عاصمة الإمبراطوريات

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 19 مايو, 2024

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 19 مايو, 2024

عاصمة الإمبراطوريات

وُصفت بأنها «نصف العالم»!. كانت عاصمة سياسية لحكومات إسلامية مُتعددة، نافست العواصم السابقة كبغداد ودمشق في نفوذها الإمبراطوري الحضاري؛ وحصلت حديثاً على استحقاق عالمي من منظمة اليونسكو كمدينة للتراث الإنساني. وفضلاً عن ذلك تحكي الأساطير عن جودة تربتها، وعذوبة مائها، وطيب هوائها، واعتدال مُناخها.. لذا سكنها أغلب الملوك والأمراء، واتخذوها عاصمة لدولهم.

من شمال غرب إيران، ومن وسط الهضبة الإيرانية، ومن على ضفاف النهر تطل علينا مدينة «أصفهان».. تلك المدينة التي جعلها الإسلام إحدى أهم وأجمل المدن الإسلامية في العالم في فترة العصور الوسطى وما بعدها.

و«أصفهان» مدينة موغلة في القدم، عرفت الاستيطان البشري منذ عام 2000 ق.م، وتعاقب على حكمها العديد من الدول والحكومات؛ وقد فتحها المسلمون في عهد الخليفة «عمر بن الخطاب» عام 23هـ، بعد أن انتصر المسلمون على الفرس في معركة نهاوند عام 21هـ/ 642م.. وقد اتفقت جُلّ المصادر العربية والفارسية على أن المسلمين فتحوا أصفهان صلحاً دون قتال.

ظلت تابعة للخلافة الإسلامية طوال القرون الثلاثة الأولى، إذ أصبحت عاصمة لبلاد فارس في عهد الخلفاء الراشدين، ثم دخلت تحت سلطة الدولة الأموية، وبقيت في أيدي العباسيين لمدة قرنين من الزمن حتى القرن 4هـ/ 10م.

وقد وقعت أصفهان تحت حكم البويهيين لمدة قرن من الزمن، وكانت عاصمة لدولتهم، وفي عهدهم تطورت المدينة تطوراً كبيراً على المستويات، السياسي والاقتصادي والثقافي والعمراني، وارتفع شأن العلماء الإيرانيين، ومن أبرز علماء ذلك العصر محمد بن زكريا الرازي، وأبو الفضل بن العميد، وغيرهما.

وقد نالت أصفهان أيام السلاجقة مكانة عظيمة بعد أن اتخذوها عاصمة لإمبراطوريتهم، إذ وُصفت بأكبر مدن العالم آنذاك، وشيدت بها أضخم المباني. ولا أحد ينكر الدور الذي قام به نظام الملك في ذلك، إذ قام هو والسلطان، والعمال والأعيان السلاجقة، بتشييد مجموعة من الأبنية الضخمة التي ما زالت آثارها خالدة إلى يومنا هذا.

فترة الازدهار التي شهدتها المدينة في عهد السلاجقة تلتها فترة من الضعف والانهيار، ثم بلغت قمة مجدها ورونقها بعد ذلك في عهد الصوفيين الذين اتخذوها عاصمة لملكهم زهاء قرن ونصف من الزمان.

تميزت أصفهان عبر العصور الإسلامية المختلفة بكثرة المساجد والكنائس، والمآذن والقباب، والمدارس والحدائق، والجسور والقلاع والقصور؛ وتنوعت فيها الفرق والديانات والمعتقدات والمذاهب، وسكنتها أعراق وأجناس متعددة، الفرس والعرب والأكراد، والنصارى واليهود، حتى إنها لكثرة يهودها سميت بـ «اليهودية» في بعض المصادر.

وفي سماء أصفهان لمعت أسماء مجموعة من العلماء في مختلف فنون العلم والمعرفة، فكان منهم ابن حيان الأصفهاني، والمفسر الكبير محمد بن بحر الأصفهاني، والمؤرخ حمزة بن الحسين الأصفهاني، والحسن بن عبد الله الأصفهاني، والأديب اللغوي أبو الفرج الأصفهاني.. وغيرهم من العلماء والمفكرين .

بهذا كانت أصفهان على مر العصور والأزمان مدينة التنوع الثقافي والتاريخي، ومازالت إلى الآن تحتفظ بالكثير من معالمها التاريخية والثقافية والتراثية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان

لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان

كثيرًا ما أمعنت النظر صغيرًا في لوحة زيتية كانت تزين صالون بيت جدي، تتوسطها صورة رجل طاعن في السن والتعب، يحمل القدس على ظهره مربوطة بحبل الشقاء على جبينه ويمشي حافيًا في صحراء من الرفاق. وكبيرًا عرفت أنها لوحة "جبل المحامل" للفنان سليمان منصور، وهي ترمز إلى الشعب...

قراءة المزيد
ذلك يوم عزَّ فيه العرب

ذلك يوم عزَّ فيه العرب

" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات عن النبي الأكرم ﷺ مقولته، عندما ذُكرت أمامه معركة ذي قار التي قادها العرب في جاهليتهم ضد القوات الساسانية الفارسية، وكان النصر فيها من نصيب العرب. وكأن النبي الأعظم يشير- والله أعلم- إلى مفهوم السيادة والحرية لدى العرب،...

قراءة المزيد
Loading...