مصابيح للإنسانية تضيء ظلام الغرب، وتفضح الصهيونية الخبيثة
بقلم: شيرين عرفة
| 29 فبراير, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 29 فبراير, 2024
مصابيح للإنسانية تضيء ظلام الغرب، وتفضح الصهيونية الخبيثة
تروي المقالة قصتين مأساويتين لانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين؛ أولهما قضية راشيل كوري، الناشطة الأمريكية التي قتلت أثناء دفاعها عن منازل الفلسطينيين، والثانية لآرون بوشنل، الذي أضرم النار في نفسه احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية. تعكس هذه القصص وجع الظلم والبحث عن العدالة.
قصة انتهاكات الحقوق – من راشيل كوري إلى آرون بوشنل
أشعر بالصدمة والحزن العميق، إنه ليس فقط يومًا سيئًا للأسرة، بل لحقوق الإنسان، والإنسانية، والعدالة، ولحكم القانون.. إنه يوم مخزٍ لدولة إسرائيل، مثل هذا الحكم كفيل بأن يزيد الاستهتار بأرواح البشر، ويجعل الجنود يتصرفون وكأن معهم حصانة، لا يحسبون حسابا لحياة المدنيين.
هكذا عبرت السيدة “سيندي كوري” عن مشاعرها، تجاه حكم محكمة حيفا الإسرائيلية، الذي صدر في آب/ أغسطس عام 2010، وبرّأ الجيش الإسرائيلي من جريمة قتل ابنتها. و”سيندي” هي والدة الناشطة الأمريكية “راشيل كوري”، التي لقيت حتفها دهسًا أسفل جرافة إسرائيلية، في 17 مارس/ آذار عام 2003، وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، أثناء دفاعها عن أحد منازل الفلسطينيين، ضد قرار ظالم بهدمه.
وبعد 6 أشهر من رفع والدَي “كوري” قضية، يطالبان فيها بمحاكمة سائق الجرافة الذي دهس ابنتهما، جاء الحكم ليقول إن وفاة كوري “حادث مؤسف”، لكنه غير ناجم عن إهمال الجيش الإسرائيلي أو الدولة الإسرائيلية، كما نفى وجود أي خطأ في تحقيقات الجيش التي برّأت سائق الجرافة، وأعفته من أي لوم؛ وزعم القاضي بأن السائق لم ير الضحية، وبالتالي فإن الخطأ يقع عليها وحدها، حيث كان بوسعها الابتعاد عن طريق الجرافة، وإنقاذ نفسها، لكنها لم تفعل. وحكمت المحكمة الإسرائيلية بأنه ليس هناك مبرر لدفع تعويضات لعائلة كوري، لكنها تعطفت عليهم، وأعفتهم من دفع رسوم القضية.
و”راشيل كوري” هي فتاة أمريكية، ولدت في 10 أبريل/ نيسان عام 1979 بأوليمبيا في ولاية واشنطن الأمريكية، وكانت طالبة في “إيفرجرين ستيت كوليدج” قبل أن تُكرّس حياتها للدفاع عن قضية فلسطين، وتنضم إلى 8 نشطاء آخرين من حركة التضامن الدولية، جعلوا من أنفسهم دروعا بشرية لحماية مخيم رفح للاجئين من قرارات إسرائيلية بهدم منازله.
وأكد زملاء كوري في التحقيقات بأنها كانت ترتدي زيا برتقاليا خاصا بناشطي السلام، أثناء دفاعها عن أحد المنازل، ومن المستحيل ألا يكون سائق الشاحنة قد رآها! ومع ذلك انتهى تحقيق الجيش الإسرائيلي، الذي أجراه في عام 2003، إلى أن مقتل راشيل كان حادثا عرضيا، ولن يحاسب الجنود الإسرائيليون عليه.. وقد وقعت تلك الأحداث، قبل انسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين من غزة بعامين.
وبالرغم من إصرار والدي كوري على سلك كل السبل القانونية، ولجوئهم للإعلام وللمؤسسات الصحفية الأمريكية، للتعريف بقضية ابنتهم وبالظلم الذي تعرضت له، وقد واصلا جهودهما على مدار سنوات؛ فإن المحكمة كانت الملاذ الأخير لتحقيق العدالة، فجاء قرارها ليقضي على أي أمل لديهما في معاقبة القاتل، أو حتى الاعتذار والتعويض.
وفي حوار إعلامي مع “كريغ” والد كوري، قال إنه لا يلوم ابنته على ما قامت به، حتى لو دفعت حياتها ثمنا لذلك، ووصفها بأنها كانت فتاة مفعمة بالحب والمشاعر الصادقة، ولديها إحساس قوي بالواجب نحو إخوتها في الإنسانية أينما كانوا، وقد ضحت بحياتها وهي تحاول حماية غير القادرين على حماية أنفسهم، ومواجهة ما يتعرضون له من ظلم.
ودافعت عنها والدتها، قائلة: “إن راشيل قضت ليالي طويلة مع الأسر المهددة بيوتها بالهدم، ورحلت وهي تحاول حماية أحدها، لكنها كذلك قد فتحت أعين الناس على الوضع في غزة، وكيف هي أحوال أهلها.”
واعتُبرت كوري رمزا للسلام والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونُشرت كتاباتها بعد مقتلها، وتم تحويلها إلى مسرحية حملت عنوان “اسمي راشيل كوري”، ودارت فصولها عن حياتها وجهودها كناشطة سلام، وجابت المسرحية مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبالرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت خفوت صوت القضية الفلسطينية، وفقدانها الدعم والزخم الإعلامي، فإن هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، الذي قادته فصائل المقاومة الإسلامية حماس، على مستوطنات غلاف غزة، ثم الحرب الدموية الوحشية التي شنتها قوات الاحتلال، أعاد القضية مرة أخرى إلى الواجهة، بل وجعلها تتصدر الأحداث العالمية ونشرات الأخبار، وباتت الحدث الأبرز والأهم الذي يتفاعل معه الجميع، وتنطلق من أجله التظاهرات في مختلف البلدان.
وعادت كذلك صور “كوري” وحكاياتها للظهور مجددا، خاصة بعد أن استمع العالم لصرخات المجند الأمريكي وهو يشعل في جسده النيران، أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة واشنطن، احتجاجا على الحرب في غزة، ورفضا لمشاهد الإبادة التي تنقل من هناك.
كان المهندس في سلاح الجو الأمريكي “آرون بوشنل” الذي يبلغ من العمر 25 عاما، قد توجه إلى السفارة الإسرائيلية ظهر الأحد الماضي، 25 فبراير/ شباط، وبدأ بثا مباشرا عبر منصة تويتش، قبل أن يسكب مادة سائلة على جسده، ويهتف “لن أكون متواطئا في الإبادة الجماعية بعد الآن”، بينما علت صرخاته أثناء التهام النيران جسده، وهو يقول: “الحرية لفلسطين، الحرية لفلسطين”.
مات “بوشنل” متأثرا بحروقه، لكن وفاته التي بُثت على الهواء، وتناقلها مئات الملايين عبر مواقع التواصل الإجتماعي، قد أحدثت صدمة للضمير العالمي، وضجة سُمع صداها في كافة الأنحاء، حيث أضاء لهيب جسده المشتعل ظلامَ عالم، وفضح صمتًا وتواطؤًا يتواصلان منذ أكثر من أربعة أشهر على مشاهد عنف وحشي، وإبادة جماعية، قُتل فيها النساء والأطفال، والكبار والصغار، والرضع والشيوخ، في عملية انتقامية مريرة نفذتها إسرائيل بحق أبناء القطاع.. أكثر من مئة ألف بين قتيل وجريح كانت تُنقل مشاهد قتلهم وقصفهم وقنصهم وتجويعهم ومعاناتهم على مدار الساعة، وفي كافة وسائل الإعلام، وتظهر للجميع من خلال الإنترنت على شاشات هواتفهم النقالة.
وجاء احتجاج “بوشنيل”، الذي وصفه هو بأنه “شديد التطرف”، ليكون انعكاسا واقعيا للمحرقة التي تقيمها القوات الإسرائيلية للفلسطينيين؛ واستدرك في رسالته التي سجلها بكاميرا هاتفه “إنه بالمقارنة مع ما يحدث للفلسطينيين، هذا الاحتجاج لن يكون متطرفا على الإطلاق”.
وقد أدلى صديق مقرب له باعترافات للإعلام، قال فيها إن “آرون” قد عبر له قبل وفاته عن غضبه الشديد من مشاركة زملاء له، في سلاح الجو الأمريكي، في حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وأنه يرفض أن يكون جزءا من تلك الحرب.
رحل “آرون” كما رحلت “راشيل”، لكنهما كتبا بدمائهما قصصا ملهمة، سيُخلدها التاريخ، وبالرغم من أعمارهما القصيرة، فإنهما بإيمانهما بالحق والعدل، ونفسيهما الطاهرتين البريئتين، سيظلا نقطتين مشرقتين، ومصباحين مضيئين، تهتدي بهما الإنسانية حينما تضل الطريق، أو كلما غرقت في بحر التوحش الغربي، وسقطت في مستنقع الصهيونية الخبيثة.
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
شكرا على مقالك المفيد والقيم. كما تعودنا دائما في
كتاباتك اللتي تذكرنا بالوقائع المهمة وتسلط عليها
الضوء بشكل مهني خال من الإنحيازات، مزيداً من التألق
أستاذة شيرين.
كل الشكر لحضرتك
تحياتي وتقديري