ظاهرة انقلابات العسكر.. تهدد استقرار الدول وأمن الشعوب!
بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
| 28 أبريل, 2023
مقالات مشابهة
-
400 يوم من الحرب
كيفَ تطحنُ الآلة العسكريّة في شعبٍ أعزلَ على مدى...
-
ترامب في البيت الأبيض مجدداً
لا شك أن الفوز الذي أحرزه الجمهوريون بقيادة...
-
وصية طفلة شهيدة من غزة
لم نكن نعلم شيئا عن وصيتها قبل دفنها، وصية...
-
بين فكي نتساريم.. أنصاف عائلات
يقدّم المغترب اِلتماسه بلمّ الشمل ليحظى باجتماع...
-
ترامب.. العدو الصريح خير من الصديق الكتوم
"العدو الصريح خير من صديق كتوم".. مقولة عميقة...
-
من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة
"إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر...
مقالات منوعة
بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
| 28 أبريل, 2023
ظاهرة انقلابات العسكر.. تهدد استقرار الدول وأمن الشعوب!
يطرح صراع وحرب العسكر على السلطة اليوم بين المكونين العسكريين في السودان، وقبل هذا الانقلابات العديدة التي وقعت في السودان، وسيطرة الجيش على الحكم لمعظم فترة استقلال السودان منذ عام 1956؛ أسئلة مشروعة عن تأثير انقلابات العسكر على أمن واستقرار الدولة.
في الدول العربية، خاصة منذ خمسينيات القرن الماضي، قام العسكر بانقلاباتهم في مصر والعراق وسوريا والسودان، ولاحقاً في ليبيا واليمن وموريتانيا. وشهدت دول انقلابات زعامات على النظام، لتعديل الدستور وتحويل الجمهوريات إلى جمهوريات وراثية، للتمكين لبقائهم في الحكم أو لتوريث الأبناء؛ كما فعل السادات وحاول بعده حسني مبارك في مصر، وكما فعل صدام حسين في العراق، وعلي عبدالله صالح في اليمن. أو محاولات تعديل الدستور لتمديد فترات البقاء في السلطة كما فعل السادات في مصر، والأسد في سوريا، وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وزين العابدين بن علي في تونس.. وتلك التجاوزات كانت من أسباب تفجر انتفاضات الربيع العربي قبل أكثر من عقد.
اعتاد السودانيون على انقلابات متلاحقة، وصلت لسبعة انقلابات عدا عن محاولات الانقلابات الفاشلة.
شكلت الحرب الدموية المستعرة في السودان حرب إلغاء، بين رئيس مجلس السيادة- قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، وبين نائبه -قائد قوات التدخل السريع الفريق محمد حمدان حميدتي؛ والبرهان وحميدتي هما شريكا الماضي في الانقلاب على الرئيس المخلوع عمر البشير عام 2019، وعلى المكون المدني في انقلاب العسكر الثاني عام 2021. وقد قامت الحرب بين الرجلين نتيجة رفض حميدتي دمج قوات التدخل السريع في المؤسسة العسكرية والجيش. وحرب الإلغاء هذه تدفع السودان إلى حافة الانهيار، والوصول إلى الدولة الفاشلة، مع انسداد أفق نجاح أي وساطة تنهي الصراع في معادلة صفرية، لن يخرج منها أي منتصر!.
آخر المنقلبين الجنرال عبدالفتاح البرهان ومحمد حميدتي قائد جماعة الجنجويد السابق، وقائد مليشيات قوات التدخل السريع في السودان، التي تأُسست عام 2013 تحت إشراف الرئيس المخلوع عمر البشير، بعديد 100 ألف مقاتل. وارتكبت جرائم حرب ضد قبائل أفريقية في إقليم دارفور غرب السودان، وهذا دفع محكمة الجنايات الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير.
الانقلابات تطرح كذلك تساؤلات مستحقة؛ عن تداعيات انقلابات العسكر، وتأثيرها على الدول والشعوب في الداخل، وعن دور ومكانة الجيش في مؤسسات الحكم، ومساهمتها في فشل وسقوط الدول في أتون التردي والعوز والفقر والفساد، وحتى تحول الدول لموطئ قدم وأرض خصبة للإرهاب والصراع، إضافة إلى عرقلة تحول الدول إلى مسارها الديمقراطي، برغم وعود العسكر المتكررة والفارغة بالتزامهم بتسليم السلطة للمدنيين، ثم تداعيات الانقلابات بكل أبعادها على أمن المنطقة والجوار بتحولها إلى دولة فاشلة تستقطب الصراعات وتعمق الخلافات.
اعتاد السودانيون على انقلابات متلاحقة، وصلت لسبعة انقلابات عدا عن محاولات الانقلابات الفاشلة. وبالجملة شهد السودان 12 انقلابا وعملية انقلاب فاشلة منذ عام 1958؛ ما أعاق تقدم واستقرار السودان، الذي يمكن له لو كان مستقرا، وساهم العرب بالاستثمار في الأمن الغذائي فيه، أن يكون اليوم بالفعل سلة غذاء العرب، كما كان يتردد في المقولة، التي طالما سمعناها منذ أن كنا طلبة في المدارس.
لا يبدو في الأفق أي وجود لمبادرة فعالة من القوى الكبرى والعربية، والمنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيفاد والأمم المتحدة.
