شعبان عبد الرحيم.. يكره إسرائيل ويحب لولوة الخاطر!

بواسطة | ديسمبر 5, 2023

بواسطة | ديسمبر 5, 2023

شعبان عبد الرحيم.. يكره إسرائيل ويحب لولوة الخاطر!

(1)
شعبان عبد الرحيم هنا ليس فقط المطرب الشعبي المصري الراحل، لكنه شعبان المكوجي البسيط، وكل شعبان على امتداد الأمة أحب عمرو موسى، والآن يحب لولوة الخاطر؛ والرابط المشترك بين هذين الحُبين هو كُره “إسرائيل”.
حينما غنّى شعبان عام 2000 “بكره إسرائيل.. وبحب عمرو موسى”، أثار ضجة كبيرة في الكيان الصهيوني، اتهموه بمعاداة السامية.. في الوقت نفسه دشن بكلماته المباشرة وزيرَ الخارجية المصري الأسبق نجماً شعبياً. عكست الأغنية التقدير الكبير في الشارعين المصري والعربي لعمرو موسى صاحب العبارات القوية البليغة في الهجوم على الكيان المحتل الغاصب لفلسطين وأراضٍ عربية شتى، وانتقاده الدعم الأمريكي غير المحدود لتل أبيب.
(2)
يقال إن هذه الأغنية وتلك الشعبية كانتا وراء قيام الرئيس الراحل حسني مبارك، بإطاحة موسى من “الخارجية”، إذ لا يصح أن يكون هناك نجم لامع بجانب “البدر في ليلة تمامه”؛ عمرو موسى نفسه أعلنها خلال لقاء مع الإعلامي عمرو أديب، السعودي حالياً والمصري خلال تلك المقابلة.. إن الأغنية كانت “القشّة الأخيرة” في فترته الوزارية التي امتدت 10 سنوات.
لقد أدرك مبارك خطورة أن يتحول وزير خارجيته، إلى “صاحب شعبية جارفة” عند عامة الناس من أسطوات الورش وصبيانهم إلى البائعين السرّيحة وزبائنهم، ومن سائقي الميكروباص وتوابعهم إلى قادة التوكتوك وأشباههم، وغيرهم كثيرون من الحرافيش والمهمّشين سكان الحواري والشوارع الخلفية الذين تحتاجهم السلطة في أوقات ومناسبات لا تنفع فيها حذلقة الأكابر والبهوات المقعّرين سكان “الكومبوندات” والشوارع الأمامية، إنهم “الغلابة أولاد البلد”، ملح الطعام الذي لا غنى عنه في أية “طبخة انتخابية”، هم زينة أي مؤتمر تهليل وتأييد لطويل العمر يطوّل عمره وينصره على مين يعاديه.
(3)
نقلت الدائرة المقربة وأجهزة رصد الشارع للرئيس أن البسطاء صدّقوا شعبان عبد الرحيم الأمّي العفوي صاحب الوجه المجهد، كون مشاعره ناحية من يهاجم إسرائيل هي مشاعر فطرية ونقية تتماهى معهم؛ ثم إنه – وهذا هو المهم- غنّى لعمرو موسى بدون توجيه حكومي، بينما لم يصدقوا المطرب المتعلّم الأنيق منتفخ الخدود محمد ثروت وهو يقف – بتوجيه وترتيب وصناعة الحكومة وعلى عينها- في الحفلات والمهرجانات السلطوية بحضور الرئيس والسيدة الأولى، وهو “يشاور” على مبارك مُغنيّاً “الخير من هنا”، ثم يحيل إشارته إلى السيدة الفاضلة سوزان  منشداً “والنور من هنا”، قبل أن يُكمل مبتهجاً رافعاً ذراعيه: “ليه أسكت أنا وما أقولش وأعيد؟!”.
 لم يكتف مبارك بدهاء الفلّاح ابن “كفر المصيلحة- منوفية” بإبعاد عمرو موسى عن أضواء الدبلوماسية وهيلمانها ونجوميتها، بل أراد حرقه حرفياً.. مبارك لم يكن ساذجاً ولا متسامحاً مع من يتخطاه نجوميةً، لم يكن كما غنت له لطيفة التونسية مع جوقة من المطربين الهتّيفة: “روحه سمحة.. أدب ومصالحة.. صافي القلب يا كفر مصيلحة”.
 أطاح مبارك بوزير خارجيته.. لكن برزت هناك مشكلة، فقد يتحول إلى شهيد النجاح وعداوة إسرائيل عند الجمهور؛ لذا ربما أراد الرئيس الراحل أن يقول للعامة إن عمرو موسى ليس إلا ظاهرة صوتية وعاشق للميكروفونات، ولهذا فقد وضعه على رأس مبنى “المكلمة العربية” بميدان التحرير، المعروفة إدارياً باسم “جامعة الدول العربية”، إذ لا يصدر عنها ومنها سوى كلام مصاطب وثرثرات  عقيمة، وبعض صواريخ الورق الفارغة من أنواع “شجب” و”إدانة” و”استنكار” لا تغني ولا تُسمن عند المواطنين على المقاهي، فيبصق بعضهم عليها، في حين يُصدر البعض الآخر بمجرد قراءتها أصوات امتعاض إسكندرانية تُسمع ولا تُكتب!
(4)
لو كان شعبان -رحمه الله- حيّاً لغنّى بمحض إرادته للسيدة لولوة الخاطر وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية.. الرجل كان لديه بوصلة رهيبة لمعرفة المزاج الشعبي للناس التي تقدر كل من يقف إلى جانب المظلوم لا الظالم، ويدعم المجني عليه لا الجاني، فما بالك لو كان الشهيد فلسطينياً، والقاتل صهيونياً.
إن الجموع العربية أحبت الوزيرة القطرية، ورفعتها إلى أعلى عليين في قلوبها وهي تشاهدها يوماً في الدوحة ترحب بود غير مصطنع بعدد من حملة الإقامة القطرية وأطفاهم الذين تنقلهم قطر من غزة حرصاً على حياتهم، وأياماً في  قطاع غزة مع الناس تواسي أُسر الشهداء وتجبر خواطر المكلومين، وأياماً أخرى في معبر رفح تشرف بنفسها على دخول المساعدات إلى أهلنا الذين يتعرضون لأبشع حرب في التاريخ العربي، وبين هذا وذاك تزور المصابين في مستشفى العريش بمصر.
شعبان لم يكن سيغني فقط محيياً شجاعة لولوة الخاطر، بل المؤكّد أنه كان أيضاً سيهجو “صهاينة العرب” الذين وجهوا ما في قلوبهم من غلّ وسواد وحقد إلى كل من يدعم فلسطين وأهلها، فكانت هذه المرأة الأبيّة في قلب بذاءاتهم ومرمى رذائل كلماتهم.. لكنها شهادة بكمال لولوة الخاطر حيث جاءتها المذمة من “نواقص”.
(5)
لكن..
رغم الشعبية التي اكتسبتها لولوة الخاطر، فإنها بكل تأكيد تختلف كثيراً عن عمرو موسى؛ ليس فقط في الناحية العُمرية والخبرات بين وزيرة شابة ورجل -متعه الله بالصحة وطول العمر- كان في الرابعة والستين بأوج شعبيته وقت أغنية شعبان قبل نحو ربع قرن.
لقد كان عمرو موسى -ومازال- عاشقاً للأضواء، وفق زملاء قاموا لسنوات بتغطية نشاطاته سواء في الوزارة أو الجامعة العربية، فإنه كان يوجّه بحضور جميع الصحفيين المعتمدين في الجهة التي يرأسها، حتى يعقد مؤتمره الصحفي فيبدو منتشياً وسطهم كالطاووس، ولا مانع بين حين وآخر من مداعبة هذا أو ذاك، خصوصاً مراسل إذاعة “صوت العرب” العريقة الزميل شحاتة أبوالمجد.
 وفي غير المؤتمرات كانت صور الدبلوماسي العتيد بنظارته المعتمة، وملابسه الأنيقة، وسيجاره الكوبي الفاخر، تشي أنك أمام نجم يضاهي في الكاريزما عمر الشريف ورشدي أباظة وأحمد مظهر وغيرهم من أهل الفن.
في المقابل..
 تبدو لولوة الخاطر بسيطة المظهر، غير متكلفة التصرفات، تلقائية العبارات.. لذلك دخلت قلوب الفلسطينيين والعرب بسرعة، إذ بدت للصغار أنها بمثابة الأم العطوف، وللكبار هى الأخت الرحيمة.
الحقيقة أن لولوة الخاطر ليست حالة استثنائية في قطر، إنها تعكس تماماً موقف بلدها الداعم على الدوام للشعب الفلسطيني دون بهرجة مُنفِّرة أو استغلال رخيص. عند وقوع العدوان الغاشم على غزة كانت الدوحة – ومازالت- ملتقى لكثير من قادة الدول الكبرى، ومحور اتصالات ووساطات، وتفعل كل “الممكن” لإنهاء المأساة ووقف العدوان، دون حساب للوبي الصهيوني العالمي.
(6)
لهذا كله..
نلاحظ حرص الكيان الصهيوني على إزالة كل آثار الدعم القطري لأشقائنا الفلسطينيين، فكان قصف مقر اللجنة القطرية لإعمار غزة، وإخراج مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية عن الخدمة بعد كذبة وجود أنفاق أسفلها، وقد كان أحد أكبر مستشفيات التأهيل العاملة في القطاع، ثم استهداف مدرسة الفاخورة التي كانت باكورة مشاريع دعم قطر للتعليم في غزة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، حتى تطورت وأصبحت برنامجًا يشمل كل ما يتعلق بالعملية التعليمية، من تدريس وتدريب إلى بناء مدارس وجامعات وابتعاثات علمية لتخصصات دقيقة غير متوفرة في القطاع، وخلال العدوان الهمجي تعرضت ست وثلاثون مدرسة وجامعة يدعمها بَرنامج الفاخورة للتدمير الكامل أو الجزئي.. وأخيراً وليس آخراً قصف مدينة حمد السكنية بخان يونس.
(7)
إن هجوم “صهاينة العرب” على الوزيرة القطرية، يكشف عن حنقهم على الدور القطري المساند لفلسطين، والساعي إلى إيقاف الحرب، والكاشف في الوقت نفسه عن أقنعة الداعمين للعدو في إبادة أهل فلسطين؛ ولأنهم لاعتبارات عديدة لا يستطيعون الاقتراب من القيادة وكبار المسؤولين في الدوحة، فلم يجدوا غير الهجوم على السيدة الأبيّة التي ذهبت إلى غزة! لكن سيبقى دائماً أن عامة العرب أصحاب الفطرة الإنسانية السليمة يكرهون إسرائيل.. ويحبون كل عمرو موسى وكل لولوة الخاطر.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...