مجتمع غير عقلاني!
بقلم: كريم الشاذلي
| 24 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 24 مايو, 2024
مجتمع غير عقلاني!
يعد ألبرت إليس (Albert Ellis) أحد أهم علماء النفس المعاصرين، فالكاتب الأميركي الذي ولد عام 1913، وفارق دنيانا في عام 2007، كان له فضل كبير في تبصيرنا بخطورة الفِكَر اللاعقلانية في حياة الإنسان، وكيفية أن يؤمن المرء منا بفكرة لا منطقية، ويدافع عنها بحرارة كبيرة، لا لشيء إلا لأنه قد تمركز حولها، وساعدت البيئة أو التربية أو وسائل الإعلام على ترسيخها، ومن ثم تسويقها على أنها فكرة عادية ومقبولة!.
ويقصد بالفِكَر اللاعقلانية تلك التصورات اللامنطقية، التي يحكم من خلالها المرء على الغالب الأعم من الأحداث التي تمر به، والتي تورثه حالة دائمة من السلبية أو التواكل أو التشاؤم.
ووفق نظريته في العلاج النفسي فقد أكد “إليس” على أن البشر ينقسمون إلى نوعين، أشخاص عقلانيين يستخدمون نمط تفكير علمي ومنطقي وواعٍ، وأشخاص غير عقلانيين ينتهجون أسلوبًا غير منطقي، يتجه إلى تحليل الأمور وفق معتقدات تخالف وتضادّ أبجديات العقل السليم ومبادئ التفكير العلمي.
فعلى سبيل المثال، يرى “إليس” أن مجموعة كبيرة من البشر تتجنب مواجهة المشكلات، لاعتقادهم – اللاعقلاني – أنّ تجنُّب المشكلة هو أقرب الطرق إلى الراحة، وذلك لأن المواجهة تفرز معارك، والمعارك غير مأمونة الجانب، وبالتالي يرون الانسحاب وتجنب الدخول في المعترك هو الحل. كذلك يرى أن المثالية الزائدة التي يعيش فيها البعض خطر، ففكرة مثل “يجب أن أنجز أعمالي بلا أي أخطاء”، أو “يجب أن أكون محبوبًا من كل الناس” هي فكرة لا منطقية، ولا يمكن تحقيقها، وبالتالي يُعدّ الوصول إليها أمرًا مستحيلًا.
والخطورة تتأتى من أن هذه الفِكَر عند تبنّيها تُسلم أصحابها في الأخير إلى فكرة الانهزامية، وتسحق لديهم نوازع الهمة والتحدي، وقد تدفعهم إلى قبول الظلم والتكيف معه، وربما أكثر من ذلك، كتبريره والدفاع عنه!.
وبالرغم من أن نظرية “ألبرت إليس” موجهة إلى علاج الأفراد في أصلها، فإننا نحتاج إلى استدعائها لتفسر لنا جزءًا كبيرًا مما نحن فيه، فبنظرة تأمُّل بسيطة يمكننا أن نعزو كثيرًا من أزمات مجتمعاتنا العربية إلى مجموعة الفِكَر اللاعقلانية، التي تتبناها تلك المجتمعات، وتعمل عملها في أفرادها بهدم الثقة بالنفس لديهم، وتسلمهم إلى حالة الذهول عن وضعهم المتردي الذي يعانون منه منذ قرون!.
وأقصد هنا مجموعة الفِكَر التي تَرسخت في العقل الجمعي، وتؤثر على رؤية المجتمع لذاته، وتصيبه بحالة من الدونية، والرضى بالذل والخنوع، كفكرة أن الشعوب العربية غير قابلة للتجارب الديمقراطية، وأن العرب قوم لا يجدي معهم إلا سوط الجلاد، وأحكام الطاغية العادل!.
ولأن الفِكَر اللاعقلانية تحتاج إلى دعائم تشد من أزرها، وتعطيها لونًا من القابلية، دأب أجدادنا على ترديد أمثال وحِكم شعبية ترسخ تلك الفِكَر، فنسمع من يقول في لهجة الحكيم إن “المساواة في الظلم عدل”، وآخر ينصحك بالمداهنة وقبول الذل بحجة “إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي”، أو التي تجنح بك إلى الطاعة العمياء حتى وإن خالف سلوكك ما تؤمن به، لأن عليك أن “تربط الحمار كما يحب صاحبه”.
عد إلى تراثنا الشعبي واستحضر عقلك، وأخبرني عن المنطق الذي أخرج الحكمة “العبقرية” التي تحذرنا بأن “القانون لا يحمي المغفلين!”، فلماذا وضع القانون إذن؟ وما دوره إن كان الطيّب أو حسن النية، أو حتى المغفل، ليس له في دنيا الناس حق ولا يحميه قانون؟!.
وتمتد الحكم والأمثال الداعمة للفكر اللاعقلاني لتحاصر كل من أراد التمرد على واقعنا المتردي، أو بحث عن طريق مختلف، أو دعا بغير ما يدعو به الناس، فنجد من ينصحه بأن “يمد لحافه على أدِّ رجليه”، وأن يتسلح بالسلامة لأن “الباب اللي ييجي منه الريح سدُّه واستريح”!.
وتالله، إن مجتمعًا يدافع عن خموله وسلبيته بحجة أن الحياة عشوائية، مؤكدًا ذلك بأنها “تعطي الحلق للي بلا ودان”، وأن “رزق الهبل على المجانين”، لهو مجتمع يحتاج إلى صدمات من المنطق، وجلسات مكثفة من الوعي، وإعادة جادّة للبنى المعرفية التي تحكمه وتتحكم فيه.
وهذا هو عين ما يؤكده “ألبرت إليس” وهو يصف روشتة العلاج للفِكَر اللاعقلانية بتأكيده على وجوب تحدي هذه الفِكَر، مؤكدًا أن العمل على دحضها هو السبيل الأول لتغيير البنية المعرفية للأشخاص، ومن ثم المجتمعات؛ وأكد كذلك على أهمية الحوار السقراطي الجدلي، فكرة أن تصدم المعلومة الخاطئة بأختها الصحيحة في محاولة جادة وعنيفة إن اقتضى الأمر، كي تكشف زيفها واعوجاج منطقها.
نعم، إذا كان المرض الذي يشل حركة المجتمع هو تمكُّن هذه الفِكَر اللاعقلانية من السيطرة عليه، فإن العلاج يكمن في وعي يرفض هيمنة تلك المعتقدات على حاضره ومستقبله.. الوعي القادر على مواجهة شراسة اللامنطق، المتجهز لمحاربة جنون الباطل وثورته، والذي يقينًا لن يؤمن بأمثال وحكم تتعارض مع نقاء مبادئه، كما أنه لن يعترف أبدًا بسياسة الأمر الواقع، وأن “من يتزوج أمي .. يجب أن أقول له يا عمي!!”
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر للتعامل مع زوجة أبيه، ولن يعرف قيمة الدكتورة فوزية عبد الستار، إلا من يجد نفسه مضطراً للاشتباك مع إبراهيم الهنيدي. الأولى كانت رئيسة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب المصري حتى برلمان 1995، والثاني هو رئيس اللجنة...
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
0 تعليق