سورة الأحزاب وفهم أحداث غـزة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 8 فبراير, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 8 فبراير, 2024
سورة الأحزاب وفهم أحداث غـزة
تستعرض هذه المقالة تجارب الصحابة مع آيات القرآن، خاصة سورة الأحزاب، وتطبيقاتها في ظروف معاصرة، مثل أحداث غزة.
حيث تظهر كيف تتكرر المواقف من التاريخ، وأخذ الدروس للمساهمة في فهم الواقع والتصدي للتحديات. ف
القرآن ليس مجرد قراءة، بل تجربة حياتية يستوعبها الإنسان ويطبقها في زمانه.
تأملات ودروس
أحدنا قد يقرأ آية من القرآن مرات ومرات، يفهم الآية في المرة الأولى بمعنى معين، ثم يأتي الأخرى ليجد الفهم عنده إما تغير أو تعمق أكثر! وهكذا الحال مع قارئ القرآن ومتدبر آياته الكريمة.. ذلك أن الفهم الصحيح – كما يقول المفسرون- واستشعار معنى الآية، لا يكون إلا إن عاش المرء منّا جو الآية كما عاشه الصحابة، أو الأحداثَ التي كانت سبباً في نزول آية أو عدة آيات.
هذه إحدى خلاصات هذا المقال؛ لكن.. لا مانع من المتابعة لنستخلص أخريات.
لا يفهم النصوص القرآنية حق الفهم – كما يقول صاحب ظلال القرآن– إلا: “من يواجه مثل الظروف التي واجهتها أول مرة؛ هنا تتفتح النصوص عن رصيدها المذخور، وتتفتح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة، وهنا تتحول النصوص من كلمات وسطور إلى قوة وطاقات، وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها. تنتفض خلائق حية، موحية، دافعة، دافقة، تعمل في واقع الحياة، وتدفع بها إلى حركة حقيقية في عالم الواقع وعالم الضمير.. فالقرآن ليس كتاباً للتلاوة ولا للثقافة وكفى، إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة، ونصوصه مهيأة للعمل في كل لحظة، متى وُجد القلب الذي يتعاطف معه ويتجاوب”.
سورة الأحزاب نموذجاً
سورة الأحزاب هي من أفضل النماذج التي يمكن الحديث عنها الآن والاستشهاد بها، ونحن نعيش الأجواء التي نزلت خلالها بعض آياتها. لقد فهمها وتفاعل معها الذي عاش الظروف في المدينة المنورة، وهي محاصرة بقوى الوثنية واليهودية والصليبية، إذ كانت تتنزل الآيات غضة طرية، توضح الأمور وتكشف الحقائق وخفايا الأمور والنفوس، وبالتالي كان التفاعل إيجابياً، وفهم الآيات أسهل وأيسر.
نرى اليوم أحداث غزة وكأنها مشاهد مكررة لحصار الأحزاب للمدينة؛ فالقوى ذاتها، الوثنية والصهيونية والصليبية، التي جاءت قديماً لاستئصال الإسلام في عقر داره، هي نفسها اليوم تريد تحقيق الهدف ذاته، عبر استئصال المقاومة المسلمة في غزة! وحين نبدأ نتأمل الآيات الكريمة في سورة الأحزاب، ترانا نفهمها بشكل أكثر وضوحاً وواقعية عما كنا عليه قبل فترة من الزمن ماضية.
لنتأمل بعض آيات السورة التي تتحدث عن معركة الخندق أو الأحزاب، وندرس المشاهد الدرامية التي وقعت، مثل وقوف عتاة قوى الشر المعادية للإسلام متحدين رغم اختلافاتهم العقدية ومصالحهم المتنوعة، لكن جهودهم توحدت في هدف واحد هو القضاء على الإسلام، والهدف نفسه هو الذي تراه اليوم في غزة – كما أسلفنا- وقد اجتمعت قوى الشرق والغرب المعادية للإسلام الصحيح، تنشد القضاء عليه في غزة الأبية.
المشاهد وهي تتكرر
كنا نقرأ آيات السورة ونندهش، ونتساءل عن بعض المشاهد ونستغربها، مثل مشاهد الذين طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم بالانصراف إلى أهاليهم لأنهم بلا حماية! فنتساءل: وماذا عن بقية عائلات الصحابة أو المرابطين؟ لماذا هؤلاء فقط يريدون الخروج من الرباط بقصد حماية أهاليهم وبيوتهم، كما يقول عن ذلك القرآن {ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة} فتنزل الآية واضحة صريحة لتكشف كذبهم {وما هي بعورة، إن يريدون إلا فرارا}.
حماية البيوت كانت عذراً للهروب والفرار، كما يفعل البعض اليوم مع غزة.. لا يريدون التورط في مشكلات مع الصهاينة – أو هكذا الزعم والفهم- فرفعوا بذلك أيديهم عن نصرتها، لأن بلدانهم (بيوتهم) بحاجة لحماية من إمكانية اعتداء الصهاينة عليها، تماماً كما سأل أولئك القوم رسول الله، لا فرق بين الفريقين.
موقف آخر للمنافقين الذين انكشف نفاقهم تماماً في تلك الأحداث، بعد أن جاء الأحزاب من كل الأطراف، وتجمعت قوى الشر في مشهد غير مألوف عند العرب، فأصابهم الهلع والقلق والجزع، ولم يكتفوا بإظهار الجزع فحسب، بل قاموا بدور أخبث من النفاق، وهو التخذيل وبث اليأس في النفوس {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}، كما يفعل منافقو اليوم، سواء في داخل غزة أو خارجها، وكان منهم ترديد عبارات التخذيل والتخوين، وأنه لو لم تقم حماس بمهاجمة الصهاينة، ما كان قد حدث الذي يحدث، وغيرها من تفاهات وترهات.. إنهم هم أنفسهم عبر الزمان والمكان لا يختلفون، ذات العقلية وذات النفسية المريضة.
مطلوب فهم أحداث غزة
لكي نفهم بعض أحداث وتفاصيل ما يجري الآن في غزة، منذ أكثر من مائة وعشرين يوما، إنما نحتاج لإعادة قراءة سورة الأحزاب من جديد، وإسقاط بعض آياتها على المشاهد المتنوعة التي نراها في غزة يوميا؛ فالسورة التي نزلت آياتها على الصحابة الكرام وهم في ظروف لا تختلف عن ظروف غزة، إنما هي صالحة لكل زمان ومكان تتكرر فيهما الأحداث نفسها.. حصار، وتكاتف لقوى الشر، وخيانات بني قريظة، وتخذيل المنافقين، وغير ذلك من مشاهد.
فهم الصحابة الكرام يومها الآياتِ فور نزولها لأنهم عايشوها؛ واليوم يمكننا كذلك أن نفهم تلك الآيات لأننا نعيش ونرى ونسمع ما يجري في غزة على الهواء مباشرة، ولحظة بلحظة، كما لو كنا أيام حصار المدينة المنورة! فاليوم نرى المنافقين – مثلاً- هنا وهناك يقومون بما كان يقوم به أسلافهم في المدينة، ونرى كذلك معنى الخوف والجوع وفقدان الأمن في غزة، كما كان في المدينة؛ ونرى أيضاً في الوقت نفسه قلق العدو واختلاف أحزابه بعضها مع بعض، كما اختلفت قريش مع غطفان ويهود وبقية الوثنيين؛ ونرى أخيراً المعنى الحقيقي للصمود والرباط، والإيمان العميق بالله وحُسن التوكل عليه، والأخذ بالأسباب، كما كان الصحابة الكرام يوم الخندق.
الآن يمكننا تدبر سورة الأحزاب من جديد، وأن نقرأ آياتها كما لو أننا معها وقت نزولها.. اليوم، وعلى رغم أننا بعيدون عن أجواء غزة مادياً، فإننا نعيش همَّ أهلها وشعورهم وظروفهم كما لو أننا واقعياً معهم، وهذا ما يجعلنا ونحن نقرأ السورة الكريمة مرة أخرى، نتفاءل بأن تجري الأحداث كما جرت يوم الأحزاب.
المشاهد هي نفسها تتكرر بصورة وأخرى، الواحد بعد الآخر، ليبقى المشهد الأخير المنتظر، مشهد هبوب الريح، ونزول السند السماوي لتتفرق كلمة الأحزاب ويتشتت شملهم، وينصر الله غزة نصراً عزيزاً مؤزراً مبينا. وما ذلك على الله بعزيز {ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا}.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق