هل تهاوت رهانات إسرائيل الإستراتيجية على التطبيع؟

بواسطة | يونيو 13, 2023

بواسطة | يونيو 13, 2023

هل تهاوت رهانات إسرائيل الإستراتيجية على التطبيع؟

سعت إسرائيل إلى توظيف اتفاقات التطبيع التي توصلت إليها مع عدد من الدول العربية في تحقيق أهداف إستراتيجية رئيسة؛ ونظرا لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو هو الذي قاد مسار التطبيع، وتم التوصل في عهد حكوماته لجميع اتفاقات التطبيع، فإن قراءة وتحليل خطابه بشأن هذا المسار، يساعدان على رصد ثلاثة أهداف إستراتيجية سعت تل أبيب تحت قيادته إلى تحقيقها من خلال التوصل لهذه الاتفاقات، تتمثل في:

بناء تحالف إقليمي يضم إسرائيل والدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقات، يساعد تل أبيب على تحقيق مصالحها الحيوية، ويمكنها من التصدي لتهديدات وجودية، وتحديدا البرنامج النووي الإيراني.
توظيف التطبيع مع الدول العربية كبديل عن التوصل لتسوية سياسية للصراع مع الشعب الفلسطيني، تكون إسرائيل في إطارها مجبرة على الانسحاب من جزء من الأراضي التي احتلتها خلال حرب 67؛ وحسب منطق نتنياهو، فإنه كلما انضم المزيد من الدول العربية إلى مسار التطبيع تعاظم أكثر مستوى عزلة الفلسطينيين، ما يقلص من قدرتهم على التشبث بمواقفهم المطالبة باستعادة حقوقهم، وهذا قد يضطرهم في النهاية إلى القبول برؤى اليمين الإسرائيلي لحل الصراع، التي لا تتجاوز منحهم حكما ذاتيا، يسمح لتل أبيب بالاحتفاظ بالسيادة الحقيقية على الأرض المحتلة؛ وقد عبر نتنياهو عن هذا التوجه بشكل صريح، عندما قال إن التطبيع يسمح بإنجاز تسوية مع الفلسطينيين تقوم، على شعار “السلام مقابل السلام”.
إضفاء شرعية شعبية عربية على وجود إسرائيل، عبر المبادرة بتدشين مشاريع اقتصادية وتنفيذ مناشط اجتماعية وثقافية، تنخرط فيها قطاعات جماهيرية عربية وإسرائيلية، تساعد على تغيير توجهات الرأي العام إزاء الكيان الصهيوني.

لكن، بعد حوالي ثلاث سنوات على بدء مسار التطبيع يتضح أن هذه الرهانات لم تتحقق، ولا يوجد ما يدل على أنها قابلة للتحقيق في المستقبل.

أخضعت بعض الدول التي وقعت على اتفاقات تطبيع علاقتها بإسرائيل بحساسية إيران تجاهها. فقد كشف موقع “واللاه” الإسرائيلي أن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ألغى زيارة كان من المتوقع أن يقوم بها نتنياهو لأبو ظبي، في يناير الماضي، خشية أن يدلي خلالها بتصريحات تستفز طهران.

فبخلاف ما بشر به نتنياهو، فإن اتفاقات التطبيع لم تتخلف فقط عن الإسهام في تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران، بل إن دولا عربية كانت في صراع غير مباشر مع إيران أحدثت استدارات كبيرة في سياساتها الخارجية، وطبَّعت علاقاتها مع طهران؛ ولم يقتصر الأمر عند هذا فحسب، بل إن إيران أعلنت مؤخرا عن تشكيل “تحالف بحري” يشملها ودولا خليجية، وهو ما أصاب القيادة الإسرائيلية بالإحراج، ودلل للرأي العام في تل أبيب على أن نتنياهو بالغ كثيرا في عقده الآمال على التطبيع.
ومما لا شك فيه، أن أكبر مسوغات الإحباط الإسرائيلي من التطبيع تمثل في التحول الذي طرأ على موقف الدول الخليجية من التوصل لاتفاق نووي بين إيران والقوى العظمى. ولئن كانت إسرائيل قد استفادت كثيرا من موقف بعض الدول الخليجية المعارض للاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في 2015، وهو الموقف الذي أسهم في اقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب منه في 2018، فإن الدول الخليجية لم تعُدْ تبدي معارضة للتوصل لاتفاق أمريكي إيراني حول مستقبل برنامج طهران النووي، بما يتناقض تماما مع مصالح إسرائيل، كما يراها نتنياهو. وهذا ما يفسر ما كشفت عنه صحيفة “هارتس” الأسبوع الماضي من أن طهران وواشنطن على وشك الإعلان عن اتفاق “مؤقت” بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وقد أخضعت بعض الدول التي وقعت على اتفاقات تطبيع علاقتها بإسرائيل بحساسية إيران تجاهها. فقد كشف موقع “واللاه” الإسرائيلي أن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ألغى زيارة كان من المتوقع أن يقوم بها نتنياهو لأبو ظبي، في يناير الماضي، خشية أن يدلي خلالها بتصريحات تستفز طهران.
من الواضح أن الدول العربية، وضمنها بعض الدول التي انضمت إلى مسار التطبيع، قد اكتشفت ازدواجية معايير إسرائيل. فإسرائيل التي تحتفي بشكل تظاهري بالتعاون مع هذه الدول، لم تتردد في توظيف كل ثقلها ونفوذها في منع الولايات المتحدة من تزويد هذه الدول بسلاح متقدم، بحجة أن حصولها عليه يهدد تفوقها النوعي.
وعلى صعيد الصراع مع الشعب الفلسطيني، فإن كل المؤشرات تفيد بأن التطبيع لم يؤثر على دافعية الفلسطينيين للتشبث بحقوقهم؛ فبعد التوصل لاتفاقات التطبيع شنت إسرائيل ثلاث حروب على قطاع غزة بعد أن عمدت حركات المقاومة إلى محاولة فرض معادلات وقواعد اشتباك جديدة، فضلا عن تفجر عمليات المقاومة الفردية في الضفة الغربية التي مازالت تستنزف إسرائيل.
وبعد الشروع في مسار التطبيع استجد معطى بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل، تمثَّل في تعاظم دافعية فلسطينيي الداخل للانخراط في العمل المقاوم ضد الاحتلال، كما عكس ذلك سلوك هؤلاء الفلسطينيين أثناء الحرب على غزة في مايو 2021.

أظهرت بعض الدول، مثل المغرب، ميلا أكبر لاستنفاذ الطاقة الكامنة في التطبيع عبر تكثيف وتوسيع التعاون الأمني والعسكري والإستراتيجي العلني مع إسرائيل، لكن تأثير عوائد العلاقة مع المغرب على مصالح إسرائيل الاستراتيجية محدود

إلى جانب ذلك، لم تفلح اتفاقات التطبيع في إحداث تحول على موقف الشعوب العربية من إسرائيل؛ وقد سمحت أحداث وفعاليات “مونديال قطر 2022” بإبراز موقف الجماهير العربية الرافض لإسرائيل والتطبيع معها. ومما فاقم الإحباط لدى نخب الحكم في تل أبيب حقيقة أن الجماهير العربية ليست فقط رافضة للتطبيع مع إسرائيل، بل إنها تحتفي على نطاق واسع بكل من يستهدفها، كما عكست ذلك ردود العرب، على مواقع التواصل الاجتماعي، على عملية إطلاق النار التي نفذها الجندي المصري محمد صلاح مطلع الأسبوع الماضي.
وبخلاف ما روجت له إسرائيل، فإن كل المؤشرات تدل على انحسار مسار التطبيع، حيث لا يوجد ما يدلل على أن مزيدا من الدول العربية معنية بالانضمام إلى هذا المسار؛ وقد تهاوت آمال إسرائيل في التوقيع على اتفاق تطبيع مع السودان في أعقاب تفجر المواجهة العسكرية بين القيادات العسكرية المتحمسة للتطبيع، مع العلم أن إسرائيل راهنت بالفعل على تحقيق مكاسب إستراتيجية كبيرة حال تمكنت من انجاز هذا الهدف.
لكن ما تقدم لا يعني أن التطبيع لم يحدث تحولات مهمة على نسق العلاقات بين إسرائيل والدول التي انخرطت في مسار التطبيع، سيما على الصعيد الاقتصادي؛ فقد قفز التبادل التجاري بين إسرائيل والدول العربية التي طبعت معها من 593 مليون دولار في 2019 إلى ثلاثة مليارات و470 مليون دولار في العام 2022. لكن، لا يوجد ما يضمن أن يحتفظ التبادل التجاري بين إسرائيل والدول العربية بهذا الزخم، سيما وأنه يتأثر بكثير من التحولات، على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية.
إلى جانب ذلك أظهرت بعض الدول، مثل المغرب، ميلا أكبر لاستنفاذ الطاقة الكامنة في التطبيع عبر تكثيف وتوسيع التعاون الأمني والعسكري والإستراتيجي العلني مع إسرائيل، لكن تأثير عوائد العلاقة مع المغرب على مصالح إسرائيل الاستراتيجية محدود، فضلا عن أن مظاهر الرفض الشعبي المغربي للتطبيع يمكن أن يفضي مستقبلا إلى فرملة الاندفاع الرسمي في هذا المسار.
ولا يمكن إغفال دور الحراك الإسرائيلي الداخلي في تثبيط مسار التطبيع، حيث ترافق هذا المسار مع حدوث مزيد من التطرف على توجهات المجتمع الإسرائيلي، عكسته نتائج الانتخابات الأخيرة التي قادت إلى تشكيل الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، حاملة ما تتبناه من سياسات تتسبب في إحراج نظم الحكم التي وقَّعت على اتفاقات التطبيع.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...