فرعون.. عليه السلام!

بواسطة | مارس 17, 2024

بواسطة | مارس 17, 2024

فرعون.. عليه السلام!

عندما حدثت القطيعة بين عدد من الدول العربية ونظام الرئيس السادات، لجأ البعض إلى مجابهة ذلك بالحديث عن “فرعونية” مصر، والبعض هؤلاء كُتّاب وساسة، وقد كانوا طرائق قداداً؛ فمنهم من فعل هذا عن جهل مطاع، ومنهم من دعا لذلك بسوء نية؛ وهم من الذين يريدون انسلاخ مصر من عروبتها، وبالتالي من دينها، وها هي الفرصة جاءتهم على طبق من ذهب!

بيد أن الرئيس السادات، كان واعياً لخطورة هذه الدعوة؛ فرفضها ومن ثم أعلن في خطاب مذاع بطريقته، إن أحداً لا يمكنه أن يُخرج مصر من عروبتها، فالمصريون أصل العرب، لكن الأمر استمر من خلال البعض، وهم أصحاب النوايا الخبيئة؛ وفي رحلة البحث عن مجد نسبوا أنفسهم لفرعون، ولم يعد مفاجأة أن تقرأ وصف أحدهم لنفسه بأنه فرعون، أو حفيد فرعون، جهلاً بالقصد، وقصداً بالجهل!

ومن التسعينيات إلى بداية الألفية الحالية، كان حفيد أحمد لطفي السيد، ينظم في بيته صالوناً لهذه الدعوة، ثم تطور الأمر إلى إنشاء مشروع حزب يحمل اسم “مصر الأم”، يقوم على أن مصر فرعونية في أصلها وفصلها، وبالتالي فالوجود العربي فيها هو احتلال، وعقدت لجنة شؤون الأحزاب جلسة نقاش له، كانت المصادفة أن تأتي في اليوم نفسه الذي عقدت فيه اللجنة جلساتها لمناقشتي في مشروع حزب أيضا تقدمتُ به للجنة هو “حزب التحالف الوطني”، وكانت هذه المرة الأولى التي أراه فيها!

وإذ رُفض المشروعان، فقد لجأت إلى محكمة الأحزاب طعناً في القرار، بينما لم يفعل هو، لأن الرفض قائم على مخالفة الحزب للدستور، وكان يعتقد أن الحكومة ستجامله بالموافقة للحزب من باب المكايدة لجماعات الإسلام السياسي، فإذا كانت قد رفضت المشروع وقرارتها سياسية، فماذا ينتظر من محكمة تحتكم للقانون والدستور بالأساس؟!

مرجعية بديلة:

يدفعنا هذا إلى فكرة المكايدة، التي تقف وراء هذا الانتماء الزائف، فقد بدأ البعض يبحث عن مرجعية مخالفة لمرجعية الإخوان، فهم فراعنة ينتمون لفرعون الجد، وبشكل يوحي كما لو كانت مشكلة فرعون مع الإخوان، أو أن من ذهب إليه ليجادله لم يكن هو سيدنا موسى عليه السلام، بل المرشد العام للجماعة (المحظورة)، يوشكون أن يذكروا اسمه متبوعاً بالقول: عليه السلام، ومنهم من ينطلق في ذلك عن جهل، ومنهم يعلم ويستغل جهل الآخرين، عندما يذكر الفرعون، والفرعونية، والفراعنة، في معركة الانتصار على هؤلاء الغرباء على الحضارة المصرية التي أساسها فرعون وسلالته الطاهرة النقية (عليهم السلام)!

لا يستطع أحد من هؤلاء أن يثبت من خلال شجرة نسبه أنه كان يعيش في مصر قبل الفتح الإسلامي، أو أن جذوره المصرية ضاربة في أعماق التاريخ منذ العصور المتقدمة، وهناك نقطة مهمة هي أن الدفع بأن المسيحيين هم أصل مصر ليس صحيحاً، لأن مصر القديمة سابقة على الأديان، والمصريون القدماء كانوا وثنيين يعبدون الأصنام، ومن عجب أن تصمت الكنيسة المصرية على هذه الدعاوى، كما لو كانت تقف على الحياد، والأصل أنها ليست محايدة!

فمعركة فرعون لم تكن مع محمد بديع، أو خيرت الشاطر، لكنها كانت مع سيدنا موسى عليه السلام، وهى معركة تخص المنتمين للديانات السماوية بشكل عام، فسيدنا موسى هو نبي اليهود، والمسيحيون يؤمنون به ويعتمدون التوراة باعتبارها “العهد القديم”، جنباً إلى جنب مع كتابهم “العهد الجديد”، والمسلمون أولى بموسى من الجميع، ومن ثم لا بأس أن ترفع الفرعونية في مواجهتهم، إنما البأس الشديد أن يظن السفهاء من الناس أنها معركة إخوانية، لذا فإنهم يعلنون اعتزازهم بهويتهم الفرعونية في معركة الاستقطاب التي تمر بها البلاد منذ نكبة يوليو 2013. واللافت أن القوميين أيضاً يلوذون بالصمت.. فماذا بقي لهم من قضايا، غير شغفهم بالسلطة، فساهموا في هزيمة الثورة بسبب هذا الشغف، وكانوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!

لا بأس البتة، وإن صلوا لفرعون وصاموا.. غاية ما يهمنا في هذا الأمر هو وقف هذا الجهل النشط، ولا أعتبره في من أعلن عن نفسه على منصة “إكس” باسم “حفيد فرعون”، فالجهل من هذا النوع يستحق أن يوصف به من أخذ يدافع عنه بينما أنا أجادله فيلتزم الصمت، بأننا كإخوان نريد أن نهيل التراب على الحضارة الفرعونية استناداً لأفعال فرد واحد هو فرعون!

لا مانع من كفره:

ليس لدى هذا “الحفيد” أزمة في أن يكون جده كافراً، ما دام رجلا قوي الشكيمة لم يأبه بدعوة أحفاد سيدنا موسى – وهم الإخوان- له لعبادة الله!

وجهل هؤلاء يحول دون فهم الراوية كاملة، ففرعون هذا لم ينجب ليكون له أحفاد، وإن ثبت نسب أحدهم لهذا العهد، فهو امتداداً لمن كان فرعون يستعبدهم ويذبح طائفة منهم ويستحيي نساءهم، ثم إن هذا العتل الزنيم “سيئ الذكر”، تبين أنه “تنبل”، لا يجيد العوم، مع أن الأنهار كانت تجري من تحته، وانتهت حياته بالموت غرقاً، ولم يصمد ولو مثل صدام حسين، ولكنه هلع قبل أن يدركه الموت فتودد إلى سيدنا موسى وأتباعه، وقال آمنت برب موسى وهارون.. يا له من إمعة!

وإذ تمدد سالف الوصف بأن الإخوان يريدون تشويه وإنكار الحضارة الفرعونية لمجرد موقف واحد من السلالة هو فرعون موسى، لاسيما في الجانب الخاص بعدم إجادته للعوم، فإن الجهل هنا يثبته عدم وجود شيء اسمه الحضارة الفرعونية، أو شيء اسمه السلالة الفرعونية، ولكن التاريخ عرف المصريين القدماء (لا الفراعنة)، وأنه في زمانهم لم تكن هناك سلالة نقية اسمها المصريون، فقد جاء إلى مصر البطالمة، والهكسوس، وأهل بيزنطة، والناس من كل الأصقاع، وشكلوا أُسَر حُكم اندمجت مع أهل البلد الأصليين، الذين لم يكونوا هم أيضاً من سكان هذه المساحة الجغرافية التي تسمى مصر، مع خلاف بين المؤرخين بشأن مجيئهم، أهو من أفريقيا أم من غيرها؟!

إن سرَّتك شجاعة فرعون في كفره، فعليك أن تعلم أنه مات غريقاً، فاذهب للأخذ بالثأر من سلالة سيدنا موسى ومن تبعه من الناجين، ولم يكن أحد منهم من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين!

تقدم يا دكر….. البط!

2 التعليقات

  1. عبدالله محمود ابراهيم عمار

    مقال يقذف بالحق اتباع فرعون

    الرد
    • محمد عبدالشكور أحمد

      مقال محترم يا دكتور لعلهم يفقهون لقد زودوها قوى باعتبارهم يكيدون للإخوان ناقص إعلانهم الكفر

      الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...