من قرار القضاء عليها إلى التفاوض معها.. هل خضعت إسرائيل؟

بواسطة | نوفمبر 24, 2023

بواسطة | نوفمبر 24, 2023

من قرار القضاء عليها إلى التفاوض معها.. هل خضعت إسرائيل؟

في السابع من أكتوبر، أعلن رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بدء حملة عسكرية عنيفة ضد حماس، إلتزمت المقاومة الفلسطينية برؤية واضحة. رغم التأييد الأولي الدولي لإسرائيل، إلا أن تحولات الميدان وضغوط الداخل الإسرائيلي دفعت نحو تهدئة بوساطة قطر. تلك الأحداث أظهرت الفشل الإسرائيلي، وتحول دعم العالم لحقوق الفلسطينيين. النتيجة: مفترق طرق يشير إلى تحولات سياسية في المستقبل الفلسطيني.

السابع من أكتوبر: مفترق طرق في التاريخ الإسرائيلي وتأثيراته على الساحة الدولية

قبل 48 يومًا، وتحديدًا يوم السابع من أكتوبر، وبينما كانت إسرائيل تحاول استيعاب الصدمة من هول ما جرى في صباح ذلك اليوم، خرج رئيس وزرائها نتنياهو بعد نحو 12 ساعة على انطلاق عملية طوفان الأقصى بخطاب “انعكاس الصدمة”، تعهد خلاله بالقضاء التام على حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة، وأنه لا مفاوضات مع “الإرهابيين”، ليبدأ بعدها الجيش الإسرائيلي حربًا هي الأعنف منذ احتلال فلسطين، حيث قُتل حتى الآن ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، ودمرت الطائرات الحربية والدبابات كل شيء في قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا، المشافي والمدارس والمساجد والكنائس والمنازل والمرافق الاقتصادية، كلها كانت أهداف إسرائيل في حربها المجنونة على غزة..
في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي الواسع حصلت إسرائيل على دعم دولي غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ترافق معه جسر جوي من المساعدات العسكرية لضرب المقاومة الفلسطينية في غزة، كما تحولت تل أبيب إلى محجّ لكثير من زعماء العالم؛ هذا الدعم والإسناد الدولي ساهم في صعود نتنياهو ووزير حربه على الشجرة، ورفع سقف التوقعات والآمال، خاصة أنه ترافق مع حالة ضعف عربي وإسلامي غير مسبوق.. لقد ظهرت الصدمة على وجوه الزعماء العرب وسلوكهم وحراكهم الدبلوماسي، كما لو كانت عملية طوفان الأقصى بمثابة كابوس غير متوقع.
في المقابل، ظهرت المقاومة الفلسطينية أكثر انضباطًا وحكمةً وهدوءًا في إدارتها للمعركة، لقد كانت منطلقات العملية واضحة من خلال خطاب محمد الضيف قائد أركان المقاومة، الذي تحدث عن أربعة أسباب أساسية لهذه المعركة وهي: “القدس، والأسرى، والتوسع الاستيطاني في الضفة، وتشديد الحصار على غزة”، ورافق أداءَ المقاومة وسلوكها الميداني تأييدٌ شعبيّ، واحتضان كبير وغير مسبوق لها من أهالي قطاع غزة على وجه التحديد، ومن عموم الشعب الفلسطيني والجماهير العربية والإسلامية؛ لقد أعادت العملية الزخم للقضية الفلسطينية ورفعتها لتُصبح في لحظات على أجندة كل العالم، والحدث الأهم عالميًّا، واختفت أحداث كثيرة كانت تشغل وسائل الإعلام قبل السابع من أكتوبر.. لقد بدا وكأن السابع من أكتوبر فاتحةٌ لعهد جديد، كانت أبرز ملامحه:
1ـ الاصطفاف الدولي الرسمي إلى جانب الاحتلال، وهو ما فضح المنظومة الدولية وازدواجية المعايير لديها، خاصة عند مقارنة المواقف الغربية بين ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في فلسطين.
2ـ أظهرت المعركة إسرائيل بوجهها الحقيقي دون مكياج، ورغم الحشد الدولي الواسع فإن الجماهير كانت أكثر وعيًا وحضورًا في سياق المعركة، لقد فقدت إسرائيل الكثير من التأييد الدولي، ووجدت إسرائيل نفسها أمام حقيقة خسارة آخر ما تبقى لها من رصيد أخلاقي أو تعاطف شعبي عالمي، وهي تُسقط كل الخطوط الحُمر في اندفاعها الهمجي إلى القتل والتدمير.
3ـ كشفت المعركة خضوع المنظمات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة للإرادة الأمريكية، وعجزها عن تحقيق الحد الأدنى من الوقوف إلى جانب الأبرياء والمدنيين، بل أوصل النظر في سلوكها إلى حد اتهامها بالمشاركة في مؤامرة تُحاك ضد الشعب الفلسطيني، والتساوق مع الرغبة الصهيونية في إبادة أهل غزة وتهجيرهم.
4ـ كان العجز العربي الرسمي سمةً بارزة خلال المعركة، حتى تحولت القمة العربية إلى مادة للسخرية والتندر لدى الشعوب العربية، لقد كشفت الأنظمة العربية عن كمٍّ هائلٍ من الضعف والارتهان للإرادة الأمريكية، حتى وصل بها الحال إلى أن عجزت عن إغاثة غزة بقطرة ماء أو كسرة خبز.
أمام هذا المشهد واصلت آلة الموت الإسرائيلية عدوانها على غزة برًا وبحرًا وجوًّا، لقد سعى ثلاثي الحرب في إسرائيل (نتنياهو وغلانت وغينتس) لإخفاء الهزيمة المدوية والانكسار الكبير الذي حدث يوم السابع من أكتوبر، عبر إحداث إبادة جماعية في غزة، وعلى مدار 48 يومًا سعت إسرائيل لإظهار التماسك، لكن يبدو أن الفشل المتواصل عسكريًّا في الميدان، وتغيُّر المواقف الدولية بين يدي جرائم الاحتلال بحق الأبرياء، دفعها للبحث عن مخرج يحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه أمام الجمهور الصهيوني، الذي يتظاهر بشكل متصاعد ضد نتنياهو وحكومته، ويطالبهم بإعادة الأسرى ويتهمهم بالفشل في المعركة، وفي المقابل يساهم في إنزال نتنياهو تدريجيًّا عن الشجرة، التي صعد عليها في لحظة الصدمة يوم السابع من أكتوبر، فكان الحل عبر هدنة إنسانية مؤقتة من المتوقع أن تساهم في الوصول إلى نهاية لهذا العدوان.
لكن؛ ماذا تعني هذه الهدنة على الصعيد الفلسطيني؟. فلسطينيًّا سعت المقاومة للوصول لهذه التهدئة لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها:
1ـ تخفيف الضغط الإنساني عن سكان قطاع غزة، الذين تعرضوا لعدوان صهيوني غير مسبوق، وتمثَّل ذلك في وقف الأعمال القتالية لعدة أيام قابلة للتمديد، يترافق معها وقف كلي وجزئي للطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء القطاع، وتسهيل دخول المزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع، وهو أمر تراه المقاومة مهمًّا جدًّا لإسناد حاضنتها الشعبية.
2ـ كسرت المقاومة بهذه الهدنة بعض اللاءات الإسرائيلية، فها هي إسرائيل تفاوض حماس بعد أن كانت تتعهد بإبادتها، وها هي تخضع لمبدأ تبادل الأسرى وليس استعادتهم بالقوة كما تعهد قادة الاحتلال في الأيام الأولى للعدوان.
3ـ تُدرك المقاومة أن أي هدنة مؤقتة ستمكِّنها من إعادة ترميم صفوفها وتنظيم عناصرها، وتنسيق الخطط العملياتية لتكون جاهزة لمواصلة القتال إذا استدعى الأمر ذلك.
4ـ تحقيق أحد أهم أهداف السابع من أكتوبر، المتمثل بإنهاء معاناة الأسرى وإطلاق سراحهم؛ وفي تقديري أن المقاومة تعتقد أن إطلاق سراح 150 أسيرًا من الضفة الغربية والقدس قد يُساهم في تحريك الشارع هناك، ويُشكل حرجًا أكبر لينخرط أهالي الضفة في مقاومة الاحتلال إسنادًا لأهل غزة.
5ـ تُدرك المقاومة في تقديري حالة الغضب داخل الشارع الإسرائيلي، الذي كان يدعو نتنياهو للذهاب لتبادلٍ للأسرى من اليوم الأول، لكنه كان يرفض ويعِدهم بإعادة أسراهم من خلال عملية عسكرية؛ والآن ومع أول مشاهد تبادل الأسرى سيزيد الضغط الداخلي الإسرائيلي على نتنياهو، وستسعى بقية عوائل الأسرى للضغط على نتنياهو للذهاب نحو تمديد التهدئة وإطلاق سراح المزيد من أبنائهم، كما أن هذه التهدئة من شأنها أن تُعمّق الخلافات الداخلية في إسرائيل، وتلك خلافات حاول نتنياهو عبر حمام الدم في غزة أن يختبئ خلفها خلال الأسابيع الماضية.
في النهاية، وبغض النظر عن مآلات هذه التهدئة فإن حقيقةً واحدة باتت مؤكدة، أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، وأن أحلام إسرائيل ومِن خلفها القوى الغربية في إبادة حماس قد تبخرت منذ اللحظة الأولى لقرارها الجلوس معها على طاولة المفاوضات بوساطة قطرية، وأن المنطقة بلا شك مُقبلة على أحداث وتطورات سياسية دراماتيكية مُتعلقة بالقضية الفلسطينية؛ ولا أستبعد أن تكون حماس التي يُراد شطبها اليوم، هي اللاعب الرئيس في تلك التطورات المرهونة بالنتائج النهائية لهذه المعركة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...