لا أشعر أني مخطئ ..

بواسطة | أبريل 16, 2024

بواسطة | أبريل 16, 2024

لا أشعر أني مخطئ ..

في ليل السبت إلى الأحد الماضي حدث هجوم واسع لم يحدث من قبل، بطائرات مسيَّرة وصواريخ من إيران على إسرائيل، ردا على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق منذ حوالي أسبوعين .

 عرفت بالهجوم الإيراني من صفحات السوشيال ميديا وخاصة الإكس (أو تويتر)، وجدت نفسي أتابع بشغف ما يقال لمدة ساعتين قبل أن أنتقل إلى شاشة قناة الجزيرة لأتابع الأمر بكل جوانبه.. ظهرت على السوشيال ميديا آراء كثيرة تعتبر ما فعلته إيران تمثيلية ستنتهي إلى لا شيء، وخاصة أن إيران نفسها كانت قد أعلنت أنها أخبرت أميركا بأنها ستقوم بالرد، وأنها ستكتفي به ولن تعود إليه إلا إذا قامت إسرائيل بالرد عليها.. كذلك لم يثق الكثيرون بإيران بسبب تدخلها في سوريا ومؤازرتها لجرائم نظامها السياسي في حق الشعب السوري، أو بسبب أنها تعتنق المذهب الشيعي، ويجد أتباع غير هذا المذهب الكثير من المعاناة هناك. وفي المقابل طبعا هناك من تحمس للرد، وأعلن أن إيران تفعل ما لم يفعله غيرها من الدول العربية والإسلامية وستهزم إسرائيل.

وجدت نفسي على الشاطئ وحدي، لم أدخل في الجدل الدائر ولم أُبدِ فيه رأيا.. تركت السوشيال ميديا وجلست أمام قناة الجزيرة أتابع ما يحدث، انطلاق الطائرات المسيرة من إيران وتوقيته، وكيف وأين وقعت في الطريق، أو أين وصلت في إسرائيل، وما فعلته القبة الحديدية الإسرائيلية أو الصواريخ البريطانية والأمريكية لحماية إسرائيل. لم تكن النتائج كما يتوقع المشجعون لإيران، وظل من يرون أنها تمثيلية عند رأيهم، لم تكن النتائج كما يتوقع أي أحد، خاصة أن إسرائيل عملت كعادتها على إخفاء شيء من خسائرها أو أكثرها.

وحين سمعت عن اجتماع عاجل لمجلس الأمن لم أندهش، فهذا المجلس الذي تستطيع دول مثل أميركا أو إنجلترا أو فرنسا أن توقف أي قرار فيه تراه ضد الصهيونية، سيتحرك بسرعة من أجل إسرائيل .هذا المجلس لم يفعل من قبل شيئا لصالح الفلسطينيين، الفلسطينيين الذين تتم إبادتهم؛ وتتواصل إبادة غزة منذ أكثر من سبعة أشهر دون أن يصدر قرار إنساني ملزم لإسرائيل، كإيقاف الحرب أو دخول مساعدات أو ما يشبه ذلك، وهي قرارات شكلية تتمرد عليها إسرائيل مهما كانت عباراتها إنسانية.. لم أهتم بما سيفعله مجلس الأمن، سواء أدان إيران أم طالب بوقف التوتر بين الدولتين، إيران وإسرائيل.

ظللت أتابع الشاشات راجيا من الله أن تنجح طائرات إيران المسيرة وصواريخها بالوصول إلى إسرائيل، ورغم إسقاط أغلبها في الفضاء ظللت أتمنى.. تذكرت حياتي وأنه لا يمكن أن تتغير معتقداتي عن الكيان الصهيوني الذي وُضع في المنطقة لتظل في حالة تخلف، تذكرت الحروب وما دفعناه كمصريين أو سوريين أو لبنانيين أو كعرب من ضحايا، تذكرت مذابح إسرائيل بحق الفلسطينيين قبل وبعد حرب 1948 التي يطول ذكرها، تذكرت حقيقة أن كل اتفاقيات السلام معها ومع بعض الدول العربية – وأولها مصر- لم تجعل إسرائيل تتوقف عن طرد الفلسطينيين من أرضهم، ولم توقف مذابحها فيهم.. حتى اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية نفسها لم تؤثر فيها، لم تسمح إسرائيل أبدا بقيام دولة فلسطين، الذي فيه – وهو اعتراف بحق الفلسطينيين الطبيعي- اعتراف بحق إسرائيل المزعوم في الاحتلال، هي التي ترى أنها مهما طال الزمن ستعمل على تحقيق دولتها الخرافية من النيل إلى الفرات.

لم أشغل نفسي بأي رأي سياسي في ما فعلته إيران سلبا أو إيجابا، لكن ظللت أرجو أن أرى صواريخها تسقط على سكان إسرائيل، ليعرفوا معنى الإبادة التي يمارسونها ضد الفلسطينيين على مدار ما يقرب من ثمانين سنة.. لا مدنيين في إسرائيل، فكل سكانها من الصهاينة يتحولون إلى عسكريين في أي وقت. تابعت مسيرة الطائرات الإيرانية المسيرة والصواريخ فلم يحدث أن سقطت على المدنيين، لكن الهلع كان حاضرا، وصفارات الإنذار لم تنقطع في فضاء إسرائيل. انتهى الأمر وبدأت التحليلات السياسية، بدأت أميركا بالطلب من إسرائيل أن لا ترد حتى يتوقف القلق الذي يمكن أن يشمل العالم إذا اتسعت الحرب؛ كذلك طالبت دول عربية بإنهاء التوتر، وأعلنت إسرائيل أنها سترد.. ستفعل حقيقة أم هو حديث لتهدئة الغاضبين فيها من سياسة نتنياهو ورجاله؟ لا فرق!.

وسط هذا العالم الذي تحرك كنتُ سعيدا بأن ترى إسرائيل من يستطيع تهديدها على هذا النحو، رغم أني أعرف جرائم إيران في سوريا، وليس لأني لا أعادي الشيعة بحكم كوني من السنة، فأنا لم أؤمن قط بأي معنى لهذا الصراع بين السنة والشيعة، غير الخلفيات السياسية التي تنجح في البلاد الديكتاتورية في استخدام الدين لتحريك الجماهير، الخلفيات السياسية هي التي كانت وراء هذا الصراع طوال التاريخ منذ معركة صفين بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب.. الخلاف في فهم الدين أو استخدام هذا الفهم هو أسرع حصان في الحروب.

والآن، هل ستتعظ إسرائيل وتدرك أن الهجوم عليها يمكن أن يحدث يوما ما؟ إذا لم تتعظ حكوماتها وحكامها سيتعظ كثير من سكانها، وأولهم سكان المستعمرات. الفكرة التي هي في الفضاء الآن ستستقر مع قليل من العقل، وهي أنه في الشرق الأوسط  لن يتم قبول وجود الكيان الصهيوني مهما طال الزمن، مهما بدا من قدرة إسرائيل ومن يساندها، ستجد أعداءها في كل زمان مهما طالت الهدنة، هي الكائن الغريب نشأة وسلوكا علينا نحن العرب، وفي القلب منا فلسطين. شعوري أني لم أكن مخطئا في سعادتي بالهجوم على إسرائيل حتى لو انتهى إلى الفشل ظل معي، ليس لأنه أيقظ الحلم في إمكانية الرد على الصهاينة فقط ، لكن لأنه أيقظ الحقيقة في أنهم كيان غاصب يمكن أن يأتيه العقاب.

في السياسة لا شيء ينتهي في يوم وليلة، وحتى الإمبراطوريات القديمة التي كانت أكبر من إسرائيل هزمها الزمن، لأنها توسعت في غير بلادها، فما بالك بمن جاؤوا من الشتات في العالم جريا وراء حلم صنعته أساطيرهم لا الحقائق، وصنعته دولة مثل إنجلترا لتشق الصف في العالم العربي الذي أدركت مبكرا أنه سيخرج من عباءة احتلالها واحتلال غيرها من الدول لبلادنا العربية، دول – مثل فرنسا وإيطاليا- شاركت إنجلترا احتلال العالم العربي يوما ما منذ القرن التاسع عشر.

هكذا عشت أتمنى أن أرى يوما تخسر فيه إسرائيل، أو تذوق شيئا مما تفعله بأهلنا في فلسطين، عشت أتمنى أن يتحقق هذا اليوم ويكبر الأمل، رغم أي خيبات أو هزائم كانت لنا.. وقفت على هذا الشاطئ وحدي  ليل السبت حين حدث الهجوم الإيراني، رغم أن الهجوم الإيراني لم يحقق خسائر كثيرة لإسرائيل، وسأظل أقف عليه ما بقي من العمر ولا أهتم بأي خلافات مع من يهاجم إسرائيل، فكل شيء مؤجل أمام عدو تاريخي يُقيم بنيانه على أوهام وأساطير، ويعمل منذ عشرات السنين على إبادة شعبنا العربي في فلسطين.

1 تعليق

  1. سمير لوبه

    كنت على ذات الشاطئ أقف

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...