تهديدات نتنياهو لحماس.. سيناريوهات التصعيد وحدوده

بواسطة | سبتمبر 5, 2023

بواسطة | سبتمبر 5, 2023

تهديدات نتنياهو لحماس.. سيناريوهات التصعيد وحدوده

وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي تهديدات غير مسبوقة لقيادات حركة “حماس”، بعد أن حمَّلها المسؤولية عن توجيه عمليات المقاومة التي تشهدها الضفة الغربية.
وفي إطار تهديده لقادة الحركة، أشار نتنياهو بشكل خاص إلى نائب رئيس حركة “حماس”، صالح العاروري، من منطلق أن الاستخبارات الإسرائيلية تتهمه بالمسؤولية عن إدارة وتوجيه العمل المقاوم الذي تنفذه حماس في الضفة الغربية. ولئن كان نتنياهو قد أشار إلى العاروري باسمه، فإن الاتهامات الإسرائيلية تطال أيضا مستويات قيادية لحركة حماس في قطاع غزة لم تُسمِّها، كطرف يلعب دورا مهما في توجيه عمليات المقاومة في الضفة والتحريض عليها.
لم يكتفِ نتنياهو بإطلاق التهديدات ضد حماس، بل عقد اجتماعا للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن بهدف اتخاذ قرارات للرد على عمليات المقاومة في الضفة الغربية، فضلا عن دعوته لالتئام منتدى المشاورات الأمنية الذي تشارك فيه قيادات الجيش والمخابرات. ومما يشي بأن نتنياهو قد أصدر بالفعل جملة من القرارات العملياتية للرد على موجة عمليات المقاومة، حقيقة أن الاجتماع التشاوري الأخير الذي قاده في مقر وزارة الحرب في تل أبيب، شاركت فيه المستشارة القضائية للحكومة غالي ميارا، ما يعني أنه قد صدرت في الاجتماع قرارات عملياتية تتطلب مصادقة ميارا القانونية عليها.
وقبل الخوض في سيناريوهات العمل العسكري التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل للرد على موجة عمليات المقاومة في الضفة الغربية، تجب الإشارة إلى أن ما يحفز نتنياهو للرد على هذه الموجة، حقيقة أن عدد القتلى من مستوطني وجنود الاحتلال، الذين سقطوا في عمليات المقاومة منذ بداية العام الجاري، هو الأعلى منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في 2004. وفضلا عن ذلك، فإن نتنياهو يتعرض لضغوط كبيرة من قبل الأحزاب التي تمثل التيار الديني الخلاصي المشاركة في حكومته، سيما حركتي “القوة اليهودية” التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير و”الصهيونية الدينية”، التي يقودها وزير المالية بتسلال سموتريتش، للرد بقوة على عمليات المقاومة؛ فهاتان الحركتان وجميع الأحزاب المشاركة في حكومة نتنياهو باتت في حالة حرج شديد، حيث إن هذه الحكومة تقدم ذاتها على أنها “الحكومة الأكثر يمينية” في تاريخ إسرائيل، وبالتالي فإن الجمهور الإسرائيلي يتوقع منها أن تكون الأكثر استعدادا للعمل من أجل وقف عمليات المقاومة. ومما زاد الأمور تعقيدا مسارعة قيادتي حركة “حماس” في قطاع غزة والخارج إلى تبني بعض عمليات المقاومة التي نُفذت في الضفة الغربية؛ وهو ما عدته المحافل العسكرية في تل أبيب “مؤشرا على تهاوي قوة الردع الإسرائيلية”.
في الوقت ذاته، فإن نتنياهو قد يكون معنيا بخوض غمار تصعيد عسكري، يسهم في التأثير على الأجندة الداخلية، ويعيد ترتيب سلّم الأولويات في الجدل الشعبي إزاء الحكومة وخياراتها، لا سيما وأنه يواجه حركة احتجاجات داخلية غير مسبوقة، أفضت إلى تراجع شعبيته وتهاوي التأييد الجماهيري لحكومته، بسبب طرح حكومته خطة “التعديلات القضائية”.
وإن كان ما تقدم يعد مسوغات للتصعيد الإسرائيلي ضد حركة حماس، فما الخيارات العملياتية التي يمكن أن تلجأ إليها حكومة نتنياهو للرد على عمليات المقاومة؟. في الحقيقة، هناك أربعة سيناريوهات عملياتية للرد الإسرائيلي على عمليات المقاومة في الضفة.
في حكم المؤكد أولاً أن حكومة نتنياهو قد قررت تكثيف العمل العسكري في الضفة الغربية ذاتها ضد جيوب المقاومة، وتحديدا ضد البنى التنظيمية لحركة حماس، كإحدى آليات الرد على عمليات المقاومة؛ لكن فاعلية تطبيق هذا القرار ستكون محدودة إلى حد كبير، حيث إن إسرائيل لم تتوقف منذ العام 2004 عن تطبيق إستراتيجية “جز العشب” الهادفة إلى اجتثاث بنى المقاومة الفلسطينية في الضفة في مهدها، عبر شن المداهمات والاعتقالات في مدن وبلدات مخيمات اللاجئين في عموم الضفة، فضلا عن تنفيذ عمليات الاغتيال، وكما قالت كرميلا منشه، معلقة الشؤون العسكرية في قناة “كان” الرسمية الإسرائيلية، فإنه لم يعد هناك نشاط عسكري عملياتي لم تلجأ إليه إسرائيل في محاولاتها  احتواء موجة عمليات المقاومة.