تعرض السودان للتقسيم، واقتطاع جنوبه بإقامة جمهورية جنوب السودان عام 2009؛ تبعت ذلك المواجهة المفتوحة بين السودان ومصر مع أثيوبيا حول سد النهضة، وإصرار أثيوبيا على بناء السد وحبس الماء عن السودان ومصر، وعدم الإيفاء بحصص البلدين. ما جعل السودان في وضع صعب حتى قبل الانقلاب. واليوم مع الانقلاب الذي لم يحسم بعد بين الجنرالين المتقاتلين، أصبح وضع السودان ومصر أصعب تجاه أثيوبيا، ما يهدد الأمن المائي للشعبين، المصري والسوداني، وكذلك استقرار المنطقة بأسرها. خاصة مع كون الدول السبعة المجاورة للسودان تشهد أوضاع أمنية واقتصادية ومعيشية صعبة.
والمؤسف أنه برغم الكلفة الكبيرة للحرب في أسبوعها الثاني من المواجهات الواسعة والدموية والمكلفة، والتي أدت لفرار عشرات آلاف الأسر من الخرطوم، وإجلاء مواطني عشرات الدول وإغلاق سفارات الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة ودول أوروبية، وشبه انهيار للقطاع الصحي ونقص المؤن والغذاء والدواء؛ فإنه لا يبدو في الأفق أي وجود لمبادرة فعالة من القوى الكبرى والعربية، والمنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيفاد والأمم المتحدة. والمفارقة الغريبة عرض إسرائيل استضافة البرهان وحميدتي لحل الخلافات ووقف الحرب!. ومعروف أن إسرائيل ترتبط مع السودان بعلاقات سرية قديمة، منذ أيام جعفر النميري والمساعدة في ترحيل يهود الفلاشا إلى إسرائيل؛ كما طبع السودان مع إسرائيل ضمن الاتفاق الإبراهيمي مع إسرائيل بمبادرة من إدارة الرئيس ترامب عام 2020، ورُفع اسم السودان من قائمة الدول المدرجة على قائمة الداعمة للإرهاب.
يبدو واضحا أن الانقلابات لن تتوقف؛ طالما أن العسكر يرون مصالحهم في السيطرة على الأنظمة، وفرض رؤيتهم بالبقاء في الحكم، دون الاكتراث بتردي أوضاع بلادهم ومعاناة مواطنيهم؛ وهذا ما نشهده اليوم.
واليوم تبدو الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، عاجزة عن تقديم مبادرات ووساطات لوقف الحرب. وخاصة مع تفاقم الأوضاع، ومعاناة الشعب السوداني من نقص جميع الخدمات وانهيار القطاع الطبي ونفاد المؤن.
لكن تناقض الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، يظهر في أنه بدل التلويح بإعادة فرض العقوبات التي رفعت بعد التطبيع مع إسرائيل، وخاصة على القادة العسكريين في السودان، المسؤولين عن التصعيد؛ تتواصل اتصالات وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مع البرهان وحميدتي؛ حتى أن البعض يرى أن العسكر يخدمون وينفذون في انقلاباتهم أجندات ومصالح بالتبعية لقوى ودول إقليمية وكبرى، وهذا يشجع القيادات العسكرية على المضي بخططها.
لذلك يبدو واضحا أن الانقلابات لن تتوقف؛ طالما أن العسكر يرون مصالحهم في السيطرة على الأنظمة، وفرض رؤيتهم بالبقاء في الحكم، دون الاكتراث بتردي أوضاع بلادهم ومعاناة مواطنيهم؛ وهذا ما نشهده اليوم.
بغض النظر عمن سيفوز بحرب الإلغاء بين عسكر السودان، وبسبب كلفة الحرب المدمرة والعبثية على البشر وعلى التنمية واستقرار السودان، وتراجع التحول إلى المسار الديمقراطي، وزعزعة أمن البلد وشعبها وإقليمها؛ فإن الشعوب والتنمية والاستقرار هم الضحايا الرئيسة لانقلابات العسكر، الذين يستمرون بتسديد الأثمان الباهظة. وهذا ما نشهده اليوم في السودان، وما شهدناه ونشهده في الانقلابات السابقة واللاحقة!.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
همام ليس في أمستردام!
لم يكن استدعاء في محله! فعقب الموقف البطولي لأحرار المغرب في العاصمة الهولندية "أمستردام"، استدعى البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي اسم فيلم "همام في أمستردام"، ولا يمكن قبول هذا الاستدعاء إلا من حيث أن "القافية حكمت"، فلم يكن هذا الترويج لفيلم خفيف كالريشة، إلا في...
400 يوم من الحرب
كيفَ تطحنُ الآلة العسكريّة في شعبٍ أعزلَ على مدى أربعمئة يومٍ ويبقى أهلُها على قيد الوجود؟ إنّ حريقًا واحِدًا شَبّ في روما أيّام نيرون قضى على أكثر من عشرة أحياء في روما من أصلِ أربعةَ عشرَ حَيًّا ودمّر كلّ ما فيها ومَنْ فيها. ليسَ صمودًا اختِيارًا وإنْ كان في بعضِه...
ترامب في البيت الأبيض مجدداً
لا شك أن الفوز الذي أحرزه الجمهوريون بقيادة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، والفائز الحالي في انتخابات 2024، يشكل فوزاً تاريخياً، كما قال عنه ترامب نفسه.. هذا الفوز يأتي في مرحلة بالغة التعقيد محلياً ودولياً، حيث يقف المجتمع الدولي فيها على حافة أزمات اقتصادية...
0 تعليق