شيوخ البلاط

بواسطة | نوفمبر 12, 2023

بواسطة | نوفمبر 12, 2023

شيوخ البلاط

تتناول هذه المقالة ظاهرة خطيرة في تاريخ الدين، حيث يقوم بعض العلماء بتحويل الدين ليخدم أهواء السلطة بدلاً من السعي لتحقيق الحق وتحكيم شرع الله. يتم استعراض نماذج من التاريخ تبرز تعاون بعض العلماء مع السلطة لإرضائها وتبرير أفعالها، مما يشكل تهديدًا على كينونة الدين وحياة المسلمين.

تأويل الدين لخدمة السلطة – دراسة في تاريخ العلماء السيئين

يُروى في التاريخ أن المأمون العباسي سأل أحد العلماء عن مذهب المرجئة (وهو مذهب قائم على فكرة أن المعاصي لا تضر مسمى الإيمان، وبعض غلاتهم يرى مثلا إبليس مؤمنا كامل الايمان!).. سأله المأمون: ما الإرجاء؟ فنظر إليه الوزير، فقال: “هو دينٌ، يوافق هوى الملوك”.
لا تخلو أمة من الأمم من وجود فئة من المشتغلين بالدين، همّهم الأكبر ليس إحقاق الحق وتحكيم شرع الرب المقدس، إنما همّهم إرضاء السلطة بكل ما تريده، ولو كان على حساب الدين نفسه ومنطلقاته، فنرى مثلا أن فقهاء اليهود في عهد النبي عيسى (عليه السلام) قد أفتوا للملك في ذلك الزمان البعيد، أن عيسى يسعى لقلب نظام الحكم وأن تكون الرياسة في فلسطين بيده، فقام الملك بإصدار أمر القبض على النبي عيسى ورفاقه.

التاريخ حافل بالنماذج من هؤلاء العلماء السيئين، الذين يُطوّعون الدين لخدمة أهواء السلطة طمعا في مغنم منها. ونستذكر من ذلك هنا كيف قام مجموعة العلماء المحيطين بالمأمون بإصدار فتوى تجيز سفك دم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وتحكم بكفره، وتهمته هي (الإرهاب الفكري) وأن له رأيا لا يوافق رأي السلطة!. وكذلك ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد كتب فيه علماء مصر والشام فتوى تجيز قتله، فقط لمجرد الخلاف الفكري معهم، وكان يقول لهم ناظروني، فلم يفعلوا لضعف حجتهم ومنطلقاتهم .
هؤلاء العلماء، في تطبيلهم للسلطة ومحاولة إرضائها، هم أشد خطرا على كينونة الدين وحياة المسلمين، فإنهم يجعلون ما يريده الحاكم شرعا مُباحا ولو حرَّمته الشريعة، ثم يُخرجون بكل صفاقة ووقاحة ما يبرر لهم ذلك من ضرورة السمع والطاعة للولاة؛ وفهمهم القاصر أدخلهم إلى عبادة السلاطين، فجعلوا تشريعاتهم وطرائق سياستهم مساوية لتشريع الرب المقدس .

التعامل مع السلطة في الإسلام يجب أن يكون تابعا للمنظومة الشرعية في الرقابة على أفعال السلاطين، فالملوك والسلاطين ليسوا إلا عُمّالا وُضعوا لتسيير أمور الدولة، وخدمة الأمة وحماية بيضة الإسلام، فلا يكون نهجهم مُخالِفا للعدل الإلهي الذي بيَّنه الله عز وجل في قرآنه، والنبي صلى الله عليه وسلّم في أحاديثه وأقواله؛ بل يُقوَّم السلطان بالطريقة التي يراها الفقهاء مُجدية، وتؤدي إلى التغيير الإيجابي بأقلّ الخسائر وأعظم الفوائد، وتُراقَب سياستُه، ويُناصح نصيحة لله ويُذكَّر بالوعيد في الآخرة وأن هذه المناصب التي تُغري السلطان هي إلى زوال، فلو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...