خدعة أميركية في مجلس الأمن

بواسطة | مارس 24, 2024

بواسطة | مارس 24, 2024

خدعة أميركية في مجلس الأمن

فشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار أميركي بشأن وقف فوري لإطلاق النار، وذلك بعد رفض كل من الصين وروسيا لمشروع القرار.

لوهلة يبدو الأمر غريبا، فالقرار يبدو ظاهريا لغاية وقف إطلاق النار فورا، ولكن الشيطان – كما يقولون- يكمن في التفاصيل.. بنظرة دقيقة في مشروع القرار الأميركي سوف نكتشف أن فيه العديد من الفجوات والثغرات، وهذه يمكن تلخيصها في ست نقاط:

أولا، لغة مشروع القرار مائعة وغير حاسمة، حيث لا يطالب مشروع القرار صراحة بوقف إطلاق النار، وإنما فقط التأكيد على “الضرورة القصوى للتوصل إلى وقف فوري ومستديم لإطلاق النار”؛ وهي صيغة تختلف كليا عن المطالبة الواضحة والصريحة بوقف إطلاق النار، وذلك على غرار ما يجري في حالات مشابهة.

ثانياً، وهو الأهم، إن القرار لا يطالب بوقف دائم لإطلاق النار وللحرب الهمجية في قطاع غزة، وإنما بوقف مؤقت فقط لستة أسابيع، أي هدنة مؤقتة لا وقف كامل للحرب؛ وهو ما يعني ببساطة أن تستأنف إسرائيل حرب الإبادة والتجويع والحصار على الفلسطينيين بعد أن تستعيد الرهائن لدى حركة المقاومة الفلسطينية (حماس). وهذه مسألة واضحة للعيان، حيث يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أي حديث عن إنهاء الحرب ووقفها بشكل كامل، لأنها بمثابة مشروع واستثمار سياسي له، إذ يعلم جيدا أنه سوف يتعرض للمحاسبة والعقاب بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ثالثا، مشروع القرار يربط بشكل واضح بين وقف إطلاق النار والتقدم في سير المفاوضات الخاصة بصفقة الرهائن، وهو ما يعني عمليا أنه إذا ما فشلت الصفقة فإن القرار لن يكون له أي تأثير في الواقع؛ وبالتالي هو يرهن مصير القرار بنجاح أو فشل المفاوضات، خاصة في ظل التلاعب الإسرائيلي وعدم الجدية في التفاوض.

رابعا، إن مشروع القرار لا يحاسب أو يعاقب أو حتى يدين الكيان الصهيوني على ما اقترفه من جرائم قتل وإصابة وتهجير لعشرات الآلاف من أهالي قطاع غزة، كما أنه لم يُشِر من قريب أو بعيد إلى ضحايا الحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على الأطفال والنساء في القطاع؛ وهو ما يعني أن إسرائيل سوف تفلت من العقاب على هذه الجرائم.

خامساً، لم يطالب مشروع القرار الأمريكي أو يُشر ولو من بعيد إلى أي انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة أو العودة لحدود السادس من أكتوبر 2023، وهو بذلك يُشرعن إعادة احتلال قطاع غزة وبقاء القوات الإسرائيلية هناك لأجل غير مسمى.

سادساً، فإن القرار لم يُشِر من قريب أو بعيد إلى رفضٍ للهجوم الذي ينوي نتانياهو شنه على مدينة رفح، والذي سوف يؤدي إلى كوارث إنسانية. وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر له للقيام بهذه العملية رغم ما تحمله من مخاطر ومآس.

لذلك كان منطقيا أن يتم رفض تمرير مشروع القرار الأميركي، الذي يبدو أنه كُتب في تل أبيب وليس في واشنطن. فمن الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تريد إعطاء إسرائيل المزيد من الوقت كي تستمر في حربها العبثية على قطاع غزة، وذلك على أمل أن يتم التخلص من حركة حماس حسبما يأمل نتانياهو.

وفي حقيقة الأمر، لو أن إدارة بايدن جادة في العمل على وقف الحرب على قطاع غزة لفعلت ذلك منذ أشهر، من خلال الموافقة على المحاولات الماضية لتمرير قرار في مجلس الأمن لوقف الحرب، لكن ما حصل هو أن واشنطن استخدمت حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات لتعطيل قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، كان آخرها مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر. أما طريقها الأهم لوقف الحرب لو كانت جادة، فهو وقف دعمها العسكري غير المحدود الذي تقدمه واشنطن إلى تل أبيب، والذي يساهم في إشعال الحرب الحالية.

يعلم بايدن جيدا أن نتانياهو يتلاعب به ويتعمد إذلاله، كما نشرت قبل فترة صحيفة “واشنطن بوست”، ولكنه رغم ذلك لا يزال مترددا في اتخاذ إجراءات جدية تجاه الحرب الهمجية ضد الفلسطينيين، وهو ما يدفع نتانياهو للاستمرار في الحرب.

باختصار، فإن مشروع القرار الأميركي الذي تم رفضه كان أقرب إلى دس السم في العسل، ومحاولة أميركية خبيثة هدفها مساعدة إسرائيل وليس وضع حد للمأساة التي تجري حاليا في قطاع غزة، والتي تعد أميركا شريكة فيها شراكة كاملة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...