهان كتاب عرب وإسلاميين بقصد أو بدون قصد، ومنها مثلاً الفكرة التي روجها بعض المنتسبين للفكر المعاصر في إحدى أطروحاته أن المسجد الأقصى الذي جاء ذكره في القرآن الكريم  ليس الموجود في فلسطين وفي القدس الآن، إنما هو مسجد طارف يقع في الطائف وقد سُمي بالأقصى لأنه يقع في أقصى جهة من القرية المباركة (مكة المكرمة)، وذلك في محاولة بائسة لتجهيل كل الحقائق التي نصت عليها الكتب المقدسة، وعلى رأسها القرآن الكريم، التي تتضمن التعريف بموقع ومكان المسجد الأقصى الذي بارك الرب حوله .

ومن تلك الكتابات الخادمة للأطروحة الصهيونية، كتابات تنص على الغلو في نظرية البطولة التاريخية والمهدوية الإنقاذية، والتي تنص على أنه لا يكون النصر إلا بالانتظار، أي انتظار البطل المحرر القوي المغوار الذي سيخلص الناس من الشر. فيقومون مثلا بتضخيم شخصيات مثل القائد صلاح الدين (وهو بلا شك من القادة المهمين في تاريخنا العربي)، وجعله شخصية مهدوية أسطورية لولاها لكان القدس في أيدي الصليبيين، ولا تهتم تلك الأقلام بما فعلته الشعوب والنخب العلمية والسياسية والثقافية في الفترة الأيوبية ذاتها، وما سبقها من إرهاصات النصر والظفر، وهي التي صنعت صلاح الدين نفسه؛ إذ كان نتاجاً لتلك الجهود الضخمة التي بُذلت، وهذا يجعل لكل فرد منّا الآن أهميته ودوره الحيوي، ويجعل الشعوب العربية الآن لا خاملة تنتظر مخلصها، بل شعوبا صانعة للأمجاد والبطولات .

وفي إطار الكتابات التي خدمت المنهجية الصهيونية، تأتي أيضاً الكتابات التاريخية التي عززت مفاهيم باطلة كالقوميات والعرقيات على حساب الأمة الواحدة ذات القبلة الواحدة والقيادة الدينية المحورية الواحدة.
لذلك علينا أن نراجع بعض الأقلام التي قدمت نفسها مفسرة لتاريخنا العربي والإسلامي، حتى لا نقع ضحية للمشروعات الصهيونية وتغلغلها في أذهان الشباب العربي من غير أن نشعر بذلك .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...