لماذا يتحمس نتنياهو لحلف دفاع مشترك مع أمريكا؟

بواسطة | أكتوبر 3, 2023

بواسطة | أكتوبر 3, 2023

لماذا يتحمس نتنياهو لحلف دفاع مشترك مع أمريكا؟

يمارس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا ضغوطا كبيرة على قيادة الجيش والأجهزة الاستخبارية، لعدم الاعتراض على توجهه لطلب تدشين تحالف دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ويستثمر نتنياهو طاقة كبيرة في الضغط على القيادتين العسكرية والأمنية، للموافقة على عقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، لإدراكه أن مثل هذا التحالف يتعارض مع مبادئ إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي.
وتنص إستراتيجية الأمن القومي، التي بلورها رئيس الوزراء الأول دفيد بن غوريون، والتي التزم بها جميع من خلفه في قيادة إسرائيل، على وجوب الاعتماد على الذات في تأمين الدفاع عن الوجود، وتجنب الاستعانة بدولة خارجية لتأمين الوجود المادي لهذا الكيان. فحسب هذه الإستراتيجية، ينطوي عقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة على مخاطر هائلة، تتمثل في خسارة إسرائيل استقلال قرارها السياسي والعسكري؛ فتحالف الدفاع المشترك يُلزم الجيش الأمريكي بالمشاركة بشكل فاعل في الدفاع عن إسرائيل في حال تعرضت لمخاطر عسكرية، وهذا سيترتب عليه ضريبة باهظة، تتمثل في منح واشنطن الحق في الاعتراض على الكثير من القرارات السياسية والعسكرية التي يمكن أن تقدم عليها تل أبيب.
 فعلى سبيل المثال، لن يكون بوسع القيادة الإسرائيلية اتخاذ قرار بشأن شن عمل عسكري أو حرب، دون الحصول على موافقة مبدئية من واشنطن؛ فضلا عن أن تحالف الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة، سيلزم إسرائيل بتسخير جيشها للانخراط في أعمال حربية تقرر واشنطن المبادرة إليها في هذه البقعة الجغرافية أو تلك، حسب بوصلة مصالحها، من منطلق التعامل بالمثل.
من هنا، وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل الكبير والحاسم على الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة، فإن القيادات السياسية والعسكرية والنخب المثقفة في تل أبيب ظلت ترفض بشكل مطلق فكرة عقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة؛ وحتى نتنياهو ذاته عبَّر عن رفضه لفكرة تحالف الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة في كتابه “مكان تحت الشمس”، الذي ألفه قبل انخراطه في العمل السياسي.
ورغم أن إسرائيل هي رابع قوة نووية في العالم وأكبر قوة عسكرية في المنطقة، ورغم حيازتها بنى عسكرية وتقنية وسيبرانية متطورة جدا مقارنة بالدول في المحيط، فإن حماس نتنياهو لعقد تحالف الدفاع المشترك يعكس، في الواقع، تراجع ثقته بقدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها عندما تحين ساعة الحسم. وهناك في الحقيقة العديد من العوامل التي هزت ثقة نتنياهو بقدرة إسرائيل على تأمين ذاتها مما دفعه لتغيير قناعاته الإستراتيجية، والتحمس لعقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة؛ ولعل أكثر ما عزز توجه نتنياهو إلى هذا الخيار هو عجز إسرائيل تحت قيادته، خلال العقدين الماضيين، عن حسم حروب ومواجهات عسكرية مع قوى ومنظمات لا تحوز على مقدرات الدولة، كما تكرس ذلك في الحروب والمواجهات التي اندلعت بين جيش الاحتلال وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على الرغم من أن موازين القوى العسكرية تميل بشكل جارف لصالح تل أبيب.
وتتخوف قيادة تل أبيب من تفجر مواجهة متعددة الساحات، تكون إسرائيل خلالها عرضة للاستهداف من أكثر من جبهة حدودية؛ وحسب التقديرات التي تسرِّبها القيادات العسكرية الإسرائيلية إلى وسائل الإعلام في تل أبيب، فإن فرص تحقيق جيش الاحتلال مكاسب في حرب متعددة الساحات ستكون متدنية إلى حد كبير.
فضلا عن ذلك، فإن التحولات التي طرأت على ساحات الحروب ووسائلها جعلت إسرائيل تدفع أثمانا باهظة نتاج اندلاع مواجهات عسكرية مع أعدائها. فعلى سبيل المثال، فإن استخدام الصواريخ في المواجهات العسكرية فاقم المخاطر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ لأن الواقع الجيوبوليتيكي دفع لتركيز الثقل الديموغرافي، والبنى العسكرية والمدنية الحيوية والحساسة في إسرائيل في قطاع ضيق على الساحل، وهذا فاقم المخاطر الناجمة عن استهداف هذا القطاع بالصواريخ. ونظرا لأن بعض أعداء إسرائيل، مثل حزب الله وإيران، يحوزون على ترسانة صاروخية تجمع بين المدى الطويل والرؤوس الثقيلة ودقة الإصابة العالية، فإن هذا يجعل أي استهداف للعمق الإسرائيلي ينطوي على مخاطر هائلة.
إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو يفزع من إمكانية أن تفقد إسرائيل تفوقها النوعي غير التقليدي، بتحول دول أخرى في المنطقة إلى قوى نووية. ومما يعزز هذه المخاوف، على سبيل المثال، أن الإستراتيجية التي بلورها نتنياهو بهدف إحباط المشروع النووي الإيراني، بالتعاون مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فشلت فشلا ذريعا، وهذه قناعة لا خلاف حولها في إسرائيل؛ فقد باتت إيران تحوز على مكانة دولة “على حافة قدرات نووية”، حيث إن حصولها على السلاح النووي يتوقف حاليا على اتخاذ قياداتها الدينية والسياسية قرارا بذلك. في الوقت ذاته، فإنه حتى لو حافظت إسرائيل على فرادتها كقوة نووية وحيدة في المنطقة، فهذا لن يسعفها في حال تمكنت جيوش دول أو عناصر منظمات من اقتحام حدود فلسطين على نطاق واسع؛ إذ لن يكون ثمة إمكانية لاستخدام السلاح النووي ضد العدو، عندما يتمكن هذا العدو من اجتياز الحدود على نطاق واسع، والوصول إلى العمق الإسرائيلي.
من ناحية ثانية، يعي نتنياهو حقيقة أن تحولا كبيرا طرأ على المنظومة القيمية التي يحتكم إليها المجتمع الإسرائيلي، عكَسَه تراجع دافعية الجمهور الإسرائيلي للتضحية من أجل الدفاع عن “الدولة”. وهذا ما يفسر نكوص كثير من الشباب عن التطوع للخدمة العسكرية في الوحدات القتالية التي تنطوي الخدمة فيها على مخاطر، فضلا عن عدم تردد أولياء أمور الجنود في الاحتجاج على الحكومة وقيادة الجيش، عندما يسقط أبناؤهم قتلى في ساحة المعركة أو نتاج عمليات المقاومة الفلسطينية. ومما لا شك فيه أن تفاقم الاستقطاب الداخلي والصدع المجتمعي، الذي تفجر في أعقاب طرح خطة التعديلات القضائية، أفضى إلى مزيد من التراجع في دافعية واستعداد الجمهور -وضمنه جنود وضباط الجيش- للتضحية دفاعا عن هذا الكيان. وقد عكس هذا الواقع إعلان آلاف الضباط والجنود توقفهم عن أداء الخدمة العسكرية في الجيش احتجاجا على خطة التعديلات القضائية.
كل هذه العوامل مجتمعة زعزعت بشكل كبير ثقة نتنياهو بقدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها مستعينة بقدراتها الذاتية، وهذا جعله متحمسا لعقد حلف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
يعي نتنياهو أن اعتراض القيادتين العسكرية والاستخبارية على تدشين تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، سينزع الشرعية الداخلية عنه، وسيعيق تحقيقه في النهاية، ما جعله يضغط على هاتين القيادتين للموافقة على هذا المسار. ومن السابق لأوانه معرفة توجهات القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية الحالية من مسألة التوصل لحلف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، لكن هناك ما يدلل على أن تحولا قد طرأ أيضا على قناعات هذه القيادات من عقد هذا التحالف؛ فحسب ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية، كان رئيس أركان الجيش السابق أفيف كوخافي مؤيدا لفكرة تحالف الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة.
بغض النظر عن مآلات سعي نتنياهو للتوصل إلى هذا التحالف، فإن مجرد وجود هذا التوجه يشي بانعدام ثقة القيادة في تل أبيب بقدرة إسرائيل على الدفاع عن ذاتها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...