وحدها غزة تنتصر

بواسطة | مايو 4, 2024

بواسطة | مايو 4, 2024

 وحدها غزة تنتصر

وحدها غزة وقفت في وجه حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية بهمجيتها ووحشيتها وعربدتها واستكبارها وترسانتها الحربية المتطورة التي لا تنفذ. وحدها غزة بأبطالها الميامين وشعبها الأسطوري الراسخ في إيمانه وأرضه، علمّت العالم معني الصمود والمقاومة، ومعنى الثبات والفداء، ومعنى الإصرار على المبادئ واستعادة الحقوق السليبة من براثن الغاصبين المحتلين. وها هي بعنادها الواثق، وعزيمتها الضاربة في باطن الأرض والسامقة في عنان السماء، ترغم التحالف الصهيو-أميركي الإجرامي على تعديل شروطه التفاوضية مرة تلو الأخرى حتى تقترب من مطالب حماس وفصائل المقاومة وتوافق على إيقاف الحرب وتبادل الأسرى، لتكون على موعد مع الانتصار.

وحدها غزة تقف شامخة تحت حصار مطبق، لتسطّر بدمائها دروساً جديدة سيحفظها التاريخ عن ظهر قلب، لتلهم العالم لأجيال عديدة قادمة كيفية الثبات على الحق مهما تراكم فوقه من تضليل وأكاذيب، وكيفية الصمود في وجه العدوان مهما كلفها من دماء وضحايا ومعاناة.

دروس لم يعرفها التاريخ

وحدها غزة ما زالت تواصل صمودها في وجه التحالف الصهيو-أميركي للشهر السابع على التوالي، تحت حصار مطبق، دون أن يمد لها أحد يد العون لا بالعتاد ولا بالسلاح، ودون أن تهرع المؤسسات الإقليمية والدولية لإغاثة النازحين ومداواة الجرحى، على غرار ما حدث ويحدث في كافة الصراعات والحروب، من فيتنام وأفغانستان إلى الصومال والعراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان وكوسوفو والبوسنة والهرسك وأوكرانيا. وحدها تواصل صمودها تحت هذا الحصار في الوقت الذي تتدفق فيه الأسلحة والمعدات والمساعدات والخطط والخبرات للكيان الصهيوني دون انقطاع من الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى والشركات الصهيونية الممتدة على مدى القارات الست. وحدها غزة تقف شامخة، لتسطّر بدمائها دروساً جديدة سيحفظها التاريخ عن ظهر قلب، لتلهم العالم لأجيال عديدة قادمة كيفية الثبات على الحق مهما تراكم فوقه من تضليل وأكاذيب، وفي كيفية الصمود في وجه العدوان مهما كلفها من دماء وضحايا ومعاناة.

لقد علّمت غزة الكيان الصهيوني أنه مهما بلغت قوته وجبروته، ومهما امتد نفوذه الإقليمي والدولي، ومهما جمع حوله من العملاء والمهزومين، ومهما وقّع معهم من اتفاقيات وأخذ منهم من صكوك واعترافات، فإن الشعب الفلسطيني المقاوم له بالمرصاد، ولن تهدأ أجياله على مدى الزمان حتى تستعيد حقوقها، دون أن تخشى عربدته ونفوذه وترسانته الإجرامية، حتى النووية منها.

لقد علّمت غزة الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى التي تحتضن الكيان الصهيوني وتخضع لنفوذ الحركة الصهيونية والمجلس اليهودي العالمي، أن في هذه الأرض أمم لا تقبل الضيم، ولا تخشى الموت، ولا تساوم على حقوقها الأصيلة كما لا تساوم على شرفها. علّمت غزة هذه الدول أنها مهما فعلت لإقامة الدولة اليهودية المزعومة فإنها لن تفلح، وأن الشعب الفلسطيني لن يهدأ حتى يُفشل جهودهم ويحبط مخططاتهم. كما علمتهم غزة أن الشعب الفلسطيني لا ينكسر بل ينتصر.

