في وداع العصفور الأزرق
بقلم: سعدية مفرح
| 3 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: سعدية مفرح
| 3 أغسطس, 2023
في وداع العصفور الأزرق
ما الذي سيفعله ديكتاتور تويتر في منصة الحرية؟!.
لا أنكر أنني شعرت بما يشبه حالة الفقد، وأنا أرى عصفوري الأزرق الصغير وهو يتلاشى تدريجيا من على شاشة الآيفون الخاص بي، بعد أن حدثته قبل أيام.
أفارق تويتر بأيقونته الشهيرة ولونه الأزرق، بعد رفقة ما يقرب من 13 عاما، لأستقبل بدلا منه ومنها علامة “إكس” باللون الأسود، مع احتمالات مشوشة حول ما يمكن أن يتغير في المنصة الأثيرة بالنسبة لي، بالإضافة الى العصفور الصغير والزرقة الأخاذة. وحتى اللحظة لا أدري كيف استطاع إيلون ماسك، سيد منصة تويتر، التضحية بذلك العصفور الذي كانت له القدرة على المساهمة بكثير من التغييرات التي ألمت بالعالم كله، منذ أن قدمه مكتشفه جاك لأول مرة في العام 2006؛ وكيف واتته الجرأة على ذبح العصفور ذي الدماء الزرقاء في سبيل خطين أسودين يتقاطعان في المجهول، فقط لأنه كان قادرا على دفع الثمن مضاعفا؟.
لكن يبدو أن العالم قد اعتاد على اقتحامات ماسك المدهشة في عالم التكنولوجيا، وبالتالي لن ينشغل هذا العالم بالتنبؤ حول ما يمكن أن يحل بشعب تويتر بعد اليوم. لقد توهمنا ونحن نثب في تلك المنصة الرشيقة أننا قد أصبحنا أحرارا إلى حد كبير في مخاطبة بعضنا بعضاً لأول مرة بهذه السهولة والسرعة والشمولية، ولم نكن ندري أن المنصة التي منحتنا الحرية ستتحول على يد مالكها الجديد إلى سجن كبير جدا، ربما يتسع للعالم كله، حيث يمارس الجميع حرياتهم بحدود ما يرسمها لهم السيد الكبير، الذي يهيمن على منصته بقرارات وتغريدات لا يمكننا الاعتراض عليها، وإلا أصبحوا خارج هذه الحرية المتوهمة.
يتميز عالم تويتر بأنه عالم اجتماعي يمكن استخدامه للتواصل والتفاعل بين الأفراد والمنظمات، وتمتلك هذه المنصة قدرة على توجيه الرأي العام، وتفعيل تأثير الحوار العام في العديد من القضايا. وفي نوفمبر 2021، أعلن إيلون ماسك، الملياردير المعروف ورائد الأعمال والمؤسس المشارك لشركات كبيرة ومعروفة، مثل تسلا وسبيس إكس، شراءه لتويتر مقابل 44 مليار دولار أمريكي؛ ثم لم يلبث أن حولها، لسبب غير مفهوم حتى الآن، إلى منصة إكس.
وأثار هذا الاستحواذ اللافت، وغير المسبوق حجما، العديد من التساؤلات حول ما إذا كان ماسك سيؤثر على الحرية الشخصية وحرية التعبير في المنصة، التي كان يحلو للبعض أن يسميها منصة الحريات، وإلى أي مدى سيتحكم في الحوار والرأي العام فيها. ورغم أن هذا الأمر ما زال غير واضح بدوره، خاصة وأن قرارات ماسك مفاجئة غالبا، فهي تأتي بلا مقدمات، وحدث لمرات كثيرة أن تراجع عنها بعد ساعات أو أيام بعد اكتشافه عدم جدواها بالنسبة له؛ فإن التوقعات مستمرة.
لقد كان تويتر عالما يُستخدم لتبادل الأفكار والآراء وتحويل الرأي العام، ويمكن للمستخدمين الاستفادة من هذه المنصة للتعبير عن أنفسهم والتواصل مع الآخرين، فهو منصة مهمة وحيوية في عالم الاتصالات الحديثة، ويمكن أن يؤدي استخدامها إلى تحويل الرأي العام وتحسين تفاعل المجتمع، وقد تكرر حدوث هذا؛ ونحن كعرب نتذكر الدور الذي اضطلعت به هذه المنصة، على سبيل المثال، في أحداث الربيع العربي وما تلاها من تداعيات في مختلف البلاد العربية؛ ففي تلك الأحداث كان تويتر، وبدرجة أقل وسائل تواصل اجتماعي أخرى، الطريق الأسهل والأشهر للتداعي الجماهيري الفوري، خاصة وأن المستخدمين لم يكونوا معتادين بعد على حجم الحرية التي منحتها لهم هذه الوسائل التواصلية الجديدة، بالإضافة إلى سهولة استخدامها ومجانيتها وتوافرها لدى الجميع تقريبا؛ لذلك سرعان ما تحولت إلى أدوات لتعزيز الحرية، ووسائط للإعلام ونشر الأخبار أيضا، فكانت بديلة عن الصحافة التقليدية المثقلة بقيودها الرسمية وغير الرسمية.
لكن تويتر تحديدا شهد تحولات كبيرة منذ استحواذ رجل الأعمال إيلون ماسك عليه؛ فبينما تحتفظ المنصة بقدرتها على تسهيل المحادثات العالمية ونشر الأخبار أولا بأول، ظهرت مخاوف بشأن مدى تأثير ماسك الديكتاتور، وتأثيره على استقلالية المستخدم وحريته الآخذة في التقلص حاليا.
ونحن نتذكر أن موقع تويتر عندما ظهر في عام 2006، سرعان ما اكتسب شعبيته العارمة كمنصة تمكن المستخدمين من التعبير عن أفكارهم بحرية والانخراط في الخطاب العام، ما جعل تويتر يفتخر دائما بالتزامه بحرية التعبير وتعزيز مجموعة متنوعة من الأصوات. لكن سمعة إيلون ماسك كرائد أعمال طموح، ومدون نشط على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وديكتاتور عصري بسلطات غير تقليدية تشمل الكرة الأرضية بأسرها؛ أشياء أظهرت مخاوف الجميع، خاصة وأن ماسك انخرط في سلسلة من التغييرات الكبرى، التي أثرت على المنصة شكلا وموضوعا، وصولا إلى تغيير اسمها وأيقونتها الشهيرة.
وبينما يرى البعض أن طبيعة ماسك الصريحة والتواصلية مع متابعيه ومستخدمي منصته قد تضفي على تويتر/ إكس حيوية جديدة، يشعر البعض الآخر بالقلق من أن تأثيره قد طغى على الغرض الأصلي للمنصة. ولعل أحد أهم وأخطر تأثيرات ماسك على تويتر/ إكس هو قدرته على تغيير الخطاب العام بسرعة؛ فتغريداته التي تتراوح ما بين الاختراقات التكنولوجية إلى البيانات المؤثرة في سوق المال والأعمال، تحظى بقدرة على المساهمة الفعالة في تشكيل الرأي العام، وحتى التأثير على الأسواق المالية. ويجادل بعض المتابعين بأن تركز سلطة من هذا النوع الحيوي في يد فرد واحد قد يقوض الطبيعة الديمقراطية التي تمتاز بها منصات التواصل الاجتماعي.
مصدر قلق آخر يكمن فيما يمكن أن يحل بسياسات الاعتدال في تويتر/ إكس؛ فبصفته مالك المنصة، يتمتع ماسك بسلطة التأثير على سياسات المحتوى وكيفية ظهوره، وهو ما أثار تساؤلات حول التزام المنصة بحرية التعبير، وما إذا كان يمكن قمع أصوات معينة أو تضخيمها بناء على تفضيلات ماسك الشخصية. ويلاحظ المستخدمون -وأنا منهم- إشارات على ذلك بالفعل، إذ أصبحت تظهر لنا تغريدات معينة ومقصودة لذات محتواها بإلحاح كبير رغم أننا لا نتابع أصحابها، وهذا يعني أن الحرية التي صدقنا أننا نملكها في تويتر ليست كل الحرية، ولا الحرية وحدها!.
علاوة على ذلك، اكتسبت المنصات البديلة، التي تعطي الأولوية للشبكات الاجتماعية اللامركزية والمقاومة للرقابة زخما في السنوات الأخيرة؛ وتوفر هذه الأنظمة الأساسية بديلا لنموذج تويتر المركزي، ما يوفر للمستخدمين مزيدا من التحكم في بياناتهم ومحتوياتهم، وقد يشكل ظهور مثل هذه المنصات تحديا لهيمنة تويتر/ إكس، إذا تمكنت من معالجة المخاوف التي نشأت في ظل ملكية ماسك بنجاح.
ورغم ما أشرنا إليه من غموض نسبي في مستقبل المنصة حتى الآن، يبقى التأكيد بأن قدرتها على تحقيق توازن بين الاستفادة من تأثير سيدها الجديد للمشاركة الإيجابية، ومعالجة المخاوف بشأن تركيز القوة بين يديه، هو التحدي الأكبر لها في ظل انتشار منصات جديدة تحاول أن تستقطب بعض مميزاتها وبعض مستخدميها أيضا.
ننتظر لنرى!. ومن يدري؟ ربما يعود العصفور الأزرق على شجرته العالمية قريبا، في واحدة من تراجعات إيلون ماسك الكثيرة!.
مستشارة ثقافية من الكويت
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق