حين يصبح (العار) خيارا إستراتيجيا
بقلم: شيرين عرفة
| 30 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 30 مايو, 2024
حين يصبح (العار) خيارا إستراتيجيا
شهد يوم الـ 21 من يناير/ كانون الثاني هذا العام، مؤتمرا صحفيا مشتركا، وقف فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – الذي وصل إلى الحكم في بلاده عبر انقلاب عسكري- مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، السيد إسماعيل هنية، حيث قال :”لقد تحدثت مع السيد هنية أننا في مصر كان لنا موقف واضح تم تسجيله، وصدر بشأنه بيان عن وزارة الخارجية المصرية، بتأكيدنا على رفض مصر التدخل في غزة أو المساس بوحدة أراضيها”، وأضاف “رسالتي إلى إسرائيل أن محاولة القفز على أرض من الأراضي، لمحاولة السيطرة عليها، هو أمر لن يوافق أحد عليه”.
تابع قائلا: “فلسطين دولة عربية، ولها حقوق طبقًا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك لأي تهديد لها” مؤكدًا بأن “مصر لن تسمح لأحد بتهديد فلسطين، أو أن يمس أمنها القومي”، وتابع: “محدش يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها خاصة لو أشقاءها طلبوا منها التدخل”. ثم وجه السيسي حديثه لـ”هنية”، قائلاً: “اطمئن، وبفضل الله نحن معكم، ونقول للدنيا كلها.. نتعاون ونتحاور بعيدًا عن أي تهديد أو المساس بالأمن والاستقرار”.
ما قرأته للتو قد حدث بالفعل، وفي التاريخ المذكور ذاته، مع مواصلة إسرائيل، وعلى مدار أشهر، لحرب إبادة وحشية على حدودنا الشرقية، وبحق أشقائنا وجيراننا الأقرب إلينا، في قطاع غزة، لكن مع تغيير جوهري في أجزاء المشهد الذي استمعت إليه الآن.. ولكي تراه على حقيقته، أعد قراءة ما سبق، مع استبدال عبارة “الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود” بـ”رئيس حركة حماس السيد إسماعيل هنية” واستبدل بـ”إسرائيل” الاسم “إثيوبيا”، واستبدل بـ”فلسطين” دولة “الصومال”.
حيث يقول الخبر إن دولة الصومال العربية (والتي تقع شرق القارة الأفريقية، وتطل على المحيط الهندي وخليج عدن)، ولا تربطنا بها أية حدود، قد لجأت إلى شقيقتها مصر للحصول على موقف مساند، في وجه ما وصفته بـ”عدوان” و”انتهاك صارخ لسيادتها” ارتكبته إثيوبيا، حين صرّحت الأخيرة بأنها تبحث فكرة الاعتراف باستقلال منطقة أرض الصومال، مقابل السماح لها بالوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة.
وبالعودة قليلا إلى الوراء، نجد أن إثيوبيا في الأول من يناير/ كانون الثاني من هذا العام، وقّعت مذكرة تفاهم، قالت إنها ستبحث أمر الاعتراف باستقلال “أرض الصومال” مقابل مذكرة تسمح لأديس أبابا بالاستحواذ على حصة غير محددة من ميناء بربرة على البحر الأحمر. و”أرض الصومال” هي محمية بريطانية سابقة، أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991، لكن لم يعترف بها المجتمع الدولي؛ و”بربرة” ميناء أفريقي على الساحل الجنوبي لخليج عدن، عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، تحتاج إليه إثيوبيا، بعد أن خسرت منفذها البحري إثر استقلال إريتريا عام 1993.
وبالرغم من تصريحات النظام المصري المساندة للصومال، وحقها التاريخي في أرض الصومال، واتفاق الطرفين في مواجهتهما لأطماع أثيوبيا، التي سعت من قبل لانتهاك حقوق مصر المائية في نهر النيل، فإن الموقف المصري لم يتعدَّ كونه كلمات، لم تستفد الصومال منها شيئا، ولم تهتم بها إثيوبيا على الإطلاق، حيث (جربت) مصر من قبل (كما طلب السيسي)، فقامت بتشييد سد عملاق على مجرى النيل، يحرم مصر من حصتها التاريخية في المياه، والمنصوص عليها في كافة المعاهدات.
حينها ما كان من النظام المصري بقيادة السيسي، إلا أن سارع بإعلانه الموافقة على توقيع اتفاقية مبادئ بين “مصر وإثيوبيا والسودان”، حول مشروع سد النهضة، سُميت بـ”وثيقة سد النهضة”، وذلك في 23 مارس/ آذار 2015، وأصبح السد بموجبها شرعيًّا، تم إنشاؤه بالتوافق والتراضي بين دول شرقي النيل الثلاثة، ما ترتب عليه عودة التمويل الدولي فورا لبناء السد، والمقدر بـ5.5 مليار دولار من بنك الصين الوطني، ومليار دولار من إيطاليا، ومثلها من كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى موافقة البنك الدولي على طرح السندات الإثيوبية للتمويل بضمان السد.
وكانت مصر قد سجلت من قبل نجاحا كبيرا في معركة دبلوماسية شاقة، بدأت في أعقاب ثورة يناير، وتواصلت أثناء فترة حكم الرئيس المصري الراحل “محمد مرسي”، انتهت باستصدار قرار أوروبي روسي صيني بوقف تمويل سد النهضة الإثيوبي، وتجميد قروض دولية لإثيوبيا بقيمة 3.7 مليار دولار، وهو ما حدث قبل شهرين فقط من تولي السيسي رئاسة مصر، وتحديدا في أبريل/ نيسان 2014، ما يجعلنا ببساطة نقول إن السيسي يعود إليه الفضل الأكبر في بناء السد، والإضرار الشديد بالأمن القومي المصري، وحرمان مصر من حقها في المياه.
لكن دعونا الآن نقفز قليلا إلى الأمام، ونصل إلى 21 فبراير/ شباط من هذا العام، لنتابع المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” في القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو، للتعليق على توقيع اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا. حيث أشاد “شيخ محمود” بالعلاقات مع تركيا قائلا إنها “الدولة الوحيدة التي أبدت استعدادها لمساعدة الصومال في حماية مياهه الإقليمية، واستغلال موارده، وإعادة تأهيل البحرية الصومالية”؛ وأضاف: “إن الاتفاقية يترتب عليها برتوكولات سيمتد تطبيقها لعشر سنوات”.
كالعادة، تأخرت مصر، وتقدم غيرها، وانحرفت عن بوصلة قضاياها القومية والعربية، واجتهد النظام المصري في تقزيمها، وتشويهها، ومحو دورها، وها هي حرب إبادة على بعد أمتار من حدودها، يرتكبها عدو تاريخي لا يخفي أطماعه في أرضها، وسبق أن اعتدى عليها من قبل في خمس حروب سابقة، واستولى على مدار سنوات على أغلى قطعة من ترابها، ثم نجد مصر بجسد مشلول، ونفسية ذليلة، تشاهد إخوانها في غزة وهم يُذبحون ويُقصفون، وتُحرق خيامهم فلا تحرك ساكنا، وتقدم التنازل تلو التنازل، حتى يتكشف بالكامل جسدها، فلا تجد ما تستر به نفسها.
وتحدث مجزرة مروعة، ترتكبها إسرائيل بحق النازحين الفلسطينيين قُرب أسوار الحدود المصرية، بعد إجبارها إياهم على النزوح إلى هناك بدعوى أنها منطقة آمنة، ثم قصفتهم بوحشية، فارتقى ما يقارب الثلاثين شهيدا، وجُرح العشرات، وأظهرت الصور تفحم الجثامين، وتحول الأطفال الصغار إلى أشلاء؛ وظل العالم كله يتابع أخبار المذبحة الوحشية، بينما الجنود المصريون يشاهدونها رأي العين من خلف الأسوار الشائكة، وتُزكم أنوفهم رائحة الجثث المحترقة والمتفحمة، لكن مصر الرسمية تقف صامتة متواطئة. ثم جاء حادث تبادل إطلاق النار بين عدد من الجنود المصريين والجنود الصهاينة، صبيحة المجزرة الدامية، فكشف الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي له، نشرته وسائل الإعلام كلها، عن وقوع “تبادل لإطلاق النيران” بين جنوده وقوات مصرية عند معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، نتج عنه قتل وجرح عدد من الجنود المصريين.
وبعد صمت مصري رسمي مهين، استمر لساعات، أعلن المتحدث العسكري باسم الجيش المصري في بيان مقتضب، عن وقوع حادث أمني أدى لاستشهاد عنصر من عناصر تأمين الحدود، ولم يُشر البيان لطبيعة الحادث، ولم يتهم فيه إسرائيل، رغم اعتراف الأخيرة رسميا بأنها من قتلت الجنود، ولم يذكر اسم الجندي، ولم يحظَ في بيانه بأي تعاطف أو تقدير، واكتفى بالإشارة إليه كعنصر مجهول، وأن جهة ما (لم يُسَمّها) ستتولى التحقيق. وبرغم تواتر الأحاديث عن ارتقاء شهيد آخر من مجندي الجيش، وتأكيد ذلك بشهادة زملائه من المجندين، فإن النظام المصري نفى ذلك بشكل قاطع، وصمت تماما عن شرح ملابسات الحادث الذي سقط فيه هذا الجندي الشهيد.
يبدو إصرار النظام المصري على نفي أي توتر بينه وبين إسرائيل، وحرصه المستميت على إرضائها، بالرغم من الصلف والاستهتار، والتصريحات المهينة لمصر والصادرة عن مسؤولين إسرائيليين، وانتهاك جيش الاحتلال المتواصل لكل المعاهدات والاتفاقات والمواثيق، كحالة من الانبطاح والانسحاق التام لهذا النظام أمام إسرائيل. وكافة الخطوط الحمراء التي أعلنتها مصر منذ بداية الحرب، من رفضٍ لاحتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا، أو استيلائها الكامل على قطاع غزة، جميعها دُهست تحت أقدام الإسرائيليين.
واليوم، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال سيطرة إسرائيل عمليا على كامل محور فيلادلفيا، وهي السيطرة التي تعني قطع حدود وعلاقة غزة الجغرافية مع مصر بشكل رسمي، وإطباق إسرائيل حصارها العسكري على القطاع بأكمله، مع انتهاكها الصارخ لمعاهدة “كامب ديفيد” للسلام، الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، والملحق الأمني لها، الذي يعرف باسم “اتفاق فيلادلفيا”، الموقّع في سبتمبر/ أيلول 2005.. ومازال موقف مصر الرسمي (حتى وقت كتابة هذا المقال) هو الصمت والاستسلام التام، وكأن من يقود البلاد، يسير بها نحو هاوية سحيقة، ويعمل جاهدا من أجل تغييبها، ومسخ هويتها، ونزعها عن محيطها العربي والإسلامي، وعزلها جغرافيا، وإفقادها كل ما تملك من وزن إقليمي ومقدرات وثِقل وأدوات.
لله الأمر من قبل ومن بعد.
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
انه بارع فى ابداء شئ وعمل العكس من نفس الشئ واصبحنا كمصريين نعرف تماما اذا قال شئ سننتظر العكس ولكن اليس هذا الرجل هو من جاءنا به الدكتور محمد مرسى؟
لقد اصبحنا ننتظر العقاب على هذا الصمت المهين لما يحدث داخل مصر وخاجها وكان مصر بشعبها ملكا خاصا له ولاتباعه
المصيبة ليست كون السيسي جنرال صهيوني يحكم قطر عربي نيابة عن إسرائيل، وكذلك غالبية الحكام في المستعبدات العربية، انما المصيبة أن أنصاف الشعوب العربية لا يعون ذلك بل وينكروا واقع الحال والأنكى هو تمجيدهم لهم !