لقد كشفت غزة لأجيال العالم الحالية، كباراً وصغاراً، حجم الأكاذيب والأساطير التي فرضتها عليهم الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية، عن طريق آلاف المؤسسات المنتشرة في دول العالم، توزعها وتحرسها وتفرضها على الحكومات والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام وشركات الإنتاج الدرامي والفني، بل وتراقب من لا يخضع لها أو يخالفها أو يعارضها بأي شكل من الصور، لتفرض عليه ما يستحقه بسبب ذلك من عقوبات رادعة له ولمن حوله ولمن بعده، حتى لا تسوّل لهم أنفسهم المساس بهذه الأكاذيب والأساطير والخرافات.

كما كشفت غزة للعالم حجم الوحشية والعنصرية والحصار والظلم والاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على أيدي الاحتلال الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين قبل حوالي ٨٠ عاماً، تحت دعاوى أنهم شعب الله المختار وأصحاب الأرض المقدسة الموعودة، وأنهم واحة الديمقراطية والمدنية والتقدم في الشرق الأوسط، وتحت دعاوى الخوف من البربرية العربية التي تحيط بالشعب اليهودي في دولته المزعومة وتريد أن تفتك به.

انتصر العالم لغزة، انتصر للبشرية المسحوقة تحت جنازير الدبابات البربرية، وللإنسانية البريئة المكفّنة بدمائها المفجوعة، انتصرت للأبرياء الذين نهبت أجسادهم ودفنت بقاياهم تحت التراب بينما كان أهلهم ينتظرونهم خلف الباب، انتصر للأجداث التي اقتحمت جرافات العدوان الهمجية قبورها ضد الظلم والعدوان الذي نزل بها، انتصر للمقاومة التي لا تعرف الانهزام، وترفض الاستسلام أمام عربدة التحالف الصهيو-أميركي، وانتصرت للشعب المضطهد المعذّب الذي لم يقهره الدمار والموت والإجرام والهمجية والوحشية التي ما زالت تلاحقه من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى آخر. انتصر العالم لغزة وحماس والسنوار وأبي عبيدة وفصائل المقاومة، انتصر لفلسطين وللشعب الفلسطيني الغارق في بحر المعاناة منذ مائة عام، ولم يسأل عن دينهم ولا لغتهم، وقد سقطت كل الروايات الكاذبة والتضليل الأسود الذي يتهمهم بالإرهاب والتطرف والظلامية والهمجية والوحشية.

بينما تستعد غزة لمراسم الاحتفال بالنصر، ما زال المرجفون تساورهم الشكوك، وتنهشهم الحسرة، ويصرّون على الاستمتاع بالمشهد الأخير، مشهد انسحاب المقاومة وهي ذليلة منكسرة تجر أذيال الهزيمة.

حسرة المرجفين

سبعة أشهر، وغزة تحاول بصمودها وبطولاتها إقناع المرجفين ممن حولها، من داخل الوطن ومن خارجه، أن حماس وفصائل المقاومة ليسوا عدوّاً لهم، وليسوا مصدر تهديد لعروشهم أو عامل زعزعة لاستقرارهم، وإنما عدوهم المحتل الغاصب الذي مضى عليه عقود متتالية وهو يحتال عليهم وعلى الدول العربية والإسلامية، تارة بالإغراء والترغيب، وتارة بالتهديد والتخويف، وتارة بالتهديد، حتى بات يصطادها دولة تلو أخرى، وأصبح الحليف المقرب والشريك المحبب، وسرعان ما اتخذ لنفسه من دولنا العربية والإسلامية سدنة وحماة، يبصرهم بأمور دينهم ودنياهم، وينير لهم طريق مصالحها وسر استقرار عروشها، ويصنع لهم من أبنائها عدوّاً لها تنقض عليه وتصبّ فوقه جام بطشها بلا شفقة أو رحمة. حاولت غزة إقناعهم، ولكن المرجفين لا يتعلمون، ولا يفقهون، فقد استحوذ عليهم الشيطان وأصمّ آذانهم.

وها هي غزة، وقد انتصرت على جحافل أعدائها بثباتها وعزيمة أبطالها، تستعد لمراسم الاحتفال بهذا الانتصار، إلا أن المرجفين ما زالت تساورهم الشكوك، وتنهشهم الحسرة، ويصرّون على الاستمتاع بالمشهد الأخير، مشهد غزّة المستباحة، وانسحاب المقاومة وهي ذليلة منكسرة تجر أذيال الهزيمة.

(انتهى)

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...