هل تكتشف الحكومات العربية لغز الأهلي المصري؟!

بواسطة | ديسمبر 30, 2023

بواسطة | ديسمبر 30, 2023

هل تكتشف الحكومات العربية لغز الأهلي المصري؟!

يستعرض هذا المقال أحدث فوز للنادي الأهلي المصري ببرونزية مونديال الأندية، مع التركيز على الردود الواسعة والأبعاد المتعددة لهذا الإنجاز الرياضي.

ورغم النجاحات الرياضية البارزة، تتجاوز قيمته الظاهرية الألعاب الملعوبة، لتمثل نموذجاً ملهماً في الإدارة الرياضية والتفاعل الجماهيري. في هذا السياق، يتناول المقال بعض الجوانب الفريدة والمثيرة للاهتمام حول نادي الأهلي وكيف تحقق تأثيره الايجابي.

الفوز البارز وأبعاده

أحدث فوز النادي الأهلي المصري ببرونزية مونديال الأندية لكرة القدم، التي اختتمت في السعودية الجمعة الماضية، ردود أفعال واسعة لأكثر من سبب؛ منها أنه انتزع الميدالية من فريق أوراوا الياباني، الذي شارك في المونديال بعد فوزه بكأس آسيا على حساب الهلال السعودي، وهو الفريق الكبير؛ ثم إنه خلال البطولة نفسها أقصى الأهلي نادياً سعودياً عريقاً آخر هو اتحاد جدة، في المباراة التي جرت على ملعبه ووسط زخم كبير وثقة مُفرطة في النصر عند جماهيره والإعلام السعودي، إذ كيف لا يفوز النادي الملقب بـ “النمور”، وصفوفه مدججة بعشرة لاعبين من خيرة نجوم أوروبا وأميركا اللاتينية، يتقدمهم كريم بنزيمة أحسن لاعب بالعالم لسنة 2022، على الأهلي ولاعبيه المحليين المُطعمين ببعض الأفارقة غير المشاهير، وكلهم على بعضهم قيمتهم السوقية تتضاءل خجلاً أمام أفراد الفريق السعودي؟!

الأهلي ليس مجرد نادٍ رياضي

ربما لا يعرف كثيرون في العالم العربي، أن الأهلي ليس مجرد نادٍ رياضي، وأن انتصاراته ليست فقط من أرضيات الملاعب أو نوعية لاعبيه، وإنما هي نتاج منظومة إدارة لا تعرف العشوائية، وتستند على تاريخ عريق من قيم ومبادئ و”جينات” نجاح، ورغبة دائمة في الرقم “1” يتوارثها كل من ينتمي إلى هذا الكيان، وقبل هذا وبعده جماهيرية طاغية، كأنها عصا ساحر بمجرد أن تمسّ أحداً يصبح محل الاهتمام ومحط الأضواء؛ لذا يتمنى كثيرون أن يكونوا جزءاً من منظومة الأهلي، من لاعبين ومدربين وإداريين وموظفين.

تأثير مقال زينب المحمود على الأهلي المصري ورد فعل جماهيره

سأروي واقعة عايشتها بنفسي، تكشف سحر الأهلي الذي يطال كل من يقترب منه..

قبل عدة شهور، وعلى غير عادتها في تناول الشأنين الثقافي والاجتماعي، كتبت الزميلة الكاتبة والشاعرة القطرية المرموقة د. زينب المحمود، مقالاً قيّماً عن النادي الأهلي، أبرزت  فيه جزءاً من سيرة النادي وانتصاراته، وبعضاً من مسيرة رئيسه الكابتن محمود الخطيب وأخلاقياته.

المقال أحدث دوياً في أوساط النادي المصري ومحبيه، إذ قوبل بعاصفة ترحيب كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أعادت مجلة “الأهلي” نشره، فيما احتفت قناة النادي بصاحبته عبر برنامجها الرئيس “ملك وكتابة” في مداخلة طويلة، زيّنتها د. زينب بقصيدة نظمتها في حب الأهلي، ما حدا بكبير مقدمي البرنامج والرمز الأهلاوي، المهندس عدلي القيعي، إلى أن يقول لها إن “النادي يُرصّع جبينه بمحبين من أمثالك”، بينما كانت عيون المقدم الآخر، الصحفي البارز إبراهيم المنيسي، تلمع إعجاباً بكلمات وعبارات الشاعرة المبدعة بحق ناديه؛ أما ذروة الاحتفاء فكانت مكالمة هاتفية تلقتها الكاتبة – عضو هيئة التدريس بجامعة قطر- من الكابتن الخطيب نفسه، شكرها فيها على ما تضمنه المقال من مشاعر وتقدير لقيمة الأهلي، ووجَّه لها الدعوة لزيارة النادي بالقاهرة.

الأهلي المصري بين الإنتقادات والتقدير

الأقدار جمعت صدفة – و هي خير من ألف ميعاد- صاحبة المقال والنادي العريق، في طريق ربما يحتاج فيه كل طرف للآخر؛ فالشاعرة “الفصيحة” كتبت من قبل – كما قالت في المداخلة التلفزيونية- أكثر من 500 مقال، لم يصادف أيّ منها مثل هذه العاصفة من الترحيب والقراءة والتفاعل والحب الجماهيري!. (90 مليون مصري من عائلة الأهلي أصبحوا أهلك يا د. زينب).. هكذا علّق أحدهم على المقال ضمن مئات التعليقات. أما النادي الكبير، فبدا كمن وجد نفسه تنطبق عليها العبارة المأثورة لمحمد الماغوط: “لا تكن متفوقاً في عالمٍ منحط، لأنك ستكون بقعة عسل في عالمٍ من الذباب.. ستفنى ويبقى الذباب!”.

يرى الأهلي – وعبر إعلامه الرسمي- أنه ورغم كل نجاحاته في مختلف المجالات من الرياضة إلى الاقتصاد، مستنداً إلى مبادئ إدارية ومنظومة قيم أخلاقية متوارثة منذ تأسيسه قبل 116 سنة، لا يلقى التقدير الكافي، ويتعرض منذ سنوات إلى هجوم على الشاشات، هو في حقيقته سباب علني طال رئيسه ورموزه وجمهوره؛ الأمر الذي دفع المهندس القيعي إلى أن يقول ذات مرة في برنامجه بمرارة وحسرة: “الأهلي غريب في بيته!”.

ربما لهذا السبب، يجد النادي ضالته في شخصيات عربية لها ثقلها الأدبي والثقافي من أمثال الشاعرة القطرية، تقول فيه كلمة طيبة تكشف وجهه الحسن. لقد قالها مقدِّما البرنامج صراحة بعد المداخلة الهاتفية مع د. زينب المحمود.. إن التقدير للأهلي يأتي من الخارج.

قيمة الأهلي وجوانبها الأخلاقية

إن قيمة الأهلي الظاهرة للعيان، تتمثل في الانتصارات المغلّفة بجانب أخلاقي يراها الأهلاوية أنها سر تميزه؛ لكن.. من يحلل ظاهرة هذا النادي من العُمق فسوف يكتشف أموراً تدعو المختصين والخبراء إلى دراستها لاكتشاف لغز تفوقه، ولا مبالغة لو قلت إنها توجب على السُلطات والحكومات العربية تأملها، عسى أن يتم الاستفادة منها؛ وهذه بعض الحقائق والملاحظات:

منظومة دائمة النجاح

لا يختلف اثنان على أن منظومة النادي الأهلي هي إحدى المنظومات العربية القليلة “دائمة النجاح” عبر تاريخ أمتنا.. يمكن أن أورد في هذه النقطة عشرات الشواهد، التي لا تبدأ من سير النادي على خطط عمل واضحة تثمر إنجازات كبيرة رياضية واقتصادية واجتماعية، ولا تنتهي عند تملُّكه صروحاً ومنشآتٍ على الأرض ممثلة في أربعة مقرات ضخمة، لا يملك مثلها أعتى أندية العالم.

الاعتماد على الذات

 اعتماد النادي على نفسه، إنه ليس مثل أندية الخليج – وتقريباً كل النوادي العربية- يستند على الدعم الحكومي، بل يعتمد الأهلي على تعظيم موارده، عبر تسويق اسمه في أوساط أصحاب العلامات التجارية العربية والعالمية، ودائماً ما يتسابق الرعاة على اقتران أسمائهم باسم الأهلي؛ والنتيجة أنه في عز جائحة “كورونا” مرت دول وحكومات وأندية بأزمات مالية، باستثناء الأهلي.

التأثير العالمي

كلما سافرت بعثة للنادي إلى الخارج لقيت استقبالاً جماهيرياً حاشداً، شاهدنا هذا في الدوحة وأبوظبي والخرطوم وفي مدن أفريقية وأوروبية عدة.. سيقول قائل إنه “جنون كرة القدم” وشغف الناس بها، لكن ماذا سيقول صاحب هذا الرأي إذا لاحظ ما يحدث لأي فريق يُمثل الأهلي في أية لعبة غير كرة القدم؟ في السعودية مثلاً، كانت بطولة كأس العالم لكرة اليد تقام في الدمام شرقي المملكة، وذهب جمهور الأهلي من مختلف المدن السعودية البعيدة، قاطعاً الأميال والمسافات الطويلة لتشجيع لاعبين، قد لا يعرف وجوههم أو أسماءهم؛ وكان لحضور هذا الجمهور الفضل الكبير في نجاح البطولة، وامتنان المسؤولين الرياضيين السعوديين تجاه محبي الأهلي ومشجعيه، وتخفيض أسعار التذاكر من أجلهم. وقد حدث الأمر نفسه لفريق كرة السلة في البطولة العربية بالكويت وقطر، وهكذا في كل اللعبات.. يكفي وجود اسم الأهلي لتأتي الحشود.

ما الذي يدفع هؤلاء وأمثالهم إلى الوقوف خلف “القميص الأحمر” بكل جهدهم، مع أعباء مالية يتحملونها برضا وحب؟! أيكون الأهلي بالنسبة لهم مجرد نادٍ، أم نموذجاً لكيان ينتمون إليه، يذهب بهم إلى الانتصارات، ويجلب إليهم الفرحة؟! ومعلوم أهمية ثنائية “الانتصار والفرحة” في إعادة الاتزان النفسي للفرد، وسط هموم وصعوبات ومتاعب الحياة.

الروح الجماعية واحترام القائد

حينما يفوز الأهلي ببطولة في أي لعبة فإننا نشاهد كثيراً منظر اللاعبين يتسابقون لتطويق عنق الكابتن الخطيب بالميداليات.

القيادة الفعّالة ومسؤولية القائد

قد يقول قائل إن اللاعبين يحاولون بهذا الأمر كسب ود رئيس ناديهم، لكن ماذا نقول في شعبية الرجل الحقيقية الكاسحة والحب الذي يلقاه من قبل عشرات الملايين؟!

الخطيب، ورغم أنه يفوز برئاسة القلعة الحمراء بأصوات أعضاء “الجمعية العمومية”، لكنه يؤكد باستمرار أن الأهلي له “جمعية عامة” هم جماهير النادي في كل مكان، ويصفهم بأنهم أصحاب الأهلي الحقيقيون، بل ويعتذر لهم في حال حدوث إخفاق.

التعاون والمسؤولية

 رئيس النادي لا ينفرد بالقرار، وكل القرارات تخرج باسم مجلس الإدارة، يعطي “العيش لخبازه”، لا مجال عنده لأي مجاملة على حساب الكيان، يتكلم قليلاً ويعمل كثيراً، لا يحب “الشو” أو أخذ “اللقطة”، وكان حديث أفريقيا وفريقُه يفوز ببطولة الأندية الحادية عشرة على مستوى القارة، فلا يتقدم لمنصة التتويج في الدار البيضاء بالمغرب، بل يترك المجال والأضواء لرئيس بعثة النادي، حسام غالي، أصغر أعضاء مجلس الإدارة سناً. الأمر نفسه فعله في مونديال الأندية بجدة، إذ تخلى عن عدسات المصورين وكاميرات الفضائيات وقت تسلم الميداليات لعضو المجلس، المهندس خالد مرتجي!

هدوء وحكمة في التعامل مع الانتقادات

الخطيب تعرض لإساءات وبذاءات دخلت كل البيوت عبر برامج هوائية، لكنه ظل يترفع عن الصغار والصغائر، وأبداً لم يهبط لمستوى الرد بالمثل، بل يلجأ فقط إلى القانون بحثاً عن حقوق ناديه وشخصه.

الروح الرياضية ووعي الجمهور

جمهور النادي ورغم حبه للخطيب “الأسطورة” وتقديره لشخصه، فإنه لا يتوانى عن توجيه سهام النقد إليه وبقسوة، في حال صدر قرار من الإدارة لم يعجب الشارع الأهلاوي.

استمرارية النجاح والتفاعل الإيجابي

الجمهور وهو ينتقد يكون مرتاحاً نفسياً لأنه  يمارس حقاً إنسانياً طبيعياً، وفي المقابل فإن الإدارة تتفهم أن أفرادها بشر ليسوا معصومين من الخطأ، وأن الانتقاد يؤدي إلى كشف الخلل وتصحيح المسار.. ووقت الجد، يتكاتف الجميع. بالتالي – وبالضرورة- فإن النادي في ظل هذه الروح الإيجابية بين الطرفين ينهض من كبواته سريعاً، ليواصل تحقيق نجاحات جعلته اسماً ملء السمع والبصر عالمياً.

الوصفة الناجحة

إذا لم تكن النقاط العشر السابقة نموذجاً مُلهِماً لكل من يسعي إلى النجاح من كيانات ومؤسسات وحتى حكومات، فما هي أسس و”روشتة” التقدم؟

من كان عنده وصفة ناجعة غير “وصفة الأهلي” فليأتني بها !

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...