
هل أنت بخير.. حقًّا؟
بقلم: كريم الشاذلي
| 23 فبراير, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 23 فبراير, 2024
هل أنت بخير.. حقًّا؟
في زمن الهيمنة التكنولوجية وثقافة التسويق، يغيب الاهتمام بالروح والقيم. يُعَرَّض الأديب مصطفى صادق الرافعي لتساؤلات مُلْهِمَة حول تفاضل القيم والسعر.
البحث في الذات يُطرَح كضرورة أساسية لتحقيق التوازن بين الروح والمادة.
قيمتك تتجاوز سعرك – استعادة الروح في زمن التسويق السطحي
في كتابه “وحي القلم”، يتعجب الأديب مصطفى صادق الرافعي من بعضهم قائلا: عجبت لمن يرتب الفوضى القائمة في حياته ومكتبه وفراشه وبيته، لكنه يترك الفوضى قائمة في قلبه!
طرح الرجل استنكاره هذا في الربع الأول من القرن الماضي، ولم يعرف حينها أنه سيأتي على الناس زمان تصبح حركتهم الدائبة كلها قائمة على تنظيم الخارج وترتيبه مع إهمال شبه كامل للروح ودواخل النفوس.
ذلك أننا نحيا في زمن تغلب عليه أبجديات السوق، وكل ما حولنا ومن حولنا يخبروننا بإلحاح أن التسويق هو أهم مكون من مكونات النجاح والوصول إلى القمة، وعليه بات الواحد منا منشغلا بتأكيد أن سعره في سوق الحياة ليس بخسا، وأنه يساوي الكثير. ومع اعترافنا بأن التسويق فعلا شيء مهم، فإننا وقعنا في الفخ، حيث صار تسويق المرء منا لنفسه أكبر من قيمته الحقيقية، ومع الوقت بتنا غير مهتمين بالقيمة وانشغلنا بالسعر!
ساعد على هذا بقوة توغُّل شبكات التواصل الاجتماعي في حياتنا، وظهور نجوم جدد على الساحة، لا يملكون من القيمة شيئا، لكنهم يعرفون سعر أن يكون لك معجبون كثر. وعليه، صار الانشغال الرئيسي للواحد منهم منصبّا على نيل الإعجاب، وزيادة المعجبين، والحفاظ على سعره في سوق النجومية الجديد؛ وأي حديث عن قيمة ما يحمله، لا يعني إلا التأخر.. كل شيء يمضي سريعا، لذا لا يجب أن نتمهل أبدا، حتى وإن كان تمهّلا فيه مراجعة للنفس، وتقويمها، وتربيتها، ورقيها!
أزمتنا الحالية هي أننا نجتهد كثيراً في إجابة السؤال الخطأ، ونهمل بشدة الالتفات إلى الأسئلة الصحيحة!
نهتم أن نجيب على سؤال المجتمع لنا “من أنت؟!”، هذا السؤال الذي يجيب عليه رصيدنا البنكي، وموقعنا الوظيفي، وسيارتنا الحديثة، وماركة النظارة والهاتف والحذاء! وللأسف، عنت شديد يؤلمنا ويأخذ من أرواحنا في الرحلة تلك، حالة من عدم الرضا عن أي شيء وصلنا إليه، فنحن بحاجة لأن نسعى أكثر، ونحارب أكثر، ونكسب أكثر، كي تكون إجابتنا حاسمة ونحن نخبرهم أننا نساوي الكثير.
غير أننا وأثناء انهماكنا في إجابة السؤال السابق، نهمل على الجانب الآخر شيئا بالغ الأهمية، سؤالا أهم بكثير من هذا السؤال المزعج، وهو “من أنا؟!”.. هذا السؤال الذي نحتاج للإجابة عليه أبجديات أخرى، ومعادلات أكثر دقة، ووضوحا غير محبب للنفس.
“من أنا؟”.. سؤال لا يجيب عليه رصيد مالي ولا عدد المعجبين، ذلك أن إجابته الحقيقية تأتينا من الداخل، تتعلق بشكل كلي بقيمتك كإنسان، بمعركتك مع هواك، بقِيَمك التي تحملها، وقناعاتك التي تمضي بك، واحترامك لذاتك.. الاحترام الذي يوقفك عن خوض معارك غير شريفة حتى وإن كانت أرباحها ستزيد من سعرك وأنت تخبرهم “من أنت”، احترامك لحقيقة أننا بشر وأن ما نفعله ونقوم به على سطح الأرض ما هو إلا خدش بسيط على وجه الحياة الممتدة، وأننا لن نحصل على كل شيء، فلنحصل إذن على ما يريح ضمائرنا المنهكة، ويضيف سطرا جديدا في سجل الشرف واحترام الذات.
يرى الكاتب والأديب “أوسكار وايلد” أن “أزمة الحياة تكمن في هؤلاء الذين يعرفون سعر كل شيء، لكنهم يجهلون قيمة أي شيء!”
ستجد دائما من يعرف سعر البلد لكنه يجهل قيمة الوطن، ومن يعرف سعر المرونة والذكاء و”تفتيح المخ”، لكنه يجهل قيمة الشرف والمبدأ!. غير أن الأسوأ من ذلك حقا أن نعرف سعر أنفسنا ونجهل قيمتها، أن نُخدع بالاستحسان الذي نراه في أعين الناس رغم يقيننا أن دواخلنا تعج بالفوضى والارتباك.. أن يصبح سؤال “من أنت؟” الذي يوجهه لنا المجتمع هو محرك الفكر والسلوك والمشاعر، مع إهمال كامل للنظر إلى الداخل وإجابة أسئلة الروح.
المرء منا يا صاحبي يحتاج إلى أن يكون مميزا، وناجحا، ومحبوبا، يحتاج إلى أن يعرض نفسه على الناس بشكل حسن ورائع، غير أن روعته تلك يجب أن تكون صحيحة وناضجة، مبعثها روح طيبة تحمل قيم الخير والجمال وحب الناس ونفعهم، بمعنى أننا نحتاج إلى تسويق قيمنا الأصيلة لا مظهرنا الخارجي فقط، ذلك أن خطورة الانفصال عن الذات وخداعها يصنع فجوة هائلة، تجعلنا غير سعداء، وغير هانئين، ومضطربين دائما برغم كوننا في نظر الآخرين مميزين وناجحين.
لقد حدث يوما أن سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد رعايا دولته عن حاله، فأجابه الرجل: أنا بخير ما دام أمير المؤمنين بخير، فتوقف عمر ونظر إلى الرجل قائلا بصرامته المعهودة: بل أنت بخير ما دمت تتقي الله.
أنت بخير حينما تعرف قيمة نفسك الحقيقية، وترفض أن يضعك أحد فوق قيمتك أو دونها!.
نعم، المرء منا بخير ليس بسبب رضا الخليفة أو الرئيس، ليس بخير بسبب رضا الناس والمجتمع، ليس بخير بعدد “اللايك أو الفولورز”.. إنما يصبح بخير حقا حينما يتوجه باهتمامه إلى رعاية ضميره، وضبط معايير الخير والشر والحب والكراهية، ويتعهد بناءَه النفسي بالاهتمام خشية أن تصيبه الأمراض الاجتماعية بتصدعاتها الخطرة.
أنت بخير حينما تعرف قيمة نفسك الحقيقية، وترفض أن يضعك أحد فوق قيمتك أو دونها..
أنت لست بحاجة للخداع، ولا لمسايرة رغبة لديك في أن تُحمد على مالم تفعل؛ كما أنك لست متأخرا ما دامت روحك معك ولا تلهث في سباق الحياة وحدها.
أنت بخير ما دمت راضيا عن نفسك، مؤمنا بقيمة ـ لا بسعرـ ما تفعله وتقوم به.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
لست بخير على أمل أن أصبح كذلك إن شاء الله
شكرا جزيلا كاتبنا الرائع