ويل للعرب!

بواسطة | فبراير 27, 2024

بواسطة | فبراير 27, 2024

ويل للعرب!

أتابع تفاصيل حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية المتواصلة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والموقف العربي العاجز المتخاذل عن نصرتها، وأتذكر أبيات الشاعر العراقي مظفر النواب “القدس عروس عروبتكم”، التي كتبها بعد عامين من نكسة يونيو/ حزيران ١٩٦٧م، التي احتل فيها الكيان الصهيوني الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، تلك القصيدة التي يعرفها جيداً أهل فلسطين خاصة والشارع العربي عامة، ويرددونها كلما تعرضت فلسطين لمجازر وحشية صهيونية، على مسمع ومرأى الزعماء العرب. وها هو المشهد يتكرر من جديد، ولكن بصورة صارخة لم تحدث من قبل على مدى تاريخ القضية الفلسطينية، بل وتاريخ البشرية جمعاء.

خمسة أشهر والزعماء العرب يقفون خلف أبواب غزة، يراقبون ما يقوم به الكيان الصهيوني بالصوت والصورة، ويستمعون لصرخات الاستغاثة، ويعجزون عن اتخاذ أي موقف موحّد لاقتحام الباب، ووضع حدٍّ لهذه المأساة.

حرب الإبادة الجماعية في غزة – مواقف عربية متخاذلة وانتهاكات صهيونية مستمرة

على أبواب غزة

ها هم الزعماء العرب أنفسهم؛ يقفون منذ خمسة أشهر، يستمعون لصرخات الاستغاثة المبحوحة المعبّأة بالدخان والغبار، ورذاذ الدماء المتفجرة من الشرايين الذبيحة للنساء والأطفال والشيوخ والشباب، الذين لا يجدون ملجأ يختبئون فيه من الحمم المتساقطة فوق رؤوسهم من كل حدب وصوب.. ها هم الزعماء أنفسهم، تصلهم صرخات الاستغاثة، فيهبّون ليحسبوا بإتقان عدد الضحايا والمصابين، والقبور المنبوشة، والمباني المدمرة، والطرقات المهدمة، والنازحين، ويتسابقون لكيل الإدانات والتنديدات والاعتراضات الملتوية، وإرسال الضمادات والأكفان والمساعدات الإغاثية التي يعجزون عن إدخالها لسد رمق الجوع والعطش لدى النازحين الفارين أمام القتل والقنص من مكان إلى مكان، دون جدوى.

ويتساءل الشارع العربي المهزوم بكل حسرة وألم عن سبب هذا العجز والخذلان:

   – أَهُو الارتهان للولايات المتحدة الأميركية، سيدة القطب الأوحد وزعيمة النظام العالمي، والممسكة مع حلفائها بخطوط استقرار الزعماء العرب وأنظمتهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؟

   – أم هو الهشاشة السياسية التي يمكنها الإطاحة بعروشهم عند أي هزّة خفيفة قد تتعرض لها من الداخل أو الخارج؟

   – أم هو الرغبة في التخلّص من حركة حماس المصنّفة عند العديد من الدول العربية كحركة إرهابية، وقد ازدادت هذه الرغبة بعد أن كشفت حماس عورتهم، عندما قامت في مواجهتها للكيان الصهيوني بما لم تستطيع الجيوش العربية جمعاء القيام به على مدى تاريخ القضية الفلسطينية؟

   – أم هو الهزيمة الداخلية التي تعشش في الصدور خوفاً من الفناء والانهيار؟

   – أم هو الفرقة والتناحر وغياب العمل العربي المشترك، والانشغال بالمصالح الذاتية لكل دولة على حدة؟

   – أهو كل ذلك؟ أم هو غير ذلك؟

خمسة أشهر والزعماء العرب يقفون خلف أبواب غزة، يراقبون ما يقوم به الكيان الصهيوني بالصوت والصورة، ويستمعون لصرخات الاستغاثة، ويعجزون عن اتخاذ أي موقف موحد لاقتحام الباب، ووضع حدٍّ لهذه المأساة.

الأمر لا يحتاج إلى إعلان حرب من الدول العربية على دولة الكيان الصهيوني، ولا يحتاج إلى الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، كل ما يحتاجه الأمر موقفًا مشتركًا يتجاوز حدود العبارات المهزوزة والمناشدات الواهية التي تملأ البيانات والتصريحات، موقفًا جدّيًّا يهدد بإلغاء معاهدات السلام وإيقاف مسيرة التطبيع، وتجميد العلاقات في شتى المجالات والبرامج والمشروعات الاستثمارية العربية الأميركية الصهيونية المشتركة.. إلا أن شيئًا من ذلك لم يحدث، ويبدو أنه لن يحدث.

حالة العجز والاستكانة التي تلف الموقف العربي، ساعدت الكيان الصهيوني على الاستمرار في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لا يمنعه موقف إقليمي ولا دولي، ولا قانون دولي أو إنساني.

ويل للعرب

حالة العجز والاستكانة التي تلف الموقف العربي، ساعدت الكيان الصهيوني كثيرًا على الاستمرار في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مدى الأشهر الخمسة الماضية، في استباحة كاملة لكل شيء، لا يمنعه موقف إقليمي ولا دولي، ولا قانون دولي أو إنساني، ولا موقف شعبي أو نخبوي أو مؤسساتي، ولا يوقفه تزايد عدد القتلى والمصابين ولا مشاهد الدمار المتراكم في طول غزة وعرضها.

وقد بلغت حالة العجز هذه درجة الضغط على حركة حماس لتخفيف شروطها للإفراج عن الأسرى والمحتجزين، بما ينسجم مع الموقف الأميركي والصهيوني، دون التزام بوقف شامل ونهائي لوقف إطلاق النار! وماذا على حماس أن تفعل في مثل هذه الحالة؟ أتُصرّ على مطالبها التي ترفضها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ما يعني استمرار الدمار والقتل لمئات المدنيين يوميًّا، واستمرار النزوح والجوع والموت البطيء لحوالي مليوني مدني في عموم القطاع؟ أم ترضخ للضغوط التي ستنتهي بالإفراج عن الأسرى والمختطفين مقابل بضع مئات من الأسرى الفلسطينيين، وتمكين الكيان الصهيوني من تعزيز موقفه في الشارع الصهيوني، والاستعداد لمواصلة الحرب في جولة ثالثة لتحقيق بقية أهدافه، المعلنة منها وغير المعلنة؟

أما والحال هكذا، فلك الله يا غزة، ولك الله يا حماس، وويل للعرب، ويل للعرب، ويل للعرب، مما ستحمله لهم الأيام القادمة. 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...