ونظرا لأن نتنياهو وجيش الاحتلال يتهمان قيادتي حماس في الخارج وفي قطاع غزة بالمسؤولية عن توجيه عمليات المقاومة في الضفة، فإنه يمكن الافتراض أن إسرائيل قد اتخذت قرارا باستهداف هذه القيادات، سيما وأن نتنياهو قد هدد بالمس بمن أسماهم “الذين يرسلون منفذي العمليات”، حيث إن إشارته إلى العاروري بشكل خاص لم تكن على سبيل الصدفة.. لكن هذا السيناريو ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث إن قيادة حماس في الخارج، التي تتهمها إسرائيل بلعب دور في توجيه عمليات المقاومة في الضفة، متواجدة في لبنان، وبالتالي فإن استهداف هذه القيادة يمكن أن يفضي إلى تفجر مواجهة متعددة الساحات؛ فقد حذر أمين عام حزب الله حسن نصر الله إسرائيل من أن استهداف قيادات فلسطينية على الأرض اللبنانية سيواجه برد كبير. ومن نافلة القول أن آخر ما تبحث عنه إسرائيل حاليا اندلاع مواجهة يشارك فيها حزب الله؛ على اعتبار أن طابع الترسانة الصاروخية للحزب يمكن أن تفضي إلى إلحاق أضرار غير مسبوقة بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
كما يمكن أن تستهدف إسرائيل البنى التنظيمية لحركة حماس في قطاع غزة، وتحديدا القيادات العسكرية التي تدعي أنها مسؤولة عن توجيه العمليات في الضفة الغربية، ويمكن أن يفضي تبني هذا السيناريو أيضا إلى اندلاع مواجهة شاملة بين المقاومة في غزة وإسرائيل، قد تستحيل إلى مواجهة متعددة الساحات.
لكن بالمقابل، مما يقلص من دافعية نتنياهو لخوض مسار يمكن أن يفضي إلى اندلاع مواجهة مع المقاومة في غزة أو مع حزب الله أو كليهما معا، حقيقة أن قيادات جيش الاحتلال تقر حاليا بتراجع كفاءته القتالية وجهوزيته لخوض الحروب، بفعل رفض كثير من ضباط وجنود قوات الاحتلال أداء الخدمة العسكرية احتجاجا على التعديلات القضائية؛ لكن استبعاد أن يلجأ نتنياهو إلى تصعيد شامل مع المقاومة في قطاع غزة يستند إلى افتراض أن الاعتبارات العقلانية هي التي تحكم قرارات وتوجهات رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن تجربة نتنياهو كرئيس لهذه الحكومة تدلل على أن الاعتبارات العقلانية لم تكن حاضرة دائما عند اتخاذه بعض القرارات المهمة، فقد تتغلب الحسابات الداخلية لدى نتنياهو على حساباته العقلانية، فيخاطر بمواجهة مع المقاومة في قطاع غزة رغم المحاذير التي تمت الإشارة إليها لاسترضاء شركائه من اليمين الديني المتطرف، وانسياقا مع حلمه في أن تسفر عن نتائج تعزز مكانته الداخلية، أو على الأقل تمكّنه من إعادة ترتيب أولويات الجدل الجماهيري، بحيث يتقلص التركيز على خطة “التعديلات القضائية”.
ومن نافلة القول، أن نتنياهو يمكن أن يلجأ إلى تنفيذ الاغتيالات الصامتة ضد قيادات في حركة حماس، بحيث يتم تنفيذها دون أن تترك إسرائيل أثرا يدل بشكل جازم على مسؤوليتها عنها، تماما كما فعلت عندما اغتال الموساد القيادي في حركة حماس محمود المبحوح سنة 2010 أثناء تواجده في دبي، وكذلك اغتياله المهندس التونسي محمد الزواري في مدينة صفاقس سنة 2016 بعد اتهامه بتمكين حماس من صناعة المسيرات؛ وقد تكون ” الاغتيالات الصامتة” خيارا مفضلا لأن طريقة تنفيذها تقلص من قدرة حماس على تبرير تنفيذ رد على هذه العمليات، على اعتبار أنه من الصعوبة بمكان التدليل على مسؤولية إسرائيل عنها.
لكن سواء كثفت إسرائيل من عملياتها في الضفة الغربية، أو شنت عمليات ضد حماس في الخارج، أو في قطاع غزة، أو نفذت اغتيالات صامتة، فإن قيادة تل أبيب تعي تماما أن الدافعية لتنفيذ العمليات لا ترجع إلى وجود هذا التنظيم أو ذاك خلفها، بل تعود بشكل أساس إلى وجود الاحتلال الذي يعد أهم محفز للفعل المقاوم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...