محاولة التهام صديق
بقلم: كريم الشاذلي
| 30 ديسمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
ذلك يوم عزَّ فيه العرب
" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات...
-
العلم النافع: أساس التدبّر والتمكين
-
لم يخترع محمد علي الذرة!
أزمة الفنان، والمقاول، محمد علي، مرتبطة بمحنة...
-
الوثنيّة وأسبابُها.. بين يدي ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
إلى جانب الجاهليّة التي كانت تمثّل الصّنميّة...
-
دولة تسير إلى حتفها!
عندما يريد الله تعالى أن يهلك الباطل ينصّب عليه...
-
وزارة الحقيقة.. حكاية رواية «1984»
قبل حلول كريسماس عام 1936 بأيام قليلة، دخل صحفي...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 30 ديسمبر, 2023
محاولة التهام صديق
تحكي هذه القصة عن علاقة فريدة ومميزة بين الإنسان والحيوان، تلك العلاقة التي تتطور مع مرور الوقت وتتشكل بأحداث مفاجئة. فكيف يمكن أن يتغير تفكير الإنسان حيال الحيوانات وينشأ رابط عاطفي قوي؟
بداية الصداقة وتطور العلاقة
لا أدري السبب الذي دفع بأبي أن يقترح عليَّ أن أستثمر المال، الذي حصلتُ عليه من الأهل والأصدقاء بمناسبة تفوقي في عامي الأخير بالمرحلة الابتدائية.. وجاء خروف صغير!
لا أعتقد أنه كان يؤمن وقتها بأن وجود حيوان في البيت يساعد في مسائل الصحة النفسية للأطفال، وأغلب الظن أن وجود حديقة كبيرة، وغرفة تصلح سكنى للضيف الجديد، بالإضافة إلى أننا أبناء قرية، وبالتالي يتوفر مرعى مناسب وصحبة صالحة من أغنام الجيران؛ هذه الأشياء ربما كانت هي السبب!
وكان أن استيقظت من نومي في صباح صيفي على صوت خروف يملأ بيتنا، ذهبت مسرعاً إلى الحديقة، لأُفاجَأ بالوافد الجديد الذي علمت أنه فُطم لتوه، وأن سبب بكائه وحشة انفصاله عن الأم؛ فما كان مني إلا أن هرعت من فوري، وأحضرت له الماء والطعام، وأخذت في تدليله، والاعتناء به، حتى استكان واطمأن.
مرت الأيام والشهور، وتطورت علاقتنا بشكل لافت للنظر، إذ إن الخروف – الذي أسميته “فهد” وكنت أصحبه معي في الحقول أثناء مذاكرة دروسي أو اللعب مع الأصدقاء- صار يتعامل معي كصديق؛ ما إن يسمع صوتي حتى يقفز في سعادة، أناديه فيجري نحوي بخفة تحسده عليها الكلاب المدربة، يجلس متى أمرته، ويصمت حين أخبره، ولطالما لعبنا سويا، حتى خُيِّل إليّ أنه يبتسم ويضحك ويحزن.. ويداري خيبة أمل حينما يراني حزينا فلا يستطيع فعل شيء!
حقائق ودروس
لقد كبرت يومها كثيراً، ابن العاشرة وُضع أمام حقيقتين سيوضع أمامهما كثيراً في حياته القادمة،
الحقيقة الأولى
إن أصعب شيء هو أن تضطر لشرح مشاعرك، فهمت حينها لماذا أسرَّها يوسف في نفسه ولم يُبدِها لإخوته، لأن ما بداخلنا كثيراً ما تعجز اللغة عن إيصاله، ويحتار العقل في شرحه، ويضيق الصدر بإخراجه مرتباً، صارعندي مذ ذاك اليوم صندوق أسود لا يصل إليه أحد، أضع فيه مشاعري الخاصة، وما تبقى من فِكَر وقناعات يضيق بها الناس.. بلى، إن أشد المعضلات توضيح الواضحات، فما بالك إن كان الواضح في يقيني غامضاً في عينيك؟!
الحقيقة الثانية
الحقيقة الثانية التي استقرت في وعيي، أن المصلحة المادية والتفكير البراجماتي سينادياني كثيراً في قادم الأيام، إذ إن دعوتي لالتهام لحم صديقي فهد سيتبعها دعوات كثيرة تبدو منطقية ونفعية وضرورية، مثل الصمت على الظلم ما دام لا يمسني من قريب، والرضا بالذل لأن طيف الكرامة باهظ التكلفة.. لقد عشت ورأيت هذا كثيراً، رأيت كيف دخلت القيم والمشاعر والأحاسيس في فرن المصلحة، وخرجت نفاقاً، وتدليساً!
الحكمة والصمود
وحدي سأرى فهداً صديقاً وفياً، وغيري سيراه لحم ضأن شهي.. وحدي سأرى فلسطين جرحاً نازفاً ووجعاً أبديّاً، بينما الملايين ستراها أزمة بعيدة أو خبراً سياسيّاً.. وحدي سأرى الناس مختبر إيمان المرء ودليل إنسانيته، في الوقت الذي يحسبهم غيري أرقاماً.
نعم، كنت ابن العاشرة حينما أدركت أن المسكين القابع على المائدة، لم يمر في حياتي بقدر ما مر على ضميري، وأن عليَّ إن أردت العيش هانئاً أن أتمسك بما أؤمن به، سواء أخفيته في صندوق أسود أو عبّرت عنه متحملاً ضرائب هذا الإعلان.
تعلمت أن قوانين الدنيا ليست أهم من قانوني الذي أملاه عليَّ ضميري، سواء فهمه الناس أم جهلوه.. تقبلوه أم سخروا منه.. رأوه نبلاً أو (عبطاً).
كل هذا لا يهم؛ ما يهم حقاً أن أنام آخر اليوم مرتاح البال، متّسقاً مع ذاتي، وأن أرحل في آخر العمر مرفوع الرأس، متجهزاً بإجاباتٍ عجز الخلق عن فهمها، غير أن الخالق يعلم مبدأها ومنتهاها ..وألا أَطعَم لحم صديقي أبداً، حتى وإن كان صديقي هذا خروفاً!
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان
كثيرًا ما أمعنت النظر صغيرًا في لوحة زيتية كانت تزين صالون بيت جدي، تتوسطها صورة رجل طاعن في السن والتعب، يحمل القدس على ظهره مربوطة بحبل الشقاء على جبينه ويمشي حافيًا في صحراء من الرفاق. وكبيرًا عرفت أنها لوحة "جبل المحامل" للفنان سليمان منصور، وهي ترمز إلى الشعب...
ذلك يوم عزَّ فيه العرب
" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات عن النبي الأكرم ﷺ مقولته، عندما ذُكرت أمامه معركة ذي قار التي قادها العرب في جاهليتهم ضد القوات الساسانية الفارسية، وكان النصر فيها من نصيب العرب. وكأن النبي الأعظم يشير- والله أعلم- إلى مفهوم السيادة والحرية لدى العرب،...
0 تعليق