هل تنحاز السلطة الفلسطينية إلى المقاومة؟

بواسطة | أبريل 2, 2024

بواسطة | أبريل 2, 2024

هل تنحاز السلطة الفلسطينية إلى المقاومة؟

اشتهرت حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ اليوم الأول باسم (الحرب على حماس)، وهي مغالطة سياسية وعسكرية كبيرة، مع التسليم بأن حركة “حماس” هي العقل المدبر والفتيل المفجّر لهجوم “طوفان الأقصى” في ٧ من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، إلا أن حماس جزء من الشعب الفلسطيني وتدافع عن حقوقه وتعمل على تحقيق مطالبه، وليس كياناً إرهابياً داعشيّاً كما يحلو للبعض تسميتها تحت ضغط المنافسة الحزبية واستحقاقات الشرذمة السياسية العربية التي قلبت الموازين وانحنت للمستعمر الغاصب. ومع ذلك فإن من أكثر الأشياء إيلاماً في هذه الحرب هو موقف السلطة الفلسطينية من هذه الحرب، فرغم أنها لم تدن حماس رسمياً حتى الآن، إلا أنها عند تناولها لموضوع الحرب، لا تستطيع أن تأتي على ذكر حماس، وتقصر حديثها ومطالبها ومناشداتها على حماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية. يحدث هذا في الوقت الذي تقف فيه الجبهة الصهيونية موقف رجل واحد منذ اليوم الأول للحرب، رغم التباينات السياسية والفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

حان الوقت، بعد ستة أشهر من حرب الإبادة الجماعية في غزة، أن تنحاز السلطة الفلسطينية إلى المقاومة، وأن تحطم الأغلال التي تقيد بها نفسها، وتدوس على اتفاقيات الذل التي ما زالت تتمسك بها.

بيانات بائسة

صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية يوم الأحد الماضي الموافق ٣١/٣/٢٠٢٤م، بيان بعنوان (تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض؛ الإطار الوحيد لإنجاح أية ترتيبات تتعلق باليوم التالي للعدوان)، وهذا البيان، رغم أنه واحد من البيانات العديدة التي تجسّد الشرخ الفلسطيني والألم الداخلي الفلسطيني،  والازدواجية الفلسطينية، والتشفي الفلسطيني حتى في أصعب ظروفه وأكثرها قسوة وألماً على مرّ التاريخ، إلا أنه يضع النقاط على الحروف في العديد من القضايا الحيوية التي تؤكد حجم الخلل المهيمن على أداء السلطة الفلسطينية للشهر السادس على التوالي وهي تتابع التفاصيل اليومية لحرب الإبادة الصهيو-أميركية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقبل الوقوف عند محتوى البيان، يجدر التنويه إلى النقاط المؤسفة التي تجسّد انحياز السلطة الفلسطينية إلى جانب التحالف الصهيو-أميركي:

  1. الزائر لموقع وزارة الخارجية والمغتربين، يخلو من أي معالجات إعلامية خاصة لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها التحالف الصهيو-أميركي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
  2. بحثت عن كلمة (حماس) في محرك البحث الخاص بموقع الوزارة، فلم تظهر أي نتيجة.
  3. كما أن بيانات الوزارة الخاصة بالحرب تخلو من أي ذكر أو إشارة لحركة حماس، من قريب أو بعيد، وهو أمر بحاجة إلى مراجعة عاجلة.
  4. إن السلطة الفلسطينية -شئنا أم أبينا- التي تمثل الشعب الفلسطيني على المستوى الرسمي محلياً وإقليمياً ودولياً؛ تنحاز إلى المجتمع الدولي، وهي تعرف حقّ المعرفة أنه لم ولن ينصفها في شيء طيلة تاريخ القضية، ورغم مرور ستة أشهر على بربرية الكيان الصهيوني في قطاع غزة، إلا أن أداء السلطة الفلسطينية أدنى بكثير جداً من مستوى هذه البربرية، ولم تقم حتى الآن بما تفرضه عليها هذه الحرب من موقع المسؤولية سوى التنديدات والإدانات والخطابات الباهتة والتصريحات المراوغة.

وبالعودة إلى بيان وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، وهي إحدى آليات عمل السلطة الفلسطينية، فإنه جسّد ضعف السلطة الفلسطينية وعجزها عن القيام بما تفرضه عليها حرب الإبادة الجماعية الشاملة في قطاع غزة، وخاصة بعد فشل كافة الجهود الأممية في أن تلزم الكيان الصهيوني بإيقاف الحرب، بسبب حماية الولايات المتحدة. وقد تمثل هذا الضعف فيما يأتي:

  1. بدأ البيان بالحديث عن النتائج المترتبة على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إلا أن هذا الحديث اقتصر على (الإدانة بأشد العبارات)، في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب ويتصاعد فيه مؤشر القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وتتفاقم فيه المعاناة دون، وفي الوقت الذي يتصرف فيه الكيان الصهيوني دون رقيب ولا حسيب يلقي له بالاً، مستبيحاً كل شيء، ومتجاوزاً كافة القوانين والمواثيق والقرارات.
  2. أشارت الوزارة إلى أنها تتابع ما يقوم به الكيان الصهيوني من ترسيم لمناطق عازلة تلتهم مساحة واسعة من القطاع، وما يقوم به من تقطيع لأوصاله، وشق طرق عرضية وطولية فيه، وتحويله إلى مناطق معزولة بعضها عن بعض، فاصلاً شماله عن وسطه وعن جنوبه؛ دون أن توضّح طبيعة الخطوة التي ستقوم بها رداً على هذه الممارسات.
  3. في النصف الثاني من البيان تحذّر الوزارة الكيان الصهيوني من مخاطر أية ترتيبات يروّج لها “بشأن اليوم التالي للعدوان” ويعمل “على إنجازها بشكل تآمري وتصفوي” بهدف تكريس سيطرتها العسكرية والأمنية على قطاع غزة. فماذا ستعمل الوزارة بهذه التحذيرات، وهي ليست الأولى من نوعها؟ خصوصاً وأن ما يقوم به الكيان الصهيوني مع شركائه يتجاوز ما أشارت إليه الوزارة في بيانها من أنه يهدف إلى فصل “قطاع غزة عن الضفة الغربية المحتلة وضرب الجهود الدولية المبذولة لتوحيد جغرافيا دولة فلسطين في ظل الشرعية الفلسطينية المعترف بها”. لقد مزّق الاحتلال جميع القوانين والمواثيق، وداس على الشرعية الدولية بأقدامه ونفّذ ما يريده، والسلطة الفلسطينية ما زالت تتعلق بأستار الشرعية الدولية لعلها تداري بها خزيها وعجزها.

إن مثل هذا الخطاب من السلطة الفلسطينية ووزاراتها، لم يعد يجدي نفعاً، تماماً مثلما أنه لم يجد نفعاً طيلة العقود الثلاثة الماضية، وقد حان الوقت، بعد ستة أشهر من هذه الحرب، أن تنحاز السلطة الفلسطينية إلى المقاومة، وأن تحطم الأغلال التي تقيد بها نفسها، وتدوس على اتفاقيات الذل التي ما زالت تتمسك بها، فهل تفعل؟ لقد صمدت غزة ستة أشهر، ولم يسقطها الدمار والقتل والجوع والألم، وستستمر في صمودها حتى يسقط الاحتلال.

1 تعليق

  1. Boris Jackson-Moller

    يريدون ليطفئوا نور الله بأرواحهم. والله متم نوره.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...