على مفترق طرق
بقلم: كريم الشاذلي
| 17 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 17 مايو, 2024
على مفترق طرق
“احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، لكنهم من الداخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم..”
شكلت هذه العبارة التي تُنسب إلى المسيح عيسى عليه السلام جزءًا من الحصانة التي أمضي بها في الحياة، هناك لا ريب من يُبطِن عكس ما يُظهر، ولا يحق لي أن أجزع كلما قابلت أحدهم، أو أن أُضيع وقتي في الشكوى والتذمر؛ خصوصًا وأنه – عليه السلام- أوضح لنا طريقة يمكننا من خلالها أن نكشف مثل هؤلاء، وهي ثمارهم التي لا ريب ستنبت مع الوقت، وتظهر في سلوك وأفعال تنبئ عن حقيقتهم المخبوءة.
بيد أن هناك إشكالية أخرى ظهرت لي، معضلة توقَّف ذهني لبعض الوقت في محاولة لفهمها واستيعابها، وهي مشكلة هؤلاء الأمناء الشرفاء الشجعان، الذين قضوا من أعمارهم شطرًا غير هيِّن في تسويق أنفسهم كأصحاب فضائل، ثم نراهم فجأة يبيعون كل ماضيهم ويسيرون في عكس الاتجاه!.
نعم أتعجب – وحق لمثلي العجب- إذ أرى الأمين يخون، والشجاع يجبن، والصادق يكذب.. لماذا ضرب هؤلاء صفحًا عن فضائلهم السابقة، واختاروا لأنفسهم طريقا آخر؟!. وتزيد حيرتي إذ يرفض عقلي فكرة الكذب أو الرياء، هؤلاء بلا شك لم يراؤوا الناس بفضائلهم، إنهم ليسوا من طائفة “الأنبياء الكذبة”، فثمارهم طوال أعمارهم تنبئ عن أصالة، وقناعة بما يحملون، وصدق في توكيد ما يدعون إليه، وبعضهم دفع ثمنًا قد يجبن أحدنا عن دفعه في سبيل الدفاع عن المبدأ الذي نكص عنه اليوم وصار معاديا له! فما الذي حدث؟!.
غالب الظن أن القضية كلها تكمن في أمرين ..
أما الأول فهو الفارق الكبير بين الرجل الشريف والرجل الذي يتحلى بالشرف!. بين من تصبح القيم هي دمه وروحه وجوهر وجوده، وبين من يرى ثمة ميزات في القيم فيختار أن يكون فاضلًا ليجنيها.. الفارق بين من يتعامل مع الفضائل كوسيلة مواصلات جيدة، يركبها حين يحتاج إليها وينزل عنها حينما يجد وسيلة أخرى أكثر ملاءمة، وبين من كانت الفضيلة هي قدمه، تمضي به في ثبات نحو ما قرر وأراد.
هذه الفرضية تضعنا أمام فكرة قد تبدو غريبة نوعا ما، وهي أن إنسانًا قد يحارب مناصرًا قضية ليست قضيته الحقيقية، هو فقط مُعجب بها، أو قد يجد التقدير والثناء من الناس حينما يدافع عنها، فيطيب له الاستمرار فيها.. لكن صاحبنا في لحظة ما – وغالبا ما تكون هذه اللحظة محورية وحاسمة- ينقلب على كل ماضيه! وما بين دهشة بعض الناس، وألم واستهجان ومهاجمة بعضهم الآخر، لا ينتبه الجميع إلى أن الرجل في حقيقته لم يكن منتميا للقضية بالشكل الكافي، كل ما في الأمر أنها قد راقت له ردحًا من الزمن، ثم انتهى الأمر!.
تأمل معي جيدًا نماذج عدة ممن انقلبوا على مبادئهم، وما أكثرهم حولنا الآن!. الصحفي، وعالم الدين، والسياسي، والمفكر، والأستاذ الجامعي، والقاضي.. نماذج لن يتعب ذهنك في استحضارها، ستجد أنها ناضلت كثيرًا وطويلًا من أجل الحق والحرية والكرامة، بينما هي اليوم لا تجد حرجًا في الدفاع عن عكس كل هذا. صدقني، بعض هؤلاء لم يكونوا كاذبين، كانوا مُعجبين بإعجابنا بهم.. ثم انتهى الأمر.
ذا تفسيري الأول.. أما تفسيري الثاني فيذهب إلى أن هؤلاء – أو بعضهم- كانوا عظماء، وشجعانًا، لأنهم لم يُختبروا ..!
نعم.. فكل البشر أمناء شرفاء صادقون حتى يُختبروا، وعند الاختبار يظهر المعدن الأصلي، تصبح الصورة أكثر وضوحًا. والاختبار قد يكون فتنة سراء أو ضراء، سوط جلاد أو شيكًّا على بياض، تهديدًا بالسجن أو وعدًا بكرسي وزارة.. المهم هنا أنه خاطب فيهم نقطة الضعف التي عاشوا دهرًا يخفونها عنّا.
قالوا قديما: “لا تحكم على طباع أحد حتى تجربة وقت الغضب”.. فحسن المعشر واللطف أمور يسيرة حال صفاء البال، لكنها بعيدة عن الرجل الغاضب، اللهم إلا إذا كان لديه من الانضباط والنضج الشيء الكثير. وعليه أقول: ولا تحكم على شخص حتى تراه حال الفتنة، فحينها يظهر المخبوء من الضمير.
بقي أن أقول ..
إننا لا نحكم على الناس بقدر ما نتعلم من دوران الدهر عليهم، وتبدل أحوالهم.. ولذا صار لزامًا علينا أن نعي جيدًا أهمية أن لا نحسن الظن في أنفسنا كثيرًا، أن يكون لدينا نوع من الخوف المحمود من أن تكسرنا فتنة فنبيع يومًا ما عشنا دهرًا نحارب من أجله، وأن علينا أيضًا أن نراجع صدق دوافعنا وحقيقة إيماننا بما ندعو إليه .
فإننا في زمن العجائب هذا.. لسنا في مأمن والله!.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق