لستم عُراة يا أهل غزة.. بل نحن العُراة!

بواسطة | ديسمبر 12, 2023

بواسطة | ديسمبر 12, 2023

لستم عُراة يا أهل غزة.. بل نحن العُراة!

تتناول هذه المقالة تطورات الصراع في قطاع غزة، حيث تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الفلسطينيون، وتحليل لموقف العرب والمجتمع الدولي في مواجهة هذه الأحداث المأساوية.

تحديات واقع الصراع في غزة: بين الإهانة والصمت العربي

(1)
المدافعون عن “حماس” بذلوا كل جهد للتأكيد على أن صورة المعتقلين الفلسطينيين العُراة في غزة، ورؤوسهم مُنكّسة وهم محاطون بالهمج من الجنود الإسرائيليين، ليست لـ “حمساويين” بل لمواطنين عاديين.. ودون أن يدري هؤلاء بدا موقفهم -دون قصد بالتأكيد- وكأن الإهانة مقبولة للمواطن، مرفوضة لعضو حركة المقاومة.
 بينما “صهاينة العرب” وخونتهم وأقذر من أنجبت بطون أمهاتنا، رددوا كعادتهم رواية “أولاد عمهم” في تل أبيب بأن العُراة الحُفاة مكسوري الهامات، هم من مقاتلي “حماس” المهزومين المدحورين.
(2)
لا هذا الطرف ولا ذاك وضع في اعتباره بأنه ليس المهم إذا كان هؤلاء من “حماس” أو أي فصيل مقاوم.. إنها حرب غير متكافئة؛ في جهة منها فصائل وجماعات وأفراد يمثلون ذرة الكرامة الباقية وسط أمة وجودها مثل عدمها، وفي الجهة الأخرى جيش مدجج عدداً وعتاداً وتسليحاً.. وارد جداً أن يقع بعض المقاومين في أسر جيش نظامي مدعوم ممن بيدهم مفاتيح العالم، جيش ما هو إلا عصابة لا تعرف معنى شرف الحروب ولا مبادئ القتال، ولا تعترف بالقوانين الدولية المنظمة لمعاملة الأسير أو المعتقل.
ليس المهم أبداً إذا كان من ظهروا في الصورة مقاومين عسكريين، أيّاً كانت خلفيتهم الدينية أو مرجعيتهم الفكرية، أو مدنيين مؤيدين لفصيل إسلامي أو شيوعي اختطفهم الاحتلال من الشوارع و مدارس اللجوء في القطاع؛ المهم أنهم – وبينهم الصحفي ضياء الكحلوت، مدير مكتب صحيفة العربي الجديد في غزة- “بشر” لم يفعلوا شيئاً يستحقون عليه هذه الإهانة.
(3)
لكن ..
الإهانة الحقيقية هى لمن يشمت فيهم، التعرية الأكبر طالت من هو في موقع المسؤولية في الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة، ولم يهزه المشهد ويُحرّك فيه النخوة والشهامة اللتين لا نجد غيرهما نتغنى بهما في تاريخنا!
إذا تحركت هذه النخوة وتلك الشهامة في أمّة العرب، وجعلت الدماء تفور في العروق بالفعل، ولم يكن الأمر كلام ليل تطلع عليه شمس الصباح فيكون نسياً منسياً، لكانت هناك خطوات ومواقف ملموسة لوقف كارثة حرب الإبادة التي تتواصل للشهر الثالث ضد نحو مليونين ونصف المليون من البشر، قادهم حظهم العاثر إلى التواجد بين مطرقة جيش وعصابة متطرفة، وسندان أشقاء حوّلوا “الدم إلى ميَّة” وراحوا يتفرجون على استباحة إخوتهم.
النخوة عند “عرب 2023” مجرد فورة من التأثر اللحظي، نتيجتها أن يخرج  مسؤول بتصريح عنتري سرعان ما يلحسه، أو يُنفِّس أحدهم مثلي عن غضبه في مقال أو منشور على وسائل التواصل بلا أثر أو تأثير، أو يأخذها مواطن شريف ثالث من قصيرها فيفرد سجادة الصلاة، ويجلس عليها رافعاً كفَّيه للسماء بالدعاء على الصهاينة أن “يورِّينا” الله فيهم يوماً بلا ملامح، لا تطلع له شمس ولا يظهر فيه قمر، وأن نشوف نتنياهو وعصبته وقد فرمهم قطار خط حيفا- سديروت.. ثم بعد ذلك يعود كل نموذج من هؤلاء إلى فرشته هادئاً مطمئناً أنه فعل ما يقدر عليه، ولم يُقصّر في نصرة أهل فلسطين.
(4)
حينما شن الصرب في أوائل التسعينيات من القرن الماضي حرب التطهير العرقي والديني ضد شركائهم السابقين في يوغسلافيا، الذين قرروا الانفصال بعد هوجة تفكك الاتحاد السوفياتي وتحلل المنظومة الاشتراكية، هبّ الغرب فلم يسمحوا للصرب الأرثوذكس، بمحو الكروات الكاثوليك من الوجود، فتوقفت الهجمات ضد كرواتيا، وكذلك ضد سلوفينيا؛ بينما تركوا القتل ضد البوشناق المسلمين. واللافت وقتها أنّ نفراً من العرب صمتوا على المذابح ضد أهالي البوسنة والهرسك، كونهم – هذا النفر- حلفاء سابقين ليوغسلافيا ووريثتها صربيا.. هؤلاء أنفسهم يصمتون الآن، ويبررون المذابح والإبادة ضد غزة، لأنهم مطبِّعون حالياً وحلفاء مستقبلاً لدولة “إسرائيل الشقيقة”.
(5)
لنكن صرحاء ونسأل: كم عدد من يتحرك من العرب منذ بدء الحرب لمحاولة وقفها، ويدعم أهل غزة؟ دولة؟ اثنتان؟! ثلاث دول على الأكثر. فأين الباقي؟ وما دورهم؟
إذا خرج عليك مسؤول حكومي مُتهماً المقاومة بأنها سبب الكارثة، وأنها بدأت الحرب، فقل له “أنت كذّاب في أصل وشّك”؛ إذ إن من يختزل تاريخ الصراع، فيجعله يبدأ من 7 أكتوبر 2023، متجاهلاً عقوداً طوالاً من المذابح والعدوان والاحتلال والطرد والتهجير، هو خائن وصهيوني أكثر من مجلس الحرب الإسرائيلي.
لو شاهدت صاحب قرار  يمسك العصا من المنتصف، ويعبر عن تضامنه مع أهل غزة وأسفه لما يحدث فيهم، ثم يباغتك وقد تحوَّل إلى نسخة مشوَّهة من نزار قباني: “فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا.. وإن من فتح الأبواب يغلقهــا.. وإن من أشعل النيـران يطفيهــا”، فكل ما عليك أن تنزع العصا التي يمسكها من يديه، وتضعها في.. عينه!
(6)
 ليس صحيحاً أن 22 دولة عربية لا تستطيع فعل شي، وأنها دول غلبانة مكسورة الجناح في عالم دولٍ متوحشةٍ لا ترحم؛ ومقولة أن الدول العربية لا تملك أي أوراق ضغط أو مساومة، هى كذبة يروِّجون لها حتى يكون المواطن العربي مهزوماً نفسياً، ويرضى بما هو فيه من هوان، وبما عليه حكومته من قلة حيلة.. ليس صحيحاً أن أمتنا ضعيفة، وهى تنفق عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية الخضراء الصابحة على التسليح.
إذا أرادت الدول العربية “مجتمعة”، اتخاذ موقف ملموس لوقف الحرب من أول يوم لاستطاعت لأكثر من سبب:
 أولا: هي لن تكون وحدها في هذا الموقف، بل معها كثير من الدول الإسلامية، وغيرها من عواصم كبرى لا تريد للولايات المتحدة أن تسيطر على الشرق الأوسط بتقوية شوكتها وكلب حراستها الإسرائيلي في المنطقة.
ثانياً: هل يُعقل أن مساحة شاسعة تبلغ 14 مليون كيلو متراً مربعاً، تقع في أهم موقع عالمي بين قارات الدنيا، وعليها قوة  بشرية هائلة، وفيها ثروات لا حصر لها، وتضرب بجذورها في عمق التاريخ، وتملك حضارة تمثل إرثا لأجيالها لو صح استغلالها.. كل هذا وليس بيدها أو في جيبها ورقة ضغط على من يقف وراء إسرائيل؟
(7)
يا مسؤولي الأمة..
إذا كنتم استسلمتم لفكرة الضعف والهوان، وإذا كان فلاسفة السياسة ومستشاروكم وحواريوكم ومن يشيعون في النفوس روح الاستسلام والعجز يبررون لكم خذلانكم لفلسطين، التي هى عمق استراتيجي لكل العرب العاربة والمستعربة و”المتصهينة”، بدعوى أن “اللي إيده في الميَّة مش زي اللي إيده في النار”، فإن أحداً لن يقول لكم اذهبوا إلى غزة فقاتلوا، أو تعلموا معاني “الإرداة” و”المبادرة” و”الإيمان بالقدرة على الفعل”.
لا.. لا تذهبوا إلى غزة، الذهاب إلى غزة مكروه، ويستدعي موافقة الكيان الإسرائيلي، وأنتم طبعاً نفوسكم أبيّة وطلتكم بهية، والموت أهون عندكم من استئذان نتنياهو.
لكن..
أمامكم كهوف تورا بورا؛ خذوا دروساً خصوصية وتحولوا إلى طلبة عند “طالبان”.. اسألوهم: كيف ملكتم الإرادة وأنتم مجرد مجموعات من هنا وهناك، وصممتم على طرد أقوى جيش في العالم من بلدكم؟.. واسألوهم أيضاً: كيف ظللتم 20 عاماً بلا يأس أو استسلام، حتى كأفأتكم السماء،  فانتقلتم من كهوف قندهار إلى قصور كابول؟!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...