
حينما رضع أحمد “المسلم” وسعد “المسيحي” من ثدي واحد!
بقلم: شريف عبدالغني
| 30 أبريل, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: شريف عبدالغني
| 30 أبريل, 2024
حينما رضع أحمد “المسلم” وسعد “المسيحي” من ثدي واحد!
قبل سنوات طويلة أتى إلى قريتنا عم سليمان “النصراني” أو “المُصراني”، حسب نطق الريفيين للكلمة.. كانت ظروف الرجل صعبة، فتعاون أهل القرية على مساعدته، وأعطاه رجل كريم هو الحاج “الدسوقي الدّن” – وعائلته من جذور فلسطينية- مكاناً ملحقاً بمنزله في حارة “الجامع”، ليقيم فيه مع زوجته وأولاده.
كان والدي عند جني أي محصول من حقلنا، سواء كان قمحاً أم ذرة أم فواكه، أول ما يرسل منه إلى أحد يكون إلى عم “سليمان”؛ كذلك كان يفعل معظم القادرين، ليس إغواء منهم للرجل على الدخول في الإسلام، لكن من منطلق إنساني وديني يحث على مساعدة الغير دون غرض، وهو ما ميّز المصريين طوال تاريخهم، فكلهم أقباط.. إذ إن القبطية تعني المصرية، وتنسحب على الجميع بصرف النظر عن ديانتهم.
عاش عم سليمان في أمان، عمل في النجارة، ازداد دخله واستطاع بناء منزل جديد، توثّقت علاقته بإخوته المسلمين؛ أما زوجته “هانم” وشهرتها “أم عبد الله”- نسبة إلى ابنها الأكبر الذي استشهد في حرب أكتوبر 1973، ولاحظ أنه أحد أشهر الأسماء الإسلامية- فكانت أحد “أعمدة” الحارة.. بيتها ملتقى لجاراتها المسلمات، إذا احتاجت واحدة منهن أن تذبح طيراً ترسل ابنتها إلى أم عبد الله لتذبحه، والمفارقة أنها كانت تُبسمل وتُكبّر وتُصلي على النبي قبل الذبح، ليس تملقاً بقدر ما هو تعبير عن ثقافة مشتركة تجمع أبناء البلد الواحد.
وصلت ذروة العلاقة بين أم عبد الله (المسيحية) وبين الحاجة فاطمة، زوجة الحاج الدسوقي، إلى أن الاثنتين كانتا تتبادلان إرضاع الأبناء؛ وهكذا رضع “سعد” ابن الأولى مع “أحمد” ابن الثانية من ثدي واحد “مسلم- مسيحي” يحمل عصارة قرون من التعايش المشترك.. وظلت علاقة الود بين “أحمد”، الضابط والمحامي فيما بعد، وشقيقه في الرضاعة سعد “النجار النصراني” قائمة حتى وفاة الاثنين بواحد من أمراض فيروسات الكبد، التي لم تكن تُفرق في مصر بين مسلم ومسيحي.
أما وفاة “أم عبد الله” نفسها، فكانت حدثاً مشهوداً.. جلست ابنتاها “عزيزة” و”فهيمة” مع نساء الحارة يبكينها، ومثلما يحدث في مثل هذه الظروف بالريف، ذهب الرجال إلى “المسجد” المجاور وأحضروا “الخشبة” الخاصة بغُسل المتوفين، ووضعوها في منزل عم سليمان انتظاراً لعودة ابنها “سعد” من عمله خارج القرية، وهمّت النسوة بتغسيل أختهن لولا قدوم “سعد”، الذي شرح لهن اختلاف الديانتين في هذه النقطة. واستقبل أهل الحارة العزاء فيها مثلما يفعلون تماماً عند وفاة أي مسلم، ثم نقلوها معاً إلى مقبرة النصارى.
إذن ماذا حدث؟ كيف تحولت علاقة الحب في أبهى وأرقى صورها – مثل النموذج الذي ذكرته- بين أناس بسطاء يزعم البعض أنهم منبع للتطرف والتعصب، إلى أجواء شك وريبة وتربص تجاه الآخر؟
لو قسّمنا مسيرة مصر في القرن العشرين إلى أربع مراحل، سنجد أن المرحلة الأولى – وهي الليبرالية التي امتدت من بداية القرن حتى يوليو 1952- تميزت بأن المفكرين كانوا هم قادة المجتمع على غرار المجتمعات الأوروبية المتقدمة. تخيل أن يكون أمثال طه حسين وعباس العقاد وعبد الرزاق السنهوري وسلامة موسى وتوفيق الحكيم وقاسم أمين، مع سياسيين عظماء مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس، يتسيدون الساحة.. لقد نشروا الأفكار الديمقراطية وقبول الآخر وحرية المعتقد في نفوس الجميع! من هنا قامت ثورة 1919 تحت شعار حقيقي “وحدة الهلال والصليب”، هو الشعار الذي استمر خلال تلك الحقبة، وكان من أبرز تجلياته أن أحد أشهر السياسيين الأقباط حينذاك – وهو مكرم عبيد- أطلق مقولته الخالدة: “أنا مسلم وطناً.. مسيحي الديانة”.
وقتها لم يكن غريباً أن يتولى رئاسة الوزراء سياسي قبطي، أو أن يكون المسيحيون أصحاب أسماء بارزة في مختلف المجالات، أو يتصدر واجهة الفن أسماء مثل ليلى مراد ونجيب الريحاني وكاميليا واستيفان روستي، الذين أحبهم الناس دون أن يسأل أحد عن دياناتهم.
المرحلة الثانية بعد 1952 لم تشهد أي أعمال عنف طائفي، في غمرة بروز مشروع قومي عربي ورفع شعارات حول العدالة الاجتماعية، ذابت فيها الفوارق رغم أخطاء التطبيق.
أما المرحلة الثالثة خلال فترة حكم الرئيس السادات، فشهدت بداية النفخ في نار التطرف، حينما أخرج السادات الجماعات الإسلامية من القمقم، ليس بهدف إتاحة حرية العمل السياسي لجميع الأطياف والترويج لكافة الأفكار، وإنما أخرجها لمواجهة المناوئين له من اليساريين والناصريين؛ وغازل هذه الجماعات بأن أطلق على نفسه لقب “الرئيس المؤمن”! عمد الرئيس الراحل إلى صنع “ثنائية” في الشارع والجامعات والنقابات، لمنع سيطرة معارضيه من أهل اليسار عليها؛ وبعدما انتشرت نيران التعصب ضد الأقباط، انقلب السحر على الساحر، ووصلت المأساة إلى ذروتها باغتيال السادات نفسه عام 1981، في اليوم نفسه الذي شهد انتصاره (السادس من أكتوبر).
أما في المرحلة الرابعة، خلال عهد الرئيس مبارك الطويل (30 عاماً)، فإن غياب الديمقراطية – في جوهرها وليس في شكلها- كان سبباً مباشراً في رفض الآخر أيا كان، سواء كان مختلفاً معك في الفكر أم المعتقد أم الدين، فضلاً عن أن عدداً من أجهزة الدولة كانت تحابي المسيحيين في بعض المواقف خوفاً من ردود الأفعال العالمية، ومن هنا تولّد شعور بالغبن لدى المسلم، ولأنه لا يستطيع مواجهة الدولة فإنه كان يصب جام غضبه على الأقباط.
خلال تلك الفترة كانت مظاهر الفخر والفرح تبدو جلية عند أي من الجانبين، إذا دخل أحد عناصر الفريق الآخر دين “خصمه”؛ والحقيقة أن هذه المظاهر تدل على قصور عقلي، لأن أغلبية حالات تغيير الدين أسبابها اقتصادية واجتماعية، ولا تعبر إطلاقاً عن قناعة بالدين الجديد، إذ إن تغيير الدين ليس أمراً هيناً أبداً، إنه – كما يرى كثير من علماء النفس- تجربة شديدة العمق والتعقيد، لا يقدر عليها إلا مفكر عملاق، اختار أن يكابد مشقة العثور لنفسه على طريق خاص إلى الله، أو إلى الدين الذي يناسبه؛ إنه محنة عقلية وروحية جبارة لا تليق أبداً بزوجة اقترنت برجل لا يطاق، فقررت الانتقال إلى دين آخر للإفلات من جلافة زوجها، مثل غالبية حالات تغيير الدين المسيحي إلى الإسلامي. وهذا القصور العقلي في مسألة تغيير الدين مازال مستمرا حتى الآن.
ويبقى السؤال:
متى يعود “أحمد المسلم” و”سعد النصراني” للرضاعة من ثدي واحد، في وطن خُلق ليبقى متسِّعاً رحباً لجميع أبنائه، ومُرحِّباً بالشقيق والغريب؟
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق