لقاءات سريعة في الفضاء الباقي
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 21 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 21 مايو, 2024
لقاءات سريعة في الفضاء الباقي
صرت أتردد كثيرا بشأن السفر إلى الإسكندرية التي لم أعد أجدها!. تقريبا، أسافر مرة أو مرتين في العام لأشارك في إحدى الندوات أو الملتقيات، ولكن مهما كان موضوعها عظيما، فالمهم عندي هو الوقت الذي أُمضيه مع أصدقاء قدامى أو جدد، أو محبين لقراءة أعمالي من الشباب.
خلال العام السابق سافرت مرتين تلبيةً لدعوة من مكتبة الإسكندرية.. في الخامس من مايو الجاري سافرت بدعوة من جماعة أصدقاء مكتبة الإسكندرية وقصر ثقافة الحرية للإبداع، لأمضي يومين مع ملتقى السرد العربي الأول؛ سعدت بأنهم يسمّونه قصر ثقافة الحرية للإبداع، وهو الاسم الذي عرفناه به في نهاية الستينيات من القرن الماضي، وظل لفترة طويلة في السبعينيات حتى صار اسمه قصر الإبداع.
هذا القصر كان يوما “نادي محمد علي للصفوة” وتم تأميمه، وهو المكان الذي تم فيه عرض أول فيلم سينمائي في العالم عام 1895، وهو فيلم الأخوين لوميير الفرنسيين، وحدث ذلك بعد عرض الفيلم في باريس بوقت قصير، وبعدها عرفت السينما طريقها إلى الإسكندرية، ومنها خرجت إلى القاهرة ثم إلى عموم مصر، وفي هذا حديث يطول وكتب ومقالات للسينمائيين والمؤرخين، أقلها كتابي “أنا والسينما”.
من الطريف أن هذا القصر الثقافي يقع في شارع فؤاد، والإشارة طبعا إلى اسم الملك أحمد فؤاد، وأسموه بعد ثورة يوليو “طريق الحرية”، ثم أسموه “شارع جمال عبد الناصر”، ونسوا يوما لافتة مكتوبًا عليها “شارع جمال عبد الناصر- الحرية سابقا”، لكن لا يزال الناس يطلقون عليه “شارع فؤاد”.
في هذا القصر كنا شبابا في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات نجتمع في ندوة يوم الاثنين، تديرها سيدة فاضلة تعمل بالقصر هي عواطف عبود، ونقرأ قصصنا ويأتينا كُتّاب مشاهير من القاهرة يناقشون أعمالنا، ومنه خرجت أسماء رائعة في الأدب والعلم والفن، مثل محمد حافظ رجب ومصطفى نصر وسعيد سالم ورجب سعد السيد والسيد حافظ، وتلاهم كثيرون أيضا بعد أن غادرت أنا الإسكندرية إلى القاهرة عام 1974، مثل أحمد فضل شبلول.
ذهبت إلى الملتقى لأنهم سيقومون بتكريمي في لقاء مع خيرة أسماء سَكندرية مثل محمد جبريل ومصطفى نصر والدكتور شريف عابدين، ومن القاهرة يوسف القعيد، ومن دمياط سمير الفيل. كانت الدعوة من أصدقاء مكتبة الإسكندرية ورئيسها حمدان القاضي، ومدير قصر الحرية الدكتور وليد قانوش، والدكتورة سحر شريف أستاذة الأدب الحديث بكلية آداب الإسكندرية ومقررة الملتقى.
كنت أعرف أني سأقابل شخصيات هامة في فضاء الإسكندرية، منها أو ممن تمت دعوتهم إليها، مثل الدكاترة والأساتذة والأدباء بهاء حسب الله، رشاد بلال، منير عتيبة، أحمد فضل شبلول، ندى يسري، محمد عبد الحميد خليفة، جابر بسيوني، محمد عباس علي، نور عابدين، حسين حمودة، علي اليماني، رانيا يحيى، السعيد الورقي، وداد نوفل، إيهاب بديوي، سالمة المغربي، سارة قويسي، فاطمة الزهراء بخيت، وغيرهم ممن لا يكفيهم الحديث عن قيمة ما يكتبون، أو يقدمون من أعمال نقدية وإبداعية في الجامعات المختلفة أو في الحياة.
كانت الندوات رائعة شرّفها بالحضور أساتذة لم يتحدثوا، لكن كان لوجودهم بهجة كبيرة، مثل الدكتور فتحي أبو عيانة أستاذ الجغرافيا البشرية في كلية آداب جامعة الإسكندرية، وصاحب المؤلفات الهامة والمناصب المختلفة، الذي لا يغيب أبدا عن رعاية الأدب والأدباء؛ والدكتور إيهاب بديوي أستاذ الزراعة، والمفكر والمؤرخ وصاحب الروايات البديعة.. وغيرهم كثير. لقد حضر الندوات أيضا عدد كبير من طلاب الجامعة فامتلأت القاعات بالبهجة والأمل.
تم تكريم من استدعاهم الملتقى، ومن قدموا دراسات عنهم، وغاب البعض عنه لأسباب صحية فكان هناك من ينوب عنهم في الحديث، فضلا عمن يقدم دراسة عن أعمالهم. كم كنت مشتاقا لرؤية صديق العمر، الدكتور السعيد الورقي أستاذ الأدب بكلية الآداب، وصاحب الكتب الرائعة في نقد الرواية والقصة، وصاحب القصص القصيرة الرائعة التي أطلق عليها “أبيجرومات السعيد الورقي”، وأسعدني أنه سيحضر بعد رحلة مرض قاسية، لكنه اعتذر عن الحضور لأنه لن يتحمل رؤية الأحباء وسيبكي.. لم يعرف السعيد الورقي أني أيضا ذهبت مقررا أن أتماسك عن البكاء الذي كنت سأضعف جدا عن إمساكه حين أراه، فلقد عشنا شبابنا مع أجمل أيام الأمل. كما اعتذر محمد جبريل لمرضه القديم، ويوسف القعيد لمرضه المفاجئ، بينما حضر صديق العمر مصطفى نصر فعاليات الليلة الأولى، وسعدت برؤياه ملء الفضاء، ثم تخلف للمرض المفاجئ في الليلة التالية، التي كان فيها موعد ندوته وتكريمه.
قابلت أسماء طال شوقي إليها، واستمعت إلى دراسات رائعة تستحق أن تحتل مكانها في أهم المجلات الثقافية، لكني كنت دائما أنتظر نهاية اللقاء لأذهب إلى مقهى أتينيوس أو غيره مع من لديه الوقت من الأصدقاء، مثل الطبيب والكاتب والروائي شريف عابدين، أو الكاتب رشاد بلال، أو الدكتورة سارة قويسي، الذين لم يتركوني أبدا وملؤوا الفضاء حولي سعادةً.. كنت بهذه اللقاءات أبتعد عن السير وحدي في الإسكندرية، فهذا ما يجعلني أعيش في أجواء من الحزن على ما جرى من تغييرات في المكان، وخاصة الشواطئ.
الندوات بحضورها الرائع كان الزحام فيها كبيرا، عادت لي ذكرياتي مع كل قاعة من قاعات قصر ثقافة الحرية، أو مسرحه الذي أشعله زماناً السيد حافظ بمسرحياته التجريبية، أو غيره، وشهد نشاط مديرين سابقين مثل محمد غنيم رحمه الله.. هكذا رحت بين الندوات أمشي في طرقات القصر، أنظر إلى الصور المعلقة لمشاهير رواده، وأتذكر أيضا كيف خرجنا منه كُتّابا وفنانين يطول الحديث عنهم.
زيارتي لكافيتريا ومطعم أتينيوس في الإسكندرية لها عندي قداستها مع العودة إلى تاريخ من الثقافة والجمال؛ الصدفة الجميلة أن القائمين على الملتقى جعلوا لقاءنا الأول يوم وصولنا فيه، وهناك تناولنا الغداء قبل الانطلاق إلى الندوات، الفلافل والفول من محمد أحمد أو جاد لم تغب عنا في المساء بالمقهى، وكذلك السمك في بحري أو الأنفوشي، ولقد اصطحبتنا الدكتورة فاطمة الزهراء بخيت إلى هناك، أنا وزوجتي وسمير الفيل والدكتورة سارة قويسي، لتناول العشاء في ليلة ساحرة انتقلتُ إلى المقهى بعدها.. طقوس لا أتخلف عنها، وأراها الإسكندرية الباقية.
نزولنا كان في فندق رومانس على الكورنيش، تركت طعامه رغم روعته، فمتعتي الكبرى كانت في الإطلال على الكورنيش!. لكني حين أترك الفندق وأستقل التاكسي، أغمض عيني كي لا أرى القبح على الشاطئ، من جراجات أو كباري أو مطاعم أو كافيتيريات أو أسوار. لكن كل تاكسي ركبته كان سائقه يقول لي: انظر إلى ثقافة الأسمنت التي أخفت الشاطئ والمياه.. لا أنظر، وأندهش لكونه يقول ذلك لي كأنه يعرفني، لا أفتح عيني إلا حين أصل إلى الندوات لأدخل الفضاء الجميل الباقي، رغم معرفتي أنه من عالم الخيال!. لكن هكذا يعيش الأدباء على كتبهم ورواياتهم، فهي العالم الحقيقي، خاصة حين يصبح العالم حولهم متخما بالغباء.
أختم بالقول إن الإسكندرية فيها أدباء عظماء الآن، لكن تغيب عنهم جوائز الدولة في القاهرة، وليت هذه الجوائز تعرف ذلك.. لقد غابت المدينة حقا، لكن لم يغب كُتّابها الذين هم قلبها وعقلها، أولئك الذين يملؤون الفضاء بما هو أثمن من الذهب والماس، يملؤونه بأعمالهم الفكرية والإبداعية.
5 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
استاذنا ورمزنا وكبيرنا الذي اتمنى أن يتوج رحلة عمره الإبداعية الفريدة والعظيمة بالحصول على جائزة نوبل التي أراه الأجدر بها بلا شك في عالمنا العربي كله 🌹
أسعدني أني كنت من بين الحاضرين وسعدت بالحديث إلى حضرتك والتقاط الصور التذكارية، أطال الله في عمرك ومتعك بالصحة والسعادة، من حضور إلى حضور ومن تألق إلى تألق .أتمنى أن أرى العمل الجديد الذي يعده الدكتور إيهاب بديوي عن قصة حضرتك (بيت الياسمين) .. مع أطيب أمنياتي
دمت ودام حضورك الراقي مبدعنا الكبير أستاذي الحبيب 🌷
حبيبنا الفاضل سعادة الكاتب الكبير ابراهيم عبدالمجيد
تشرفنا بحضوركم الراقي
وسعدنا كثيرا بتشربف سيادتكم
وكان لحضوركم سعادة كبيرة في نفوس الجميع من الجمهور والقائمين علي الحدث
وتعجز الكمات ان تعبر عن مدي تقديرنا واعتزازنا لسيادتكم
نتمني تكرار زيارتكم بشكل دائم لمحبوبتكم الاسكندرية ولقاء الاحباب واستعادة الذكريات
شكرا جدا لمشاعركم الطيبة وكلمات سيادتكم الطيبة
ونتمني ان نكون عند ثقة سيادتكم وعلي قدر من الضيافة
وان شاء الله نلتقي بسيادتكم في فعاليات ثقافية جديدة ومتجددة بحضوركم الراقي
خالص تحياتي وتقديري لشخصكم الكريم
حمدان القاضي
دامت المحبة