حتى لا يكون المثقف أداة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 4 يونيو, 2023
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 4 يونيو, 2023
حتى لا يكون المثقف أداة
الأمم الراشدة والحضارات المجيدة والدول الحكيمة إنما تقاس بما لديها من كفاءات بشرية وعقول ملهمة وجدارات عقلية؛ فليس هناك أداة لها من التأثير في بناء الدول والحضارات والأمم مثل أداة المثقفين والمفكرين، وصناعة العقول وتوجيه الشعوب، ورسم التوجهات التي تحكم أفكار وممارسات الشعب وانطباعه نحو الأمور.
فالسلطة الرشيدة والحكيمة قد تستخدم المثقفين والمفكرين وأهل الرأي والحكمة، في تمرير بعض الأفكار السليمة والرؤى الإيجابية إلى عقول وأذهان الشعب، ما يخلق فيهم جدارات إصلاحية وممارسات سليمة ومنهجا لتكوين المواطن الصالح في أذهان المواطنين، وذلك أجدر وأحرى وأقرب إلى أن يبني جيلا صالحا، خادما لدولته ورفعتها بين الدول والأمم.
خطورة السلطة الفاسدة تكمن في صناعة المثقف السلبي، وإغوائه بكثير من الإغراءات ليكون أداتها الفعلية في عبودية الشعوب
إلا أن الصورة الجميلة لا تكون محققة ومكتملة إن توافقت فيها حالتان: الحالة الأولى هي وجود سلطة حاكمة غير رشيدة وغير فاعلة، لا تحظى باحترام الشعب والمواطنين، ولا تملك قرارها، ومفقودة السيادة وخاضعة لقوى الغرب، وفقيرة في الرشد الإداري؛ والحالة الثانية هي وجود (المثقف السلبي) الذي يتم استخدامه طوعا، وأحيانا لسذاجة منه، في خدمة السلطة السلبية ” الفاسدة ” التي تحاول غرس مفهوم “الخضوع السلبي” لقرارات السلطة، التي لم تأتِ بناء على منهجية في التفكير، وهي لا ترنو أو تحرص على المصلحة العامة للبلاد، بل هي تنفيع لأفراد وجماعات ذوي علاقة بالسلطة ،ولو اقتضى ذلك ذهاب بقية الشعب والمواطنين إلى جحيم الإهمال.
يعلم الكثيرون أن من أنعم الله عليه بالفكر والعلم والثقافة الجيدة يحظى بقبول لدى الناس، وتأثير غير رسمي في توجهات الآخرين، ويظهر المثقف بدور الحكيم المرشد للسائرين في شتى الطرقات؛ إلا أن هذا الزخم الذي يحوم حول المثقف يجعله عرضة للهزات السلوكية والشخصية، وعرضة لتسلط السلطة السلبية عليه وجعله أداة من أدواتها وبوقا من أبواقها.
خطورة السلطة الفاسدة تكمن في صناعة المثقف السلبي، وإغوائه بكثير من الإغراءات ليكون أداتها الفعلية في عبودية الشعوب؛ فالسيف والخوف، والسطوة الأمنية على قوتها في إرهاب الشعوب، كل ذلك لا يوازي قوة تأثير المثقف في تحديد مفاهيم وسلوكيات وتوجهات الشعب إلى صالح السلطة.
وقد يتعرض المثقف الإيجابي إلى الكثير من التهديدات المتعلقة بحياته، إذا رأت السلطة السلبية وجود هذا المثقف في الساحة الشعبية قد شكل تهديدا لمصالحها وكيانها الهش؛ لذلك فالعلاقة بين استبداد السلطة وحركة المثقف الإيجابي ستكون سلبية بينهما، أي: ” كلما ازدادت السلطة استبدادا قلت حركة المثقف الإيجابي وقلّ تأثيره”.
وهنا ننوه إلى أننا نستطيع أن نقيم رشد السلطة في الحكم من خلال تعاملها مع المثقف!. فالسلطة الإيجابية تسعى لتكوين (شراكة وطنية) ذات منفعة عليا مع المثقف الذي يحظى بنوع من الشعبية، وكذلك من العلم العميق النافع؛ أما السلطة الفاسدة فتغويه وتصنعه، وتجعله محركا لقبول الشعب لمصالح الإدارة وأفرادها دون مصلحة الشعب.
من يقرأ في تاريخ العرب والمسلمين يجد الكثير من قصص المثقفين والمفكرين الذين لم يجعلوا من أنفسهم أداة بيد السلطة السلبية؛ ومنهم الإمام العز بن عبد السلام، الذي رفض كل محاولات السلطة للقبول بقراراتها الاقتصادية التعسفية
من ناحية أخرى، وحتى لا نغفل عن ذلك، قد تمارس الشعوب أحيانا صناعة المثقف السلبي، وهو ما يمثل فعليا أزمة للشعب؛ فالشعوب والمجتمعات قد لا تدرك واقعها الحقيقي، فتصبح فاقدة للهوية الجمعية والذات الموحدة والمنطلقات الشعبية، ولا تدرك حجمها وتأثيرها، وبالتالي يتجه المجتمع لفئة من المثقفين الزائفين الفاقدين للبوصلة الإصلاحية، والذين يقدمون معرفة زائفة يعتمد عليها المجتمع وتتجه به نحو الهاوية.
ومن يقرأ في تاريخ العرب والمسلمين يجد الكثير من قصص المثقفين والمفكرين الذين لم يجعلوا من أنفسهم أداة بيد السلطة السلبية؛ ومنهم الإمام العز بن عبد السلام، الذي رفض كل محاولات السلطة للقبول بقراراتها الاقتصادية التعسفية التي لا تخدم فئات المجتمع، والمتمثلة بزيادة الضرائب والمكوس والاستعانة بأموال الشعب لتمويل وزارة الدفاع؛ وقال لهم: ابدأوا بالأمراء والأكابر، فإن فرغت خزينتكم فدونكم أموال الناس بالحق وقدر الحاجة.
فهذه رسالة إلى الإدارات العربية، بضرورة أن يكون مراد التحالف مع طبقة المثقفين هو خدمة الوطن وجعل الشعوب تقتبس الجيد من الأفكار، وأن يكون للمثقف الإيجابي أيضا دور في تقويم أعمال السلطة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا يكون أسيرا لأي من الطرفين.. الشعب والسلطة .
أكاديمي كويتي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق