أحفاد أبي رُغال!

بواسطة | ديسمبر 29, 2023

بواسطة | ديسمبر 29, 2023

أحفاد أبي رُغال!

تتناول هذه المقالة قصة “أبو رُغال” الذي خان ودل “أبرهة الحبشي” على الكعبة في عام الفيل، وكيف تحوّل هذا الحدث التاريخي إلى رمز للخيانة. يتم استعراض تحول مفهوم الخيانة إلى مفهوم أوسع يشمل الخيانة السياسية والاستخباراتية في العصور الحديثة.

مفهوم الخيانة وتأثيرها على المجتمع

عندما جاء “أبرهة الحبشي” ليهدم الكعبة، عام الفيل الذي وُلدَ فيه النبي ﷺ، لم يكن يعرف الطريق إلى مكة.. إذ ذاك انبرى “أبو رُغال” ليدلّه عليها! فلما وصلوا إلى مكان يُقال له “المغمس” مات “أبو رُغال”، فصار رمزاً للخيانة، وكانت العرب في جاهليتها ترجم قبره!

ثم مضت الأيام، واكتشفنا أن الخائن أبا رغال ليس شخصاً بمقدار ما هو فكرة توجد منها آلاف النسخ في كل عصرٍ؛ وما أكثرهم في أيامنا هذه، إذ لا يخلو منهم بلد! وهم أحقر من أن يُمثِّلوا بلدانهم، كل ما في الأمر أن البيت مهما كان جميلاً فلا بد أن يكون فيه مرحاض، وهؤلاء هم مراحيض الأوطان!

منذ أيام خرج علينا أحفادُ أبي رغال بفتح استخباراتي، وزعموا أنهم اكتشفوا هويّة أبي عُبيدة الحقيقية، ونشروا في هذا فيديوهات وتغريدات ومنشورات ومقالات، وفخروا وتفاخروا وتشدّقوا!

وكما العادة، لم تُعلِّق المقاومة على كلامهم، كما لم تُعلّق من قبل على كلام كبيرهم الذي علّمهم النذالة “أفيخاي أدرعي”، حين أذاع اسماً غير الذي أذاعوه هم، وكما لن تُعلّق مستقبلاً! وهذا من ذكائها، فإن أخطأ الرّجمُ بالغيب فلن تقول لهم: حاولوا مرّة أخرى؛ وإن أصابوا فلن تقول لهم: أحسنتم وشكر لكم إبليس جهودكم.

الخيانة الحديثة

يا للبطولة يا أحفاد أبي رغال، يا للبطولة! ثم لنفترضْ جدلاً أنكم كشفتم هويته -جدلاً فقط- فهل كشفتم تاجر مخدرات يسلب الأموال ويقتل الأجساد؟! أم هل كشفتم مقاولاً فاسداً سرق المال العام، ونفّذ مشاريع دون المواصفات؟!

هل كشفتم قاتلاً هارباً متخفياً؟! هل كشفتم تاجر مواد غذائية منتهية الصلاحية تُؤذي الناس؟! إنكم لم تكشفوا سوى اسم بطل، ولصالح محتل لا يرى فيكم أكثر مما يراه صيّادٌ في كلبه! مجرّد كلب أثر لا شريك صيد!. هذا من باب أنه سلّمنا جدلاً فقط، فتخيلوا موقفكم غداً حين يُماط اللثام، وتكتشفون أنكم كلاب أثر فاشلة!

ثم ما القيمة العسكرية العظيمة في كشف وجه أبي عبيدة؟ وما أثره على سير الحرب، أو على مستقبل المقاومة؟! أسيادكم في تل أبيب يعلمون منذ سنوات أن اسم قائد كتائب القسّام هو محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، فماذا استفادوا من هذه المعلومة؟ ها هي دباباتهم تُحرق، وجنودهم تُداس رقابهم!. فإن كُشف وجه أبي عبيدة فهذا ليس له تأثير إلا على حياته الشخصيّة، مزيد من الأمن الشخصي، وقلة من الخُلطة بالنّاس، أما صوته فسيبقى كما هو يجعل تلّ أبيب كلّها ترتجف!

ثم لنفترض أن يستشهد أبو عبيدة، حفظه الله لنا وأبقاه شوكةً في حلوقكم وحلوق أسيادكم في تل أبيب، فسيأتي غيره.. أبو عبيدة هو الناطق العسكري باسم كتائب القسّام، أي الرجل الذي يخرج علينا ليخبرنا بما فعلته كتائب القسّام، ولا يخرج علينا ليخبرنا بما فعله هو! إنها فكرة وليست أشخاصاً، وهذا ما لا يستطع العبيد من أمثالكم فهمه، ونحن نُحبُّ الأشخاص لإيمانهم بالفكرة، ولحُسن عرضها، بفصاحةٍ وجرأةٍ وثباتٍ، ولكننا لا نربطها بالأشخاص وإن أحببناهم!

أخيراً لمن يعقل منكم:

تخيّلوا أنه يوم القيامة، وقد قام الناس لربّ العالمين، ولحق كل قوم بأحبابهم، ففي أيّ صفّ تريدون أن يكون محشركم.. في صفّ أبي عبيدة أم في صفّ أفيخاي أدرعي؟!

هذه حرب لا منتصف فيها، أبيض أو أسود، حقّ أو باطل، وإنها أيام وتمضي، وعند الله تجتمع الخصوم!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...