من قطر إلى المغرب مروراً بليبيا.. الدوحة التي لا تزال تُثمر

بواسطة | سبتمبر 17, 2023

بواسطة | سبتمبر 17, 2023

من قطر إلى المغرب مروراً بليبيا.. الدوحة التي لا تزال تُثمر

يجري العرف الإنساني، حين تنزل النوازل، وتقع الكوارث الطبيعية، أن تتضافر الجهود، لإغاثة الملهوف، وإعانة المنكوب، ومد يد العون لمن انقطعت بهم السبل، ودارت عليهم الأيام؛ والدول في ذلك بين سابقة ومقتصدة بالمساعدات.
وإذا ذُكرت قطر في هذا السياق، كانت هي السابقة، والمبادرة للقريب والبعيد، والقاصي والداني، دون تفرقة بين عرق ولون ودين، وكانت فزعتها لأشقائها العرب، الأقرب رَحِما ودارا، أسرع وأنجز وأسخى.
آخر ما سعت فيه قطر، كان قبل أيام في نكبة المغرب الأخيرة، مساء الجمعة الماضية 9 سبتمبر/أيلول 2023، إذ تعرضت البلاد لهزة أرضية عنيفة، بشدة 6.8 درجات، ضربت منطقة الحوز، جنوب غربي مراكش، كانت الأكثر فداحة من حيث عدد القتلى في الدول الواقعة في الشمال الأفريقي قاطبة، وقد بلغ -حتى كتابة هذه السطور- نحو 3000 قتيل، مع أكثر من 5000 جريح ومصاب، ودمار واسع، أصاب مراكش وما حولها من القرى.
وإزاء هذه الكارثة البشرية المروعة، يسابق رجال الإنقاذ المغاربة الزمن، للعثور على ناجين تحت الركام، وتقديم المساعدة لمئات العالقين، من الأسر التي فرّت من منازلها المهدمة وليس لها سوى الملابس التي ترتديها، واضطروا من ليلتها إلى افتراش الطرقات والأرصفة، حتى تتكشف الأزمة، أو تجد المساعدات المحلية، والدولية إليهم سبيلا.. اللافت أنه من بين حوالي 70 دولة، أعلنت استعدادها لمساعدة المغرب في محنتها، وافقت السلطات المغربية في البداية على عروض 4 دول فقط هي: قطر، والإمارات، وإسبانيا، وبريطانيا.
وفي غضون ساعات، كانت مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية قد حطت في الأراضي المغربية، ممثِّلةً اللجنة الدائمة لأعمال الإنقاذ والإغاثة والمساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة بالدول الشقيقة والصديقة، وجاءت معززة بآليات ومعدات متخصصة، وبمساعدات طبية وإنسانية عاجلة، وبدأت بالفعل عملها منذ صباح الثلاثاء الماضي في انتشال الجثث، وإنقاذ العالقين، والإمداد بمياه الشرب، والبطانيات، والوجبات الساخنة، وسلال غذائية تحتوي على مواد تموينية أساسية تم توزيعها على المتضررين.
وبموازاة التوجه الحكومي الرسمي، أعلنت “قطر الخيرية” تخصيص 5 ملايين ريال قطري (نحو 1.3 مليون دولار)، وخصص الهلال الأحمر القطري مليون ريال (نحو 274.6 ألف دولار) كاستجابة عاجلة، لتوفير الاحتياجات الضرورية، من خيام وبطانيات، ومواد غذائية، وصحية.
في دولة شقيقة أخرى، كانت كارثة هائلة قد نزلت بالأشقاء الليبيين، إذ عتا إعصار دانيال على مناطق الشرق الليبي، والجبل الأخضر، ليحيلها إلى منطقة منكوبة، بحسب ما أعلنه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية. ولم تكن الأعاصير على ليبيا، أرحم من الزلازل على المغرب، فقد اجتاح الإعصار دانيال مدينة درنة الساحلية، وعجز أول السدود الحاجزة للمياه عن كبح الطوفان، فتدفقت سريعا نحو السدّ الثاني المتهالك، ما أدى إلى انفجاره أيضاً، ليُغرِق المدينة بمن فيها، مبتلعا أحياء كاملة، ومحيلا المدينة إلى ركام متناثر، مساهما في قتل الآلاف – 3000 قتيل حتى الآن- كما تم الإبلاغ عن فقدان نحو 10 آلاف شخص، حسب تقديرات الهلال الأحمر.
على ذات النسق الإنساني العربي، فإن هزات المغرب لم تشغل قطرعن مأساة ليبيا، فقد بادرت الدوحة، مع عواصم خليجية أخرى بإرسال مساعدات عاجلة مختلفة على متن طائرات إلى ليبيا، بينها مستشفى ميداني قدمته دولة قطر، وتبعتها طائرة أخرى تحمل مواد طبية وغذائية، مقدمة من الهلال الأحمر القطري، واللجنة الدائمة لأعمال الإنقاذ والإغاثة والمساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة، كما سيَّرت عبر القوات الجوية الأميرية القطرية، شحنة من مواد الإغاثة العاجلة، للمتضررين من الكارثة، إضافة إلى إنفاذ فريق البحث والإنقاذ الدولي، بقوة لخويا القطرية، إلى الأماكن المنكوبة للمساهمة في إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة.
يعيد هذا للذاكرة القريبة، الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، في فبراير الماضي، إذ بلغ حجم مساعدات قطر الإنسانية للضحايا، نحو 253 مليون ريال (نحو 70 مليون دولار)، ومدّت الدولة جسراً جوياً بأكثر من 30 رحلة، محملة بأكثر من 600 طن، من المساعدات الغذائية، والطبية، والإنسانية، وشحنت نحو 10 آلاف وحدة سكنية جاهزة من المنازل المتنقلة.
وغير بعيد أيضا، وقوف الدوحة إلى جوار الأشقاء في لبنان، حين أعلن صندوق قطر للتنمية، في أغسطس الماضي، عن توقيع اتفاق يهدف إلى توفير الوقود للجيش اللبناني، لمدة تصل إلى 6 أشهر، بتكلفة إجمالية تبلغ 30 مليون دولار.
وإزاء الوضع الإنساني المتدهور في السودان، بسبب الاشتباكات الدائرة هناك، كانت قطر تسعى لنجدة المواطن السوداني، وتقديم يد العون له، وعملت بشكل دائم على مد الخرطوم بالمعونات الأساسية، وكان آخرها طائرتين محملتين بالمساعدات الطبية، من أدوية علاج السرطان، وغسيل الكلى، في إطار جسر جوي لنقل 62 طناً من الأدوية، وامتداداً لكثير من المساعدات التي قدمتها الدوحة.
هذا الموقف الإنساني الأخلاقي العروبي لم تبدأه قطر اليوم ولا الأمس، بل هو امتداد مستمر لنهج راسخ في إغاثة الملهوف، وعون المحتاج، تجاه الأشقاء العرب بصورة أولى، وتجاه كل المكروبين والمنكوبين. والتاريخ القديم والجديد، لا يزال يكتب ذلك في باب صنائع المعروف، لا في أبواب المن والفضل، ولا يزال النهر ينبع من الدوحة، مستمرا في هذا الرِفد، الذي يبقى في الأرض وينفع الناس.